السادسة : ما أسنده البخاري ومسلم - رحمهما الله - في كتابيهما بالإسناد المتصل فذلك الذي حكما بصحته بلا إشكال . وأما [ وهو ] الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر ، وأغلب ما وقع ذلك في كتاب المعلق ، وهو في كتاب البخاري مسلم قليل جدا ، ففي بعضه نظر .
وينبغي أن نقول : ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم ، وحكم به على من علقه عنه ، فقد حكم بصحته عنه ، مثاله : قال رسول الله [ ص: 25 ] - صلى الله عليه وسلم - : كذا وكذا ، قال : كذا ، قال ابن عباس مجاهد : كذا ، قال عفان : كذا . قال : كذا ، روى القعنبي كذا وكذا ، وما أشبه ذلك من العبارات . أبو هريرة
فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه ، فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح عنده ذلك عنه ، ثم إذا كان الذي علق الحديث عنه دون الصحابة ، فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي .
وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم ، مثل : روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا ، أو روي عن فلان كذا ، أو في الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا ، فهذا وما أشبهه من الألفاظ ليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه ؛ لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا . ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه ، والله أعلم .
[ ص: 26 ] ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل ، يوجد في كتاب في مواضع من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه الذي يشعر به اسمه الذي سماه به ، وهو ( الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ) . البخاري
وإلى الخصوص الذي بيناه يرجع مطلق قوله : " ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح " .
وكذلك مطلق قول : " أجمع أهل العلم - الفقهاء وغيرهم - [ على ] أن رجلا لو الحافظ أبي نصر الوايلي السجزي مما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صح عنه البخاري ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله لا شك فيه ، أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته " . حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب
وكذلك ما ذكره في كتابه " الجمع بين الصحيحين " من قوله : " لم نجد من الأئمة الماضين - رضي الله عنهم - أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين " . أبو عبد الله الحميدي
فإنما المراد بكل ذلك : مقاصد الكتاب وموضوعه ، ومتون الأبواب دون التراجم ونحوها ؛ لأن في بعضها ما ليس من ذلك قطعا .
مثل قول : " باب ما يذكر في الفخذ ، ويروى عن البخاري [ ص: 27 ] ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " . الفخذ عورة
وقوله في أول باب من أبواب الغسل : " وقال بهز [ بن حكيم ] ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم : " " ، فهذا قطعا ليس من شرطه ، ولذلك لم يورده الله أحق أن يستحيى منه الحميدي في جمعه بين الصحيحين ، فاعلم ذلك فإنه مهم خاف ، والله أعلم .