مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإذا غربت الشمس دفع الإمام وعليه الوقار والسكينة ، فإن وجد فرجة أسرع " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، السنة بعرفة أن يقيموا بها حتى تغرب الشمس ، ثم يدفعوا منها بعد الغروب ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولرواية للإمام ومن معه محمد بن قيس ، عن المسور بن مخرمة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفات ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد فإن هذا يوم الحج الأكبر ، كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل أن تغيب الشمس ، إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم ، وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس ، عرفة إلى مزدلفة قبل غروب الشمس ، فحجه مجزئ ، وعليه دم وفيه قولان : فإن دفع من
أحدهما : وهو قوله في القديم والجديد إنه واجب ؛ لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه موقوفا عليه ومسندا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ترك نسكا فعليه دم " والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس نسك فوجب أنه يجب فيه دم ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سن الدفع من عرفة بعد غروب الشمس ، كما سن الإحرام من الميقات ثم ثبت أن الدم على مجاوز الميقات واجب ، فكذا الدم على الدافع من عرفة قبل غروب الشمس واجب .
والقول الثاني : وهو قوله في الأم والإملاء : أن الدم استحباب ، وليس بواجب ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعروة بن مضرس وقد وقف بعرفة ليلا ولم يأمره بدم فدل أنه ليس بواجب ؛ ولأن الليل والنهار وقت لإدراك الوقوف من أفاض من عرفات ليلا كان أو نهارا فقد قضى تفثه وتم حجه . بعرفة ، ثم ثبت أنه لو وقف بها ليلا دون النهار لم يلزمه دم ، كذلك إذا وقف بها نهارا دون الليل لم يلزمه دم .