فصل : فأما إذا فقد اختلف قول مات دافع التعجيل قبل الحول وهو رب المال الشافعي هل يبني ورثته على حوله أم يستأنفون الحول بعد موته على قولين :
أحدهما : وهو قوله في القديم : يبنون على حوله ؛ لأن كل من ملك مالا بالإرث فإنه يملكه بحقوقه ، ألا ترى أن الرجل إذا مات وله شقص قد استحق به الشفعة فإن ورثته يملكون الشقص مع حقه من الشفعة ، ولو مات وله دين برهن انتقل الدين إلى ملك ورثته مع [ ص: 173 ] حقه من الرهن ، فكذلك الحول من حقوق ملكه ، فإذا انتقل الملك إلى ورثته وجب أن ينتقل بحقه وهو الحول .
والقول الثاني : وهو أصح وبه قال في الجديد : أنهم يستأنفون الحول ولا يبنون ؛ لأن الحول ثبت مع بقاء المالك ، ويرتفع بانتقال الملك ، ولا يبني من استفاد ملكه على حول من كان مالكا ، كمن اتهب مالا أو ابتاعه ، فمن قال بهذا أجاب عن احتجاج القول الأول بأن قال : حقوق الملك ضربان : حق للمالك كالشفعة والرهن ، وحق على الملك كالحول ، فما كان حقا للمالك انتقل للوارث مع حقه ، وما كان حقا على الملك انتقل الملك إلى الوارث دون حقه .
يوضح ذلك أن من انتقل العبد إلى ملك الوارث مع استحقاق أرشه ؛ لأنه حق هو له ، ولو مات عن عبد جنى عليه قبل أخذ أرشه لم يعتق ؛ لأنه حق عليه ، كذلك الحول هو حق على المالك فلم ينتقل إلى الورثة بانتقال الملك . أعتق عبده بصفة فقال : إن دخلت الدار فأنت حر ، ثم مات قبل وجود الصفة فانتقل العبد إلى ملك الورثة ثم وجدت الصفة
فلما تقرر هذان القولان فللورثة حالان :
أحدهما : أن يقتسموا المال قبل حوله .
والثاني : أن يكون شائعا بينهم إلى انقضاء حوله ، فإن اقتسموه قبل الحول نظر فإن كانت حصة كل واحد منهم أقل من نصاب فلا زكاة عليهم ، ثم ينظر فيما عجله الميت ، فإن شرط فيه التعجيل كان لهم استرجاعه والاقتسام به ، وإن لم يشترط فيه التعجيل لم يكن لهم استرجاعه ، وإن كانت حصة كل واحد منهم نصابا فأكثر لزمتهم الزكاة ، فإن قيل : إنهم يبنون على حول ميتهم ، كان ما عجله الميت مجزئا عن زكاتهم ، وإن قيل : إنهم يستأنفون الحول فهل يجزيهم تعجيل ميتهم أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو منصوص الشافعي في " الأم " أن ذلك يجزئهم ؛ لأنهم لما قاموا مقامه في قضاء دينه واقتضاءه قاموا مقامه في تعجيل زكاته .
والوجه الثاني : وهو قول بعض أصحابنا : أنه لا يجزئهم ، لأنهم لما استأنفوا الحول بعد الموت لم يجزهم ما تقدم من التعجيل قبل الموت ؛ لأنه يصير تعجيلا قبل وجوب النصاب والحول ، فعلى هذا إن كان الميت قد شرط التعجيل كان لهم استرجاعه والاقتسام به ، وإن لم يشترط التعجيل لم يكن لهم استرجاعه ، هذا إذا اقتسم الورثة المال قبل الحول ، فأما إذا لم يقتسموه حتى حال حوله فإن كان حصة كل واحد منهم نصابا فعليهم الزكاة ، ويكون الإجزاء فيما عجله الميت على ما مضى ، إن قيل : إنهم يبنون أجزأهم ، وإن قيل : إنهم يستأنفون فعلى وجهين ، وإن كانت حصة كل واحد منهم أقل من نصاب ، وإنما المال [ ص: 174 ] المشاع بينهم نصاب ، فلا يخلو حال المال من أحد أمرين : إما أن يكون ماشية أو غيرها ، فإن كانت ماشية وجبت عليهم الزكاة ، لأنهم خلطاء في نصاب فيكون الإجزاء فيما عجله الميت على ما مضى إن بنوا أجزأهم ، وإن استأنفوا فعلى وجهين ، وإن كان المال غير ماشية فهل عليهم الزكاة أم لا ؟ على قولين مبنيين على اختلاف قوله في الخلطة في غير المواشي ، فعلى قوله في القديم : أن لا زكاة عليهم ، فإن كان الميت شرط التعجيل استرجعوه ، وإن لم يشترط التعجيل لم يسترجعوه ، وعلى قوله في الجديد : إن الخلطة تصح في غير المواشي عليهم الزكاة ، ويكون الإجزاء في التعجيل على ما مضى ، إن قيل : إنهم يبنون أجزأهم ، فإن قيل : إنهم يستأنفون فعلى وجهين . الخلطة لا تصح في غير المواشي
أحدهما : يجزئهم .
والثاني : لا يجزئهم ، فإن كان الميت شرط التعجيل فلهم استرجاعه ، وإن لم يشترط التعجيل فليس لهم استرجاعه . والله أعلم .