السابقة الثالثة : الميقاة المكاني ، وفي ( الجواهر ) : هو ذو الحليفة ، للمدينة ، والجحفة ، للشام ومصر ، ويلملم ، لليمن ، وقرن لنجد ، وذات عرق للعراق ، وهو معتبر لأهل مكة في الحج لا في العمرة ولا في القران ، وقيل : يعتبر في القران ، ويعتبر الآفاقي مطلقا ، فإن جاوزه ضرورة ففي إيجاب الدم عليه - وإن لم يرد حجا ولا عمرة - خلاف مبني على وجوب الحج على الفور أو التراخي والعمرة كالحج [ ص: 206 ] في الميقاة في حق المقيم ، والآفاقي عليه الخروج إلى طرف الحل ، فإن لم يفعل حتى طاف وسعى لم يعتد بعمرته ; لأنه لم يجمع بين الحل والإحرام ، والحاج جامع بينهما بسبب الوقوف بعرفة ، والأفضل للمعتمر الإحرام من الجعرانة أو التنعيم ، وفي ( الجلاب ) : لا بأس بإحرام المكي بالقران من مكة ، ومنعه ابن القاسم اعتبارا بالعمرة ، والأصل فيه : ما في ( الصحيحين ) : قال : ( ابن عباس المدينة : ذا الحليفة ، ولأهل الشام : الجحفة ، ولأهل نجد : قرن المنازل ، ولأهل اليمن : يلملم ، قال : هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة . فمن كان دونهن : فمن أهله ، حتى أهل مكة يهلون منها . وقت النبي عليه السلام لأهل
زاد مسلم : ويهل أهل العراق من ذات عرق ) وهذا وإن كان بلفظ الخبر ، فمعناه : الأمر ، لاستحالة الخلف في خبر المعصوم . والأمر للوجوب ، فلا تجوز مجاوزة الميقات لغير عذر .
فائدة : يروى أن كان له نور يصل آخره إلى هذه الحدود ، فلذلك منع الشرع من مجاوزتها لمن أراد الحج تعظيما لتلك الآثار . الحجر الأسود في أول أمره
قال سند : ويستحب لمن لا يريد الحج . ثم أراده : أن يرجع إليه ، جاوز ميقاته وذو الحليفة ، جميع الوادي ، والمستحب : المسجد ، ولمالك ، في مجاوزة المريض ذا الحليفة إلى الجحفة قولان ، ومن كان منزله دون الميقات فسافر إلى ورائه ، ثم رجع يريد الدخول مكة ، فله الإحرام من الميقات ، ومن منزله ، كما يؤخر المصري من ذي الحليفة إلى الجحفة ولا يؤخره إلى مسكنه ، إن كان بمكة ; لأنه لا يدخل إلا بإحرام ، ويتعين عليه الميقات .
وقال ( ش ) : العراق من ( العقيق ) لقول إهلال أهل : ابن عباس العقيق وجوابه : إجماع الناس على أنهم إذا جاوزوه إلى وقت [ ص: 207 ] عليه السلام لأهل المشرق : ذات عرق لا دم عليهم ، فلو كان ميقاتا لوجب الدم ، وإن كان منزله بين ميقاتين فميقاته منزله ، قاله مالك ; لأن المواقيت لأهلها ولمن مر عليها ، وهذا ليس منهما فلا يؤمر ، لكن منزله حذو ميقات ، ومن مر على غير ميقات اعتبر محاذاته للميقاة ، كما أنه لما لم يبلغ عمر - رضي الله عنه - الحديث في ذات عرق جعلها ميقاتا بالاجتهاد لمحاذاتها ( قرن ) . وقاله الأئمة ، ومن أتى في البحر إلى ( جدة ) من مصر ونحوها : قال مالك : يحرم إذا حاذى الجحفة ، قال : وهذا إذا سافر في بحر ( القلزوم ) لأنه يأتي ساحل الجحفة ، ثم يخلفه ، ولم يكن السفر من ( عيذاب ) معروفا حينئذ ; لأنها كانت أرض مجوس ، فمن سافر في البحر منها فعلى حسب خروجه للبر ، إلا أن يخرج أبعد من ميقاة أهل الشام أو أهل اليمن ، ولا يلزمه الإحرام في البحر متحريا الجحفة لما فيه من التغرير برد الريح فيبقى عمره محرما حتى يتيسر السفر السالم ، وهذا حرج عظيم ، ولا يختلف في دفع الحرج بترك الإحرام إلى البر ، وإذا ثبت الجواز فلا يجب دم لعدم الدليل عليه ، وإنما أوجبناه في بحر القلزوم لتمكنه من البر والإحرام من الجحفة ، وهل يحرم إذا وصل إلى ( جدة ) لانتقاء الضرورة ، أو إذا سار منها ؟ وهو الظاهر ; لأن سنة الإحرام عند ابتداء السير .
فروع سبعة : الأول : في ( الكتاب ) : يستحب مكة ولمن دخلها بعمرة : أن يحرم بالحج من المسجد الحرام ، فإن كان من المعتمر الآفاقي سعة : فالمستحب : خروجه لميقاته ، والأفضل لأهل لأهل الشام ومصر والمغرب : التأخير لذي الحليفة ; لأنه ميقاته عليه السلام وهو طريقهم ، فإن مروا من العراق ، فمن ذات عرق ، وكذلك سائر الآفاق إذا مروا بغير مواقيتهم أحرموا منه إلا ذا الحليفة [ ص: 208 ] كما تقدم ، قال سند : قد أحرمت عائشة - رضي الله عنها - بالحج من مكة ، وروى أشهب : يحرم من جوف المسجد لا من بابه ، بخلاف مسجد ذي الحليفة يحرم من بابه ; لأن التلبية لا يكره إظهارها في المسجد الحرام ; لأنه موضع شعار الحج ، وروى ابن حبيب : من باب المسجد ; لأن المساجد لم توضع إلا للصلاة ، ومن أحرم من منزله فالإبعاد أفضل له .
الثاني : في ( الكتاب ) : من رجع فأحرم منه ، ولا دم عليه ، فإن خاف فوات الحج ، أحرم من موضعه وتمادى وعليه دم ; لأن محظورات الحج تستباح بالضرورة ، ويلزم الدم كاللباس والطيب ، ولو أحرم بعد مجاوزة الميقات وليس مراهقا لم يرجع وعليه دم ، وقال ( ش ) و ( ح ) : يرجع كالمكي إذا أحرم بعمرة من جاوز الميقات يريد الإحرام جاهلا مكة ثم رجع إلى الحل ، والفرق : إن الحل شرط في الإحرام بخلاف الميقات ، ولذلك فإن طاف الحاج لا يرجع وفاقا ، قال سند : فلو رجع بعد إحرامه لا يسقط الدم عنه عندنا وعند ، وقال ( ش ) و ( ح ) : يسقط قياسا على ما إذا أحرم من الميقات ابتداء . لنا : ( ابن حنبل ) وقال : إنه عليه السلام أحرم من الميقات وقال : خذوا عني مناسككم ( من ترك نسكا فعليه دم ) وقد ترك نسكا فلا يبرئه من الدم إلا إراقته كسائر الواجبات ، فلو أراد رفض إحرامه وابتدأه من الميقات لم يرتفض عند مالك والأئمة .
[ ص: 109 ] والمذهب : أن هذه المواقيت تحديد لظاهر الحديث ، وقال ابن حبيب : تقريب ، فإذا أحرم قريبا منه فلا دم عليه .
الثالث : في ( الكتاب ) : بمكة أو قبلها فلا دم عليه ; لأنه لم يترك الإحرام من الميقات ، ومن جاوز ميقاته لا يريد إحراما ثم أراده ، أحرم من موضعه ولا دم عليه ، وقاله الأئمة لما في ( الموطأ ) من أهل من ميقاته بعمرة وأردف الحج الجعرانة ) ومن أنه عليه السلام تجاوز ميقاته وأحرم بعمرة من ( لزمه الدم ، ومن تعدى الميقات فأحرم بالحج ثم فاته فلا دم عليه لترك الميقات ; لأنه يقضي الحج ، وإن أفسده بجماع فعليه دم الميقات لوجوب التمادي ، قال تعدى الميقاة ضرورة ، ثم أحرم سند : وقال أشهب : لا يسقط الدم بالفوات ; لأن انقلاب الحج إلى العمرة كانقلاب العمرة إلى الحج إذا جاوز الميقات يريد العمرة ثم أحرم بها ثم أردف الحج فإنه لا يسقط عنه الدم ، ورأى ابن القاسم أن الدم المتعلق ببعض الإحرام فرع إتمامه ; لأنه لو فعله قبل ذلك لم يجزه .
الرابع : في ( الكتاب ) : دم تعدي الميقات يجزئ فيه الصوم إن تعذر ، بخلاف الإطعام ; لأنه لترك نسك ، كترك المبيت ودم القران ، وهو مرتب كدم التمتع بخلاف دم المحظورات على التخيير .
الخامس : في ( الكتاب ) : فلا دم عليه ; لأنه لم يجاوز الميقات إلا محرما ، فإن مضى إلى إذا أحرم من خارج الحرم مكي ، أو متمتع عرفات ولم يدخل الحرم - وهو مراهق - فلا دم عليه ، التنعيم ، أو غير المكي فعليه أن يطوف ويسعى قبل الوقوف فإن لم يكن مراهقا ، بخلاف من أحرم بالحج من الحرم ، ومن دخل فإن أحرم المكي بالحج من الحل أو مكة غير محرم متعمدا أو جاهلا أساء ولا شيء عليه ، قال سند : إن كان يريد النسك وجب الإحرام من الميقات ، [ ص: 210 ] وإن لم يرد وخاف ضررا شديدا مثل دخوله لقتال البغاة ، أو يخاف من سلطانها ، فلا يكره له دخولها حلالا . في ظاهر المذهب لجوازه مع عذر التكرار ، فأولى الخوف ، وقاله ( ش ) ، ولدخوله عليه السلام عام الفتح حلالا . سؤال ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ) يقتضي بطلان ما ذكرتموه . مكة حرام ، ولا تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار
جوابه : إنه عليه السلام إن كان آمنا فذلك خاص به ، وإن كان خائفا فالإشارة إلى صفته ، أي أحلت لمن كان بصفتي ، ويدل على التخصيص دخول الحطابين ونحوهم . وفي ( الجواهر ) : يحرم على غير المترددين دخولها حلالا وإن لم يرد نسكا ، وقيل : يكره ، وقال أبو مصعب : يباح ، وجوز ( ح ) لمن كان دون الميقات الدخول بغير إحرام ، ومنع من قبل الميقات ، وجعل الحرمة للميقاة ، وهو باطل ; لأن حرمة الميقات لحرمة الحرم ، والإحرام تحية مشروعة لبقعة مباركة فلا بد منها ، قال سند : وإذا أوجبنا الدم فهو لمجاوزة الميقات عند مالك ، ولدخول مكة حلالا عند محمد ، وفائدة الخلاف فيما إذا تجاوزه ثم أحرم قبل مكة ، وأما الداخل في الحطابين والصيادين والفكاهين ممن يشق عليهم تكرار الإحرام فيدخلونها بغير إحرام ، وألحق بهم من دخل بعمرة فحل منها ثم خرج ينوي الرجوع للحج بجامع التكرار ، وإذا قلنا : لا دم على داخل سحنون مكة غير محرم فأراد الحج خرج لميقاته .
فلا دم عليه ; لأن له حكم فإن أحرم من مكة أهل مكة .
السادس : في ( الكتاب ) : يجوز للسيد إدخال رقيقه مكة بغير إحرام ، وإن أذن السيد في الإحرام بعد ذلك فلا دم وقاله ( ش ) ; لأن حق السيد في الملك أسقط الحج فأولى ما يترتب عليه ، ولو أسلم نصراني ، أو أعتق عبد ، أو بلغ [ ص: 211 ] صبي بعد دخول مكة فأحرموا حينئذ فلا دم للميقات ، وقال ( ح ) ، وقال ( ش ) : على الكافر الذي أسلم الدم ، لنا : أنه قام به مانع الحج فأشبه المجنون . وابن حنبل
السابع : في ( الكتاب ) : يكره ، وقال ( ش ) و ( ح ) : الأفضل أن يحرم من بلده ; لأن الإحرام قبل الميقات عمر وعليا - رضي الله عنهما - قالا في قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) . ( البقرة : 196 ) أن تمامها أن تحرم بها من دويرة أهلك . وفي أبي داود قال عليه السلام : ( ) لنا : أنه عليه السلام لم يحرم إلا من الميقات ، وقال : ( قال من أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، أو وجبت له الجنة ) وقياسا على ميقات الزمان ، أو لأنه خلاف النص في تحديد المواقيت ، وما رووه أمكن حمله على النذر جمعا بين الأدلة . خذوا عني مناسككم