مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن جعل على نفسه اعتكاف شهر ، ولم يقل متتابعا أحببته متتابعا " . قال المزني : وفي ذلك دليل أنه يجزئه متفرقا .
قال الماوردي : أما إن ، لزمه اعتكاف جميعه متتابعا ليلا ونهارا ؛ لأن الشهر جميع الليالي والأيام فأما إن نذر اعتكاف شهر ، ولم يعينه بل أطلق نذره فيه فعليه اعتكاف الليل مع النهار ؛ لأن الشهر يجمعهما ، فإن تابع اعتكافه كان أولى وإن فرقه جاز ، وقال نذر اعتكاف شهر بعينه أبو حنيفة : " يلزمه اعتكاف شهر متتابع فإن فرقه لم يجزه " استدلالا بأن الاعتكاف يصح ليلا ونهارا ، فوجب إذا أطلق شهرا أن يلزمه متتابعا ، كما لو قال : والله لا كلمت زيدا شهرا لزمه الامتناع من كلامه شهرا متواليا ، وقوله يصح ليلا ونهارا احترازا من الصيام ؛ لأنه لو نذر صيام شهر أجزأه متفرقا عند أبي حنيفة قال : ولأنه معنى يتعلق بالمدة المطلقة فوجب أن يقتضي إطلاق التتابع كالعدة والإيلاء ، ودليلنا هو أن الشهر ينطبق على ما بين الهلالين وعلى العدد ، وهو ثلاثون يوما مجتمعا ومتفرقا فإذا لم يشترط أحدهما فله أن يأتي به كيف شاء متتابعا ومتفرقا لانطلاق اسم الشهر عليه ، ولأنه نذر عبادة شهر مطلق ، فوجب أن لا يلزمه التتابع كما لو نذر مطلقا صيام شهر ، فأما ما ذكره من اليمين ومدة العدة ومدة الإيلاء ، فالجواب عنه هو أنا إنما ألزمناه الموالاة في مدة العدة واليمين ؛ لأن عليه أن يبتدئ بالمدة من وقت اليمين وكذلك العدة ، ولا يقدر على ذلك إلا بالموالاة فأما أن تكون الموالاة شرطا فيه ، ألا تراه لو حلف على زمان لا يوصف بالموالاة وهو أن يقول : والله لا كلمت زيدا يوما ابتدأ ذلك اليوم من وقته فعلم ، أن المتابعة ليست شرطا فيه ، وكذلك الاعتكاف لأنه مخير في ابتدائه ألا تراه لو قال : لله علي اعتكاف أي شهر كان إن شاء بدأ فيه من وقته ، وإن شاء أخره ، ومثال العدة من الاعتكاف واليمين ، أن يقول : لله علي اعتكاف شهر من وقتي هذا فيلزمه المتابعة لما فيه من البداية به من وقته فبطل استدلاله بذلك .