مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " والخصم فيما جنى على العبد سيده فإن أحب المرتهن حضر خصومته فإذا قضى له بشيء أخذه رهنا ولو عدا المرتهن كان عفوه باطلا " .
قال الماوردي : هذا كما قال ، . المطالب بما جنى على العبد والخصم فيه الراهن دون [ ص: 175 ] المرتهن
وقال أبو حنيفة رحمه الله المطالب به والخصم فيه المرتهن دون الراهن بناء على أصله في أن الرهن مضمون على مرتهنه ، ولأن اليد له فوجب أن يكون له حق المطالبة كالمالك والدليل بناؤه على أصلنا في أن الرهن على ملك راهنه وغير مضمون على مرتهنه فوجب أن يكون استحقاق المطالبة لمالكه كغير الرهن ولأن الجناية على العبد قد توجب القود تارة والمال أخرى ثم أنها لو أوجبت القود كان الخصم فيها الراهن لحق ملكه دون المرتهن وكذا إذا أوجبت المال يجب أن يكون الخصم فيها الراهن لحق الملك دون المرتهن .
وقد تحرر من اعتلال هذا الاستدلال قياسان :
أحدهما : أن كل من كان خصما في العمد كان خصما في الخطأ كغير المرهون .
والثاني : أن كل من كان خصما في غير المرهون كان خصما في المرهون كالعمد : فأما ما ذكره من بناه على أصله فمقابل بمثله ، وما ذكره من حق اليد فينتقض بالمستأجر له يد وليس بخصم .
فصل : فإذا ثبت أن الخصم في الجناية هو الراهن فللمرتهن حضور خصومته ليرتهن ما يقضى به من أرش ولا يخلو حال الجاني من أحد أمرين :
إما أن يعترف بالجناية أو ينكرها فإن اعترف بالجناية نظر ، فإن صدقه الراهن والمرتهن عليها كان الأرش ملكا للراهن ووثيقة للمرتهن ، وإن صدقه الراهن وكذبه المرتهن كان الأرش ملكا للراهن وبطل أن يكون وثيقة للمرتهن ، فإن صدقه المرتهن وكذبه الراهن كان الأرش المأخوذ وثيقة للمرتهن وبطل أن يكون ملكا للراهن ، فإن أخذ المرتهن حقه من غير الأرش وجب رد الأرش على الجاني ، وإن لم يأخذ حقه من غير الأرش فله أن يأخذه من الأرش لكونه وثيقة فيه ، فإن بقي من الأرش بعد قضاء الحق بقية وجب ردها على الجاني ، فهذا حكم اعتراف الجاني .
وإن أنكر الجاني فإن قامت عليه بينة بالجناية لزمته الجناية وإن لم تقم عليه بينة فالقول قول الجاني مع يمينه فإن حلف فلا شيء عليه وإن نكل عنها ردت اليمين على الراهن لأنه مالك بموجبها فإن حلف ثبتت الجناية وإن نكل عنها فهل يجب إحلاف المرتهن فيها أم لا ؟ على قولين مضيا .
فصل : فإذا ثبتت الجناية على الجاني إما بإقرار أو ببينة لم يخل حالها من أحد أمرين :
إما أن تكون خطأ يوجب المال أو تكون عمدا يوجب القود ، فإن كانت فليس للراهن قبض أرشها لأنه إن كان خصما فيه فحق المرتهن متعلق بأرشها وإنما له أن [ ص: 176 ] يثبت على الجاني ما وجب بها ، والواجب أن يقبض الأرش ما كان قابضا للرهن ، فإن كان الرهن في يد المرتهن فللمرتهن قبض الأرش ، وإن كان على يد عدل فللعدل قبض الأرش ، فإن عفا الراهن والمرتهن عن الأرش برئ الجاني ولم يكن للعدل أن يقبض الأرش ، وإن عفا المرتهن عن الأرش دون الراهن بطلت وثيقة المرتهن في الأرش ولم يبرأ الجاني وكان للراهن أن يقبض منه الأرش دون العدل لأن العدل إنما كان له أن يقبض الأرش لحق المرتهن وعفو المرتهن قد أبطل وثيقته فيه فلم يبق للعدل نيابة عنه ، وإن عفا الراهن دون المرتهن لم يصح عفوه لأن تعلق حق المرتهن به قد أوقع حجرا عليه والمحجور عليه إذا عفا عن ملكه لم يصح عفوه فلذلك قلنا إن عفو الراهن لا يبطل ملكه لأن للمرتهن حجرا عليه ، وعفو المرتهن يبطل وثيقته لأنه ليس للراهن حجرا عليه ، وإذا لم يصح عفو الراهن فللعدل قبض الأرش دون المرتهن لبقاء نيابة العدل عن الراهن إذ عفوه لم يبطل ملكه عن الأرش ، فإذا قبض المرتهن حقه من الأرش كان الفاضل منه مردودا على الراهن وإن تقدم منه العفو والله أعلم . خطأ يوجب المال
فصل : وإن كانت فللراهن الخيار بين القصاص أو المال فإن اختار القصاص فله أن يقتص وإن لم يحضر المرتهن . الجناية عمدا يوجب القود
وقال أبو حنيفة ليس للراهن أن يقتص إلا بحضور المرتهن وهذا ليس بصحيح لأن القصاص من حقوق الملك وليس من حقوق الرهن لما فيه من إبطال الرهن .
وإن اختار الراهن المال وعفا عن القصاص كان الحكم في المال على ما مضى في جناية الخطأ ليس للراهن أن يقبضه والمستحق لقبضه من كان الرهن في يده .
فإن عفا الراهن عن القصاص والمال معا فإن كان بإذن المرتهن صح عفوه عنهما وإن كان بغير إذن صح عفوه عن القصاص وهل يصح عن المال أم لا على قولين مضيا .