مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويطوف بالبيت طواف الفرض وهي الإفاضة ، وقد حل من كل شيء النساء وغيرهن " .
قال الماوردي : قد ذكرنا أنه يفعل يوم النحر أربعة أشياء : ثلاثة منها بمنى ، وهي الرمي والنحر والحلاق ، والرابعة بمكة وهي الطواف ، وطواف الإفاضة ، أي الإفاضة من عرفات ، ويسمى طواف الصدر ، يعني حين يصدر الناس من منى ، ويسمى طواف الزيارة ؛ لزيارتهم البيت بعد فراقهم له ، ويسمى طواف الفرض : لأنه ركن مفروض لا يتم الحج إلا به ، والدلالة على وجوبه قوله تعالى : ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق [ الحج : 29 ] ، ، ولرواية جابر ، وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رمى الجمرة بمنى ، وذبح أفاض إلى مكة وطاف ، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف طواف الإفاضة طلب الخلوة مع صفية ، فقيل : إنها حائض ، فقال : عقرى حلقي ألا حبستنا ، فلولا أنه ركن لا يجوز تركه لم تكن حابسة له ، فإذا ثبت أنه ركن واجب فأول زمان فعله بعد نصف الليل من ليلة النحر : لأنه أول نهار التحلل ، ووقته في الاختيار قبل زوال الشمس من يوم النحر ، فإذا طاف وسعى نظر ، فإن كان قد سعى قبل عرفة فقد حل من إحرامه واستباح جميع ما حظر عليه ، وإن لم يكن سعى قبل عرفة سعى بعده ، وكان على إحرامه ، ولا يتحلل منه الإحلال الثاني حتى يسعى سبعا بعد طوافه ، ثم يتحلل حينئذ ولا يبقى عليه من حجه إلا رمي أيام منى ، والمبيت بها ، فإن أخر الطواف عن يوم النحر ، فقد أساء إذا كان تأخيره من غير عذر ، وعليه أن يطوف في أيام التشريق أو بعدها ، فإن لم يطف حتى عاد إلى بلده كان على إحرامه حتى يعود فيطوف ، فإذا طاف فقد حل ، ولا دم عليه في تأخيره ، فإن كان قد طاف طواف الوداع كان عن فرضه ، وتحلل به من إحرامه وأجزأه ؛ لأن أركان الحج إذا تطوع بها وكان عليه فرض من جنسها انصرفت إلى مفروضها وعليه دم طواف الوداع .
وقال أبو حنيفة : إذا أخر طواف الزيارة عن أيام التشريق فعليه دم : لتأخيره ، وهذا غير صحيح : لأن وقته المسنون يوم النحر ، ثم لا يلزمه الدم بتأخيره إلى أيام التشريق ، لأنه في [ ص: 193 ] كلا الوقتين مسقط لغرض الطواف بفعله ؛ ولأنه ركن أخره عن وقته المختار إلى وقت يسقط عنه الفرض بفعله ، فوجب أن يلزمه دم بتأخيره قياسا على تأخير الوقوف بعرفة من زمان النهار إلى زمان الليل .