الفصل الثاني في شروط الوجوب : وقد تقدم في النقدين شروط الزكاة من حيث الجملة ، وكذلك موانعها ، وإنما يقع البحث ها هنا عن الشروط الخاصة بهذا الباب ، أو ما تدعو الحاجة إليه ، وهي ثلاثة : الشرط الأول : ، وقد تقدم اشتقاقه ، وفيه أربعة فروع : الأول : الأول : في ( الكتاب ) : إذا أبدل ماشية بجنسها بنى على حولها إلا أن تنقص الثانية عن النصاب ، وقاله الحول ، أو بغير جنسها لم يبن إلا أن يكون فارا فليأخذ الساعي منه زكاة ما أعطى وإن كانت زكاة الذي أخذ أفضل ، قال ابن حنبل سند : وروى ابن وهب : يبني في غير الجنس سدا لذريعة الفرار ، وقال الأئمة برواية ابن القاسم ، ومنع ( ش ) و ( ح ) البناء في الجنس وغيره في النقدين والمواشي .
( تمهيد ) : لما قال عليه السلام ( ) قال ( ش ) : المال الأول لم يحل عليه الحول فلا زكاة ، ولأنهما لا يلفقه النصاب منهما ، [ ص: 98 ] فلا يقوم أحدهما مقام الآخر ، قلنا : الحديث معناه : أنه عليه السلام أشار إلى الجميع بوصف المالية فقال : لا زكاة في مال ، ولم يقل في بقر أو غنم ، فاعتبر ما هو مال ، الذي هو معنى مشترك ، وأعرض عن الخصوصيات ، ولقد أدرك ( ح ) هذا المعنى وبالغ فيه حتى جمع النصاب من النقدين بالقيمة ، لكنه ورد عليه بعض النصاب الذي قيمته نصاب من غير صنفه فلا زكاة فيه إجماعا ، فلا يستقل اعتبار المالية كيف كانت ، وأعرض ( ش ) عن هذا المعنى إعراضا كليا اعتمادا على ظواهر الألفاظ إن سلمت له ، وتوسط لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول مالك - رحمه الله - بين الموقفين طريقة مثلى فأنزل النقدين منزلة المواشي ; لأنها أصول الأموال ، والجنس منزلة جنسه لحصول التماثل والتقارب بخلاف غير الجنس لفرط التباين ، قال سند : وإذا فرعنا على البناء في غير الجنس فزكى زرعا ثم ابتاع به غنما بعد شهر ، فقال : لا يبني ; لأن الأول من الأموال الحولية ، وقال سحنون عبد الملك : يبني كغير الجنس من الماشية عليها . فقال عبد الملك : فسواء باع ماشية بماشية ، أو بثمن وأخذ فيه خلافها ، ورواه ابن وهب عن مالك سدا للذريعة ، فإن أخذ بالثمن من جنس ما باع استقبل حولا عند مالك ببقاء التهمة خلافا لعبد الملك ، وروي عن مالك عدم البناء في الجنس وغيره ، وإذا قلنا بالبناء في غير الجنس فيخير الساعي فيهما ، وفي ( الجواهر ) : إذا أبدل ما دون النصاب بأحد النقدين وليست للتجارة انقطع الحول ، وإذا أبدل الماشية بغير جنسها فعلى القول بالبناء لا بد أن يكون الثاني نصابا ولو كانت الأولى دون النصاب لاختلف في البناء على القول به ولو تخلل بين الماشيتين عين ولم تكن الأولى للتجارة واستقبل بالثانية حولا في رواية ابن القاسم ، وروى مطرف البناء على الأول ، وأما الفار فيبني على كل حال ، ولو استهلكت ماشيته فأخذ بدلا عن القيمة ماشية ، ففي جعله من [ ص: 99 ] بدل الماشية بالماشية أو باب تخلل العين قولان ، سببهما : أن من خير بين شيئين فاختار أحدهما ، هل يعد كالمنتقل أم لا ؟ وفي هذه القاعدة للأصحاب قولان .
الثاني : في ( الكتاب ) : إذا ، خلافا ل ( ش ) قبل الحول أو بعده ، قبل قدوم الساعي إن كانت الأولى نصابا بنفسها . وإلا استقبل بالجميع حولا من يوم أفاد الثانية من غير الجنس ، فكل على حوله إجماعا ، لنا في الجنس على ( ش ) : أن الجنس يضم إلى جنسه في النصاب الذي هو السبب فأولى أن يضم في الحول الذي هو شرط ، ووافقنا ( ح ) ، قال أفاد ماشية ثم أفاد من جنسها ضمه إليها سند : ولا فرق في الضم بين موضع فيه سعاة أم لا ، والفرق بين الماشية في ضم الثانية إلى الأولى بخلاف النقدين ، من ثلاثة أوجه : أحدها : أن النصاب يتغير بضم الثانية ويتغير الصنف المأخوذ في جنسه كالانتقال من الغنم في الإبل إلى بنت مخاض في سنة كالانتقال إلى بنت لبون عن بنت مخاض بخلاف العين في ذلك كله ، وثانيها : أن الماشية لها أوقاص غير معتبرة فجاز أن يكون الضم فيها ، وثالثها : تكلف السعاة بسبب تعدد الأحوال ، إذا لم تضم الثانية بخلاف النقدين ، ولو كانت الماشية الأولى نصابا فنقصت قبل حولها ضمها إلى الثانية ولو زكاها غيره ثم باعها له ، ضمها وزكاها الساعي ، وكذلك لو ورثوها بعد التزكية .
الثالث : إذا باع دون النصاب من الماشية بعد الحول لم يزد الثمن ; لأن الأصل تجب فيه الزكاة إلا أن يكون للتجارة كما تقدم في التجارة . قال سند : وروي عن مالك : يزكي ثمن دون النصاب ، وقال عبد الملك : وكذلك لو أبدله بنصاب من جنسه أو غير جنسه كالذهب مع الفضة والربح مع الأصل ، الرابع : في ( الكتاب ) : إذا ، قال غصبت الماشية فردت بعد أعوام ابن القاسم : يزكي لعام واحد ، وقال أيضا : لكل عام إلا أن تكون السعاة زكتها فتجزئه كما لو كانت نخلات ، قال سند : قيل : اختلاف قول ابن القاسم على الخلاف في رد الغلات ، فإذا قلنا : لا يردها [ ص: 100 ] الغاصب لا يزكيها لعدم انتفاع ربها بها ، ويجري فيها الخلاف الذي في العين المغصوبة ، قال سند : فهذا فيه نظر ; لأن أولادها ترد معها وهو يماثل عدم تزكيتها تزكي لخروجها على يده وتصرفه فتزكى لعام واحد كعروض التجارة ، ووجه التزكية لكل عام : تعلق الزكاة بعينها كما لو كانت نخلة . وسرقت ثمارها ، والفرق بينها وبين الماشية يأخذها العدو ثم تقع في المغنم تزكى لعام واحد : حصول شبه الملك للعدو ولأنه لو أسلم ثبتت له ، فلو ظلت له الماشية من غير غصب ثم وجدت بعد أعوام زكاها عند ابن القاسم لماضي السنين ، والفرق ، أنها مضمونة في الغصب والمنافع للغاصب . وذلك يشبه الملك ، فإذا قلنا : تزكى لكل عام فلا يضمن الغاصب ما أخذه السعاة ، وإن أخذوا من عينها ، فإن أعطى الغاصب من عنده أو كانت خمسا من الإبل ، فإن قلنا : بالإجزاء لم يضمن وإلا ضمن ، وحيث قلنا بالإجزاء فلا يضر عدم نيته كما لو امتنع ، فإذا أخلطها الغاصب بغيرها لم يزك زكاة الخلطاء لعدم رضا ربها بذلك ، كما لو خلط الرعاء المواشي بغير رضا أربابها ، وإذا ردها الغاصب ولم يكن الساعي يمر بها زكاها لما مضى على ما يجدها إلا ما نقصته الزكاة كالذي يغيب عنه الساعي لا كالفار ، ولأن ربها لم يكن معتديا ، فإن غصب بعض الماشية وبقي في يده دون النصاب فلا يزكيه الساعي ، فإذا عادت زكى الجميع لماضي السنين على ظاهر المذهب ، وعلى القول لعام واحد ، يزكي الجميع لعام واحد ، فلو غصب له أربعون من ثمانين ضمن الغاصب ما يؤخذ منها ; لأنها وقص دون الساعي ; لأنه حاكم معذور ، فلو ردت الماشية بالعيب قبل مجيء الساعي استقبل البائع حولا لانقطاع ملكه ، فإن زكاها المشتري ثم ردها لم يضمن كالغاصب ، قاله بتزكية المغصوب ، قال سحنون سند : وفيه نظر ; لأن ثواب الزكاة له خلاف الغاصب .