[ ص: 331 ] الفصل الأول : في شروطها
وهي على قسمين : شروط وجوب لا يجب على المكلف تحصيلها وهو شأن شرط الوجوب حيث وقع في الشرع ، وشروط أداء يجب على المكلف تحصيلها ، وشروط الوجوب على قسمين : شروط في الصحة ، وفي الوجوب فقط . فهذه ثلاثة أقسام :
الشرط الأول : ، وهو الزوال ، وقال بعض الحنابلة : أولها وقت صلاة العيدين ، وقال بعضهم : أول السادسة ; لقوله - عليه السلام - : " العلم بدخول وقتها " - الحديث ، وجعل خروج الإمام عقيب الخامسة ; لنا ما في البخاري : من راح في الساعة الأولى ، وأن الجمعة هي الظهر ، وإنما سقطت الركعتان لتعذر الخطبة ; كما سقطت لعذر السفر ، وقد سلم الخصم آخر الوقت ، فتعين أوله عليه ، قال كان - عليه السلام - يصلي الجمعة حين تميل الشمس سند : فلو خطب قبل الزوال وصلى بعده ، روى مطرف : لا تجزيهم لبطلان الشرط ويعيدون جمعة ، قال ابن القاسم في الكتاب : ما لم تغب الشمس ، ولو كان لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب ، وعند [ ص: 332 ] آخر وقتها أول العصر فيصلون أربعا حينئذ ، وعند ابن الماجشون قبل الغروب بقدر الخطبة - والجمعة وجملة العصر ، وفي الجواهر اصفرار الشمس ، وقيل : قبل الغروب بأربع ركعات ، وقال سحنون مطرف : إذا صليت بغير خطبة أعيدت إلى المغرب ، ولو صلي العصر بعد الغروب ، وقيل : قبل الغروب بخمس ركعات سوى زمان الخطبة المتوسطة ، فلو خرج عليه وقتها وهو فيها ، فروي يتمها جمعة ولو بعد الغروب ، وقال الشيخ أبو بكر : إن عقد منها ركعة بسجدتيها أتمها ، وإلا فظهرا .
الشرط الثاني : ، ففي الجواهر غير محدودة ولا تجزي الأربعة وما في معناها ، بل لا بد ممن تتقرى بهم قرية ، والشاذ أنها محدودة في رواية الجماعة ابن حبيب بثلاثين بيتا - والبيت مسكن الرجل الواحد ، وعند ( ش ) بأربعين ، وعند ربيعة ثلاثة عشر ، وعند ( ح ) بأربعة بالإمام ; لأنه عدد يزيد على أقل الجمع ، وما عداه من مراتب الأعداد مشكوك فيه ، واحتج ( ش ) بما يروى : السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة ، ونقل المازري عشرة أقوال : عدم التحديد ، واثنان ، وثلاثة ، وأربعة ، وتسعة ، واثنا عشر ، وما قارب الثلاثين ، وأربعون ، وخمسون ، ومائتان . لنا أن من شرطها الإقامة والأربعة ونحوها لا تمكنهم الإقامة ، ولا يشترط الأربعون لما في الصحيحين : وإذا رأوا تجارة أو لهوا ) . قال أقبلت عير بتجارة يوم الجمعة فانصرف الناس ينظرون ، وما بقي معه - عليه السلام - غير اثني عشر رجلا ، فنزلت : ( ابن القاسم في الكتاب : إذا لم يكن معه بعد الخطبة أو فيها جماعة صلى الجمعة أربعا إذا لم يرجعوا ، قال سند : قال عبد الوهاب : قال الأشياخ مقتضى المذهب : أن [ ص: 333 ] حضورهم الخطبة شرط ، وقال الباجي : قول أصحابنا إن السعي يجب بالأذان إنه ليس شرطا ; لأن البعيد لا يأتي حتى تفرغ الخطبة ، قال سند : والأول أظهر وهو ظاهر الكتاب ، وهو قول ( ش ) و ( ح ) - قولان ; لأن المقصود منها الموعظة ، ولا تحصل إلا بالجماعة ولأنه العمل ، قال : وإذا ثبت وجوب حضورهم ، فلا يخطب حتى يحضروا ما بقي الوقت المختار ، وإلا صلى أربعا ; فإن خرجوا قبل تمامها ، تمادى وحده ; فإن أتوا صلى بهم على ظاهر الكتاب لقوله : إذا لم يرجعوا ، والأحسن أن يقال إن حضروا : ما له بال أجزأ وإلا فلا ; فإن انفضوا بعد الخطبة ، وأيس منهم صلى أربعا ، وإلا انتظرهم إلى الوقت المختار فإن عادوا بالقرب اجتزأوا بالخطبة ; لأن الفصل اليسير لا يمنع ، وإن بعد الوقت فظاهر المذهب إعادة الخطبة لارتباطها بالصلاة ، ولهذا يعيدها الوالي الثاني إذا قدم ، وقيل : ذلك مستحب فإن انفضوا بعد الإحرام فالمذهب إن يئس بنى على إحرامه أربعا ، وإلا جعله نافلة وانتظرهم ، وإن انفضوا بعد ركعة ، قال كما تقدم ، ولو انفضوا في التشهد ، فقال سحنون أشهب ، وعبد الوهاب : لا يتمها جمعة ; لأن بركعة تدرك الصلاة ، ورأى أن شرط الابتداء شرط الانتهاء ، فإن سحنون ، وهم جماعة ، قال انفض من تلزمه الجمعة ، وبقي من لا تلزمه : لا يجمع خلافا سحنون لأشهب ; لأنهم تبع فلا يستقلون .
الشرط الثالث : قال صاحب المقدمات : هو شرط في الوجوب والصحة ، وفي الجواهر : الإمام ، وقاله ( ش ) ، وقال لا يشترط حضور السلطان ولا إذنه : يشترط ، أو رجل يجتمع عليه ، وقال ابن مسلمة يحيى بن عمر : لا بد ممن [ ص: 334 ] تخاف مخالفته ، وقال ( ح ) : لا بد من السلطان ; لأنه العمل ، وقياسا على الجهاد .
وجوابه : منع الأول - العمل ; لأن عليا - رضي الله عنه - صلى بالناس وعثمان محصور ، وكان قادرا على الاستئذان ، وكان أمير سعيد بن العاص المدينة فأخرج منها ، وصلى بهم وذلك كثير ، وعن الثاني القياس على الصلوات الخمس ، قال أبو موسى الأشعري سند : وإذا لم يشترط ، فلو تولاها لم يجز أن تقام دونه إلا إذا ضيعها ، قال مالك : لو تقدم رجل بغير إذنه لم تجزهم ; لأنه محل اجتهاد ; فإذا رتب الحاكم فيه شيئا ، ارتفع الخلاف ; أما إذا ضيعها سقط اتباعه فلو لم يتولها السلطان استحب استئذانه مراعاة للخلاف في إذنه ، قال ابن القاسم في الكتاب : إذا استنكر تأخير الإمام ، جمعوا لأنفسهم إن قدروا ، وإلا صلوا أربعا يتنفلون معه ، لما في أبي داود قال - عليه السلام - : " أبا ذر ، كيف بك إذا كان عليك أمراء يميتون الصلاة - أو قال : يؤخرون الصلاة - ؟ ، قال : قلت : يا رسول الله ، فما تأمرني ؟ ، قال : صل الصلاة لوقتها فإذا أدركتها معهم فصلها ; فإنها لك نافلة ، قال يا سند : يريد بالتأخير إلى العصر ، فإذا صلوا الظهر ، قال بعض أصحابنا : يصلون أفذاذا تشبيها بمن فاتته ، ولو دخل وقت العصر وقد صلى ركعة - قال الأبهري يتمها بهم جمعة [ ص: 335 ] وإلا أتمها أربعا ، وقال ( ش ) : إن خرج الوقت قبل فراغها أتمها أربعا ، وقال : إن أحرم في وقتها أتمها جمعة ، وقال ( ح ) : لا يبني ويستأنف أربعا والمشهور إتمامها جمعة ، وإذا صلوا ظهرا ثم أتى الإمام في الوقت ، لزمهم الإعادة ، وإلا فلا ، وعليه يحمل قوله : يتنفلون معه ، وعلى قول ابن حنبل ابن القصار : يجوز تأخير الجمعة إلى الغروب تلزمهم الإعادة ، وإذا قلنا : لا تلزمهم فيعيدون بنية الجمعة كإعادة الصلاة في جماعة ; فإن تأخر معه جماعة غيرهم أجزأهم ، وإلا فلا .