[ ص: 289 ] الباب الثامن في السهو
وفيه مقدمة وستة فصول .
أما المقدمة ففيها عشر قواعد ينبني عليها فصول هذا الباب .
القاعدة الأولى : للصلاة فرائض وسنن وفضائل - كما تقدم - فالفرائض لا بد منها ، والسنن ينوب السجود عنها إن سها عنها ، ولا تعاد الصلاة لها . ، والفضائل لا يسجد لسهوها
تنبيه
قال صاحب الجواهر : يجب التي أحصيناها فيما تقدم ، ومن جملة ما أحصي : الزيادة على مقدار الواجب من الجلوس الأخير ، والاعتدال في الفصل بين الأركان ، والصلاة على النبي - عليه السلام - وهذه لا خلاف في المذهب أنه لا يسجد لها ، وإنما يسجد كما قال صاحب المقدمات : لترك ثمان : [ ص: 290 ] السورة ، والجهر ، والإسرار ، والتكبير ، وسمع الله لمن حمده ، والتشهد الأول ، والجلوس له ، والتشهد الأخير . السجود للسنن
القاعدة الثانية :
يسجد عندنا لنقص الأقوال المحدودة المتعلقة بالله تعالى ، ولنقص الأفعال على تفصيل يأتي ، وقولنا المحدودة احتراز من القنوت والتسبيح ، وقولنا المتعلقة بالله تعالى احتراز من الصلاة على النبي - عليه السلام - والأدعية ، وقال ش : ، ووافقه لا يسجد لشيء من الأقوال إلا التشهد والقنوت والصلاة على النبي - عليه السلام - ويسجد للأفعال أشهب في التكبير ، وقال ح : يسجد للأقوال الواجبة فإذا أتى بالفاتحة فقد أتى بالواجب فلا يسجد ، فالواجب : ما له جابر ، والركن : ما لا جابر له كما نقوله نحن في الحج . وقال وفرق بين الواجب والركن ، واعتبرها بالتشهد لتكررها في محل واحد ، لنا قوله عليه السلام : بالسجود لترك تكبيرات العيدين . احتجوا بأن التكبير كلمتان ، فهو خفيف بالقياس على التسبيح . لكل سهو سجدتان
والجواب عن الأول : أن تكبيرة الإحرام كلمتان ، وكذلك السلام وهما ركنان ، وعن الثاني : أن محل النزاع في القول المحدود والتسبيح ليس بمحدود .
[ ص: 291 ] القاعدة الثالثة :
قال صاحب الطراز : خلافا الزيادة التي يبطل الصلاة عمدها موجبة للسجود لعلقمة والأسود في تخصيصهم السجود بالنقصان ، وقولنا يبطل عمدها كالركعة والسجدة مثلا احتراز من التطويل في القراءة والركوع والسجود . لنا قوله عليه السلام : إذا شك أحدكم في صلاته - الحديث وسيأتي .
القاعدة الرابعة :
أن أجزأت فيه سجدتان ، وقال السهو إذا تكرر من جنس واحد ومن جنسين : إذا عبد العزيز بن أبي سلمة ، وقال اجتمع الزيادة والنقصان سجد قبل وبعد : إن كان من جنس واحد تداخل كجمرات الحج ، وإلا فلا ، ولقوله عليه السلام : الأوزاعي . لكل سهو سجدتان
والجواب عن الأول أن السجود وجب لوصف السهو لقوله عليه السلام : . وترتيب الحكم على الوصف يوجب عليه ذلك الوصف لذلك الحكم ، وإذا كان وصف السهو هو العلة اندرجت سائر أفراده تحت سجدتين ، كما أنه لما وجبت الفدية في الحج لوصف الطيب اندرج أفراده في الفدية الواحدة ، وعن الثاني أن المراد لكل سهو سجدتان فيه سائر أفراد السهو بدليل أنه - عليه السلام - سلم من اثنتين وهو سهو ، وقام وهو سهو ، وقام وتكلم وهو سهو ، ورجع إلى الصلاة وهو سهو ، وسجد لجميع ذلك [ ص: 292 ] سجدتين ; لأن الأصل ترتيب الأحكام على أسبابها ، فلولا ذلك لسجد عقيب كل سهو كسجود التلاوة . إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين
فرعان :
الأول : لو ؟ قال في العتبية : سجد قبل ويبني على النقصان دون الزيادة كالشك في الركعات . تيقن السجود وشك هل هو قبل أو بعد
الثاني : لو كثر سهوه واستنكحه ، قال صاحب المنتقى : لمالك ترك السجود للاستنكاح والسجود لما في الصحاح ، قال عليه السلام : إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى ؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس .
القاعدة الخامسة :
عند سجود السهو مالك للنقصان قبل ، وللزيادة على سبيل الأولى ، وقال ش : كلاهما قبل ، وقال ح : كلاهما بعد ، ورواه عن علي وابن مسعود وعمار وابن أبي وقاص رضوان الله عليهم أجمعين . وقال ابن حبيب : كلاهما قبل مورد النص . لنا ما في مسلم ، ولأن النقصان بدل مما هو قبل السلام فيكون قبل السلام ، والزيادة زجر للشيطان عن الوسوسة في الصلاة ، لما فيه من ترغيمه أنه - عليه السلام - قام من اثنتين فسجد قبل ، وسلم من اثنتين ومن ثلاث فسجد بعد آدم [ ص: 293 ] بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار - الحديث . فيكون بعد السلام حذرا من الزيادة ، احتج ش بما في فإن الإنسان إذا سجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول : يا ويله أمر ابن مسلم ، قال عليه السلام : . وهو مضطرب الطرق ، وأكثر الحفاظ يروونه مرسلا ، ويحتمل أنه غير بالسجود عن سجدتي الركعة المكملة جمعا بين الأخبار . إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا ؟ فليطرح الشك وليبن على ما يتيقن ، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان قد صلى خمسا شفعن له ما قد صلى ، وإن كان قد صلى إتماما لأربع كانتا له ترغيما للشيطان
فرع :
في الجواهر قال أشهب : إن تعمد التقديم فيما بعد السلام فسدت صلاته ، وقال ابن القاسم : يعيدها بعد وتصح .
القاعدة السادسة :
في الكتاب : ، وقال ش في أحد قوليه السهو في النافلة كالفريضة : لا سجود في النافلة . لنا قوله عليه السلام : وابن سيرين ، ولأنه جائز لما اختل من موجب الإحرام وهو مشترك بين البابين . لكل سهو سجدتان
فرعان :
الأول لو ، قال صاحب الطراز : قال سها عن السورة في النافلة مالك : إن شاء زاد في النافلة على الفاتحة ، وإن شاء اقتصر عليها بخلاف الفريضة ; فإنهما محدودة فيها ؛ فكما كان من المحدودات كالتكبير وعدد الركعات استويا فيه ، وإلا فلا . الثاني لو قال : قال سها عن السلام في النافلة ابن القاسم : أحب إلي أن يعيد ، [ ص: 294 ] وإن لم يتعمد فسادها فلا تجب الإعادة ، وقال : أحب إلي أن يسجد متى ما ذكر ; لأن السجود ثبت عليه بالترك ولا نأمره بالسلام ; لأن الطول أوجب الخروج من الصلاة . سحنون
القاعدة السابعة :
أن ; لقوله تعالى : ( الأصل في التكاليف أن تقع بالعلم ولا تقف ما ليس لك به علم ) . ولما تعذر في أكثر الصور أقام الشرع الظن مقامه لغلبة إصابته ، وندرة خطئه تقديما للمصلحة الغالبة على المفسدة النادرة ، وبقي الشك ملغى إجماعا ، فكل ما شككنا في وجوده من سبب أو شرط أو مانع استصحبنا عدمه إن كان معدوما قبل الشك ، أو شككنا في عدمه استصحبنا وجوده ، إن كان موجودا قبل الشك فعلى هذه القاعدة إذا شك في إكمال صلاته فقد شك في وجود السبب المبرئ للذمة ، فيستصحب عدمه ، ويلغى المشكوك فيه للحديث المتقدم ، وكذلك إن شك في طريان الحدث بعد الطهارة فقد حصل الشك في حصول الشرط حالة أداء العبادة فيستصحب عدم الشرط حتى يتطهر ، وإذا شك هل طلق أم لا ؟ فقد شك في طريان السبب الواقع ، فيستصحب عدمه فتثبت العصمة ، وإذا طلق وشك هل واحدة أو ثلاثا ؟ فقد شك في بقاء العصمة وهي شرط في الرجعة فلا تثبت الرجعة ، وعلى هذه القاعدة تتخرج هذه الفروع ، ولا يبقى فيها تناقض البتة . سؤالان : الأول مقتضى هذه القاعدة استصحاب وجود الطهارة ، لتقدمه على الشك فلم لا يستصحب ؟ الثاني إذا شك في الإكمال أكمل وسجد وقد ثبت السجود مع الشك في سببه الذي هو الزيادة أو النقص ، [ ص: 295 ] فقد اعتبر المشكوك ؟
والجواب عن الأول : أن فيقع الشك في صدور السبب المبرئ للذمة من المكلف ، وهذا السبب كان معدوما فيستصحب عدمه ، وعن الثاني : أن الشك هاهنا هو السبب وهو مقطوع بوجوده ، وللشرع أن ينصب أي شيء شاء سببا وشرطا ومانعا . الشك في الشرط مستلزم للشك في المشروط
فرع :
دون الظن وعند ش لإمكان تحصيله ، وقال ح : إن لم يكن موسوسا وشك بطلت صلاته ، وإلا بنى على غالب ظنه ، وقال المعتبر عندنا في عدد الركعات اليقين : المنفرد يبني على اليقين ، والإمام على غالب الظن . ابن حنبل
القاعدة الثامنة :
أن نية الصلاة إنما يتناولها على الوجه المشروع من الترتيب والنظام المخصوص فإن غير ذلك لا يصح القصد إلى إيقاعه قربة ; لكونه غير مشروع ، فعلى هذا يفتقر التلفيق إلى نية تخصه ، ولا تكفي صورة الفعل فلا يضم سجود الثانية إلى ركوع الأولى ، وهذا المشهور خلافا لـ ش وأشهب . وابن الماجشون
القاعدة التاسعة :
; لقوله عليه السلام : الإمام يحمل عن المأموم سجود السهو . وضمانه ليس بالذمة لانعقاد الإجماع على أن صلاة زيد لا تنوب عن عمرو ، وإنما الضمان يحمل القراءة والسجود أو من التضمن فتكون صلاة الإمام [ ص: 296 ] متضمنة لصفات صلاة المأموم من فرض وأداء وقضاء وقراءة وسجود وهو مطلوب . الإمام ضامن
القاعدة العاشرة :
أو الشروع في غيرها ، والاقتصار عليها أيضا بعد الترقيع أولى من إعادتها فإنه منهاجه عليه السلام ، ومنهاج أصحابه والسلف الصالح بعدهم ، والخير كله في الاتباع ، والشر كله في الابتداع ، وقد قال عليه السلام : التقرب إلى الله تعالى بالصلاة المرقعة المجبورة إذا عرض فيها الشك ، أولى من الإعراض عن ترقيعها لا صلاتين في يوم . فلا ينبغي لأحد الاستظهار على النبي - عليه السلام - فلو كان في ذلك خير لنبه عليه وقرره في الشرع ، والله سبحانه وتعالى لا يتقرب إليه بمناسبات العقول ، وإنما يتقرب إليه بالشرع المنقول .