مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو لم يفسد فمات قبل أن يتم الحج ، فله بقدر عمله ولا يحرم عن رجل إلا من قد حج مرة " .
قال الماوردي : وهذا صحيح وجملة ذلك أن من لم تخل حال موته من ثلاثة أقسام : إما أن يموت قبل الإحرام أو يموت بعد كمال الأركان ، أو يموت بعد الإحرام وقبل كمال الأركان . استؤجر ليحج عن ميت فمات
فأما القسم الأول : وهو أن يموت قبل الإحرام فعلى وجهين :
أحدهما : أن يموت قبل التوجه في سفره وقبل الحصول بميقاته ؛ فمذهب الشافعي أنه لا يستحق بسفره شيئا من الأجرة : لأن قطع المسافة إنما يراد للعمل ، فإذا لم يقترن به عمل لم [ ص: 273 ] يستحق عليه عوضا ؛ ألا ترى أن من استؤجر لبناء حائط فجمع الآلة للبناء ثم لم يبن ، لم يستحق شيئا من الأجرة لعدم المقصود بالعقد ؟ كذلك الإجارة على الحج ، وقد خرج قول آخر : أن له من الأجرة بقدر المسافة مخرجا من احتلاف قوليه في الأجرة : هل تتقسط على المسافة والعمل أم لا ؟ وهو مذهب أبي سعيد الإصطخري وهذا غير صحيح : لأن المسافة إنما تتقسط الأجرة عليها على أحد القولين إذا اقترن بها العمل المقصود ، فأما إذا لم يقترن بها العمل فلا تتقسط عليها الأجرة ، فإذا ثبت أنه لا يستحق بذلك شيئا من الأجرة نظر في الإجارة ؛ فإن كانت معينة بطلت ، وإن كانت في الذمة لم تبطل .
والوجه الثاني : أن يموت بعد التوجه في سفره وبعد مجاوزة ميقاته وقبل الإحرام بنسكه ، فالكلام في استحقاق الأجرة بسفره على ما مضى ، لكن قد اختلف أصحابنا : هل وجب عليه لمجاوزة الميقات دم أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : قد وجب عليه دم في ماله : لأنه قد جاوز الميقات مريدا الإحرام كالحي .
والوجه الثاني : وهو الصحيح لا دم عليه : لأن مجاوزة الميقات إنما يجب بها الدم إذا تعقبها الإحرام ، والموت قاطع عن الإحرام فصار كمن مر بميقاته مريدا الحج فلم يحرم في عامه ولا دخل مكة بعد مجاوزته ، فهذا الكلام فيما إذا مات قبل الإحرام .