قال الماوردي : أما بعرفة فركن من أركان الحج واجب ، لا نعرف فيه خلافا بين العلماء : لرواية الوقوف بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عرفة فقد أدرك الحج ، أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه . فإذا ثبت ذلك فالكلام بعده في فصلين : الحج عرفات ، فمن أدرك
أحدهما : موضع الوقوف .
والثاني : زمان الوقوف .
فأما عرفة ، موضع الوقوف فهو وعرفة ما جاوز وادي عرفة الذي فيه المسجد ، وليس المسجد ولا وادي عرفة من عرفة إلى الجبال القابلة على عرفة كلها مما يلي حوائط بني عامر ، وطريق الحصن ، فإذا جاوزت ذلك فليس من عرفة ، وهذا حد الشافعي ، وهو به أعرف ، فإذا فرغ الإمام من الصلاة توجه من مسجد إبراهيم إلى عرفة ، وقد حكى سفيان بن عيينة أن قريشا كانت تسمى الحمس ، وكانوا لا يخرجون من الحرم يوم عرفة ، ويقفون بنمرة دون عرفة في الحرم ، ويقولون لسنا كسائر الناس ، نحن أهل الله فلا نخرج من حرم الله ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقف مع قريش في الحرم ، ويخرج مع الناس إلى عرفة ، فروى عمرو بن دينار عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : ذهبت أطلب بعيرا إلى عرفة ضل مني ، حتى أتيت عرفة فإذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف مع الناس بعرفة ، فقلت : هذا من الحمس فما له خرج من الحرم ، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، ضربوا قبته بنمرة على رسم قريش ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزل هناك إلى أن زالت الشمس ثم خرج ومضى إلى عرفة مسجد إبراهيم فصلى هناك ، ثم راح إلى عرفات ، فقلعت قبته ، ورفعت إلى الموقف ، وأنزل الله تعالى في ذلك : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس [ البقرة : 199 ] ، أو ارجعوا من حيث رجع الناس ، وفي الناس هاهنا قولان :
أحدهما : أنه إبراهيم ؛ لأنه كان يقف بعرفة .
والثاني : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وقف بها وفي تسمية قريش بالحمس قولان :
أحدهما : لأنهم تحمسوا في دينهم ، أي تشددوا ، ومنه قول العجاج :
وكم قطعنا من قفاف حمس
أي شداد .والثاني : أنهم سموا حمسا بالكعبة ؛ لأنها حمس ، حجرها أبيض يضرب إلى السواد .
[ ص: 172 ] وروى جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمنا عرفة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذه عرفة وكلها موقف ، إلا وادي عرفة . وروى عبد الله بن صفوان عن خال له قال : كنا في موقف لنا بعرفة ، فأتانا ابن مربع الأنصاري قال : إبراهيم ، فإذا ثبت أن أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يأمركم أن تقفوا على مشاعركم هذه ، فإنكم على إرث من إرث أبيكم عرفة هي الموقف فالذي يختار من ذلك أن يقصد نحو الجبل الذي يقال له جبل الدعاء ، وهو موقف الأنبياء صلى الله عليهم ، والموقف الذي وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بين الأجبل الثلاثة ، وموقفه على الثالث هو الطواف الذي عند السن الذي خلفه مقام الإمام ، وقف على ضربين من الثالث ، وجعل بطن ناقته إلى الصخرات ، وجعل جبل المشاة بين يديه ، فهذا أحب المواقف إلينا ، أن يقف فيه الإمام ومن معه من الناس .
قال الشافعي : وحيث وقف الناس من عرفة في جوانبها ونواحيها ومضاربها ، وجبالها وسهولها وبطنها وأوديتها وسوقها المعروف بذي المجاز أجزأ ، إذا وقف في الموضع الذي يعرفه العرب بعرفة ، فأما إذا وقف بغير عرفة من ورائها أو دونها في عرفة عامدا أو ناسيا أو جاهلا بها لم تجزه ، وقال مالك : يجزئه وعليه دم ، وهذا خطأ ، لقوله صلى الله عليه وسلم عرفة ، فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج ، ومن فاته عرفة فقد فاته الحج . الحج