مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو اشترى شيئا للتجارة ثم نواه لقنية لم يكن عليه زكاة ، وأحب لو فعل ، ولا يشبه هذا السائمة إذا نوى علفها ، فلا ينصرف عن السائمة حتى يعلفها " .
قال الماوردي : وهذا كما قال :
إذا ، لأن - النية لم تتجرد عن الفعل فإن قيل : لو اشترى شاة بنية الأضحية لم تصر أضحية بالشراء والنية حتى يتعقبها القول فما الفرق بينها ؟ قيل : بينهما فرقان : اشترى عرضا بنية التجارة جرت فيه الزكاة وثبت له الحول من وقت الشراء
أحدهما : أن الشاة يمكن أن تصير أضحية بعد الشراء بأن يقول هذه أضحية فلذلك لم تكن أضحية بنفس الشراء والنية ، والعرض لا يصير للتجارة بعد الشراء بالقول ، ولا بالنية فلذلك صار للتجارة بنفس الشراء والنية .
والفرق الثاني : أن جعل الشاة أضحية يزيل الملك ، والشراء يجلب الملك فلم يصح اجتماعهما لتنافيهما ، وجعل العرض للتجارة غير مزيل للملك فلم يناف الشراء فصح اجتماعهما فإذا ثبت أنه يكون للتجارة بالشراء والنية فالزكاة جارية فيه ، فلو نوى أن يكون للقنية صار للقنية بمجرد النية وسقط وجوب الزكاة فيه .
والفرق بين أن يصير للقنية بمجرد النية ولا يصير للتجارة ، لأن القنية كف وإمساك ، فإذا نواها فقد وجد الكف والإمساك معها من غير فعل يحتاج إلى إحداثه ، فصار للقنية والتجارة فعل وتصرف ببيع وشراء ، فإذا نواها وتجردت النية عن فعل يقارنها لم تصر للتجارة : لأن الفعل لم يوجد ، وشاهد ذلك السفر الذي يتعلق بوجوده أحكام وزواله أحكام ، فلو نوى المقيم السفر لم يصر مسافرا : لأن السفر إحداث فعل والفعل لم يوجد ، ولو نوى المسافر الإقامة صار مقيما : لأن الإقامة لبث وكف عن فعل ، وذلك قد وجد فلو كان بيده عرضان للتجارة ، فنوى قنية أحدهما كان ما لم يبقه قنيته على حكم التجارة تجري فيه الزكاة ، وما نوى قنيته خارج عن حكم التجارة ، لا تجب فيه الزكاة ، ولو كان بيده عرض للتجارة فنوى قنية بعضه ، فإن وجد ذلك البعض بإجارة عن الجملة أو إشاعة معلومة ، كان مقتنيا لما نوى من بعضه متخيرا لما بقي من جملته ، وإن لم يجد ذلك البعض فعلى وجهين :
أحدهما : لا حكم للقنية للجهل بها ، ويكون جميع العرض على حكم التجارة .
[ ص: 298 ] والوجه الثاني : يجعل نصفه للقنية ، والنصف الثاني للتجارة تسوية بين البعضين وتعديلا بين الحكمين .