مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإذا رأى البيت قال : اللهم زد هذا البيت [ ص: 133 ] تشريفا ، وتعظيما ، ومهابة ، وتكريما ، وزد من عظمه وشرفه ، ممن حجه أو اعتمر تشريفا ، وتعظيما ومهابة ، وتكريما وتقول اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام " .
قال الماوردي : إذا دخل المحرم إلى مكة ، فرأى البيت قبل وصوله إليه ، فيستحب أن يقول ما حكاه الشافعي ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعده : اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام فقد قالها سعيد بن المسيب ، وحكاه عن عمر ، ثم يصلي بعد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم . قال الشافعي : وما قال من حسن أجزأه ، ويستحب أن يرفع يديه عند دعائه إذا رأى البيت ، وحكي عن جابر أنه كره رفع اليدين عند رؤية البيت ، وقال : ما أعرف ذلك إلا لليهود ، وقد سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعل ذلك . والدلالة عليه رواية مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ترفع الأيدي في الصلاة وإذا رأيت البيت ، وعلى الصفا والمروة ، وعشية عرفة ، وبجمع ، وعند الجمرتين ، وعلى البيت . وروى حبيب عن طاوس قال : لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه فوقع زمام ناقته ، فأخذه بشماله ورفع يده اليمنى .
قال الشافعي : إذا دخل مكة لم يبدأ بشيء قبل دخول المسجد الحرام ويختار أن يكون دخوله من الباب الأعظم الذي يلي المعلاة والردم ، وهو باب بني عبد شمس ، الذي يعرف اليوم ببني شيبة : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الجهة قصد ، ولأنه يكون محاذيا لوجه الكعبة ، وبابها والمنبر ، والمقام والركن ، وقد قال تعالى : وأتوا البيوت من أبوابها [ البقرة : 189 ] . ولأن كل مقصود فسبيله أن يؤتى من قبل وجهه ، لا من ظهره ، وليكون من قوله عند دخوله ، ما رواه أبو حميد الساعدي قال : وروى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وليقل : اللهم إني أسألك من فضلك " الأوزاعي قال : لما دخل عمر بن عبد العزيز المسجد الحرام قال : اللهم إنك قلت في كتابنا : " ومن دخله كان آمنا " اللهم فاجعل أماننا عندك ، وأن تكفينا مؤنة الدنيا ، وكل هول دون الجنة . فإذا دخل المسجد لم يبدأ بشيء غير الطواف ، فيطوف بالبيت سبعا . لرواية جابر بن عبد الله قال : " دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حال ارتفاع الضحى ، فلما أتى باب المسجد ، أناخ راحلته ، ثم دخل المسجد ، فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه من البكاء ، ثم رمل حتى انتهى إلى الركن الآخر فاستلمه ورمل ثلاثا ومشى أربعا ، فلما فرغ قبل الحجر ووضع يديه عليه ، ثم مسح بهما وجهه " . وروى عبد الله بن عمر قال : كان أحب الأعمال إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم مكة ، الطواف بالبيت . ولأن طواف القدوم تحية البيت ، كما أن الركعتين تحية المسجد ، ثم كان قاصد المسجد مأمورا بتحيته ، فكذلك قاصد البيت مأمور بتحيته .
[ ص: 134 ] فإن قيل : هلا كانت تحية البيت صلاة ركعتين كسائر المساجد .
قيل : لما كان البيت أفضل من سائر المساجد ، وجب أن تكون تحيته أفضل من تحية سائر المساجد ، والطواف أفضل من الصلاة ، لرواية عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل الله تعالى على هذا البيت في كل يوم عشرين ومائة رحمة ، ستون منها للطائفين ، وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين فيجعل للطائف أكثر من أجر المصلي " . فدل على أن الطواف أفضل من الصلاة . وروى أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أكرم سكان أهل السماء على الله ، الذين يطوفون حول عرشه ، وأكرم سكان أهل الأرض ، الذين يطوفون حول بيته " . وروى الحسن قال : سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو الملائكة صافحت أحدا ، لصافحت الغازي ، والطواف بالبيت خوض في الرحمة ، وإن الله تعالى ليباهي بالطائفين الملائكة . وهذا الطواف سمي طواف القدوم ، وطواف الورود ، وطواف التحية ، وليس بنسك ، فإن تركه تارك ، فحجه يجزئ ، ولا دم عليه . قال أبو ثور : هو نسك ، لحجة المحرم ، وعلى تاركه دم . قال مالك : إن تركه مرهقا ، أي مستعجلا ، فلا شيء عليه ، وإن تركه مطيقا ، فعليه دم . وهذا خطأ : لأن هذا الطواف تحية البيت ، وليس بنسك يتعلق بالحج ، ألا ترى أنه لو طاف بهم الوقت ، فتوجهوا إلى عرفة ، يسقط عنهم ، ولو كان نسكا ، لزمهم أن يقضوا إذا عادوا ، أو يفتدوا بدم ، فثبت أنه ليس بنسك .