الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 342 ] النوع الثاني والعشرون : nindex.php?page=treesubj&link=29119المقلوب : هو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليرغب فيه ، وقلب أهل بغداد على nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري مائة حديث امتحانا فردها على وجوهها فأذعنوا بفضله .
( النوع الثاني والعشرون : nindex.php?page=treesubj&link=29119المقلوب : هو ) قسمان : الأول : أن يكون الحديث مشهورا براو ، فيجعل مكانه آخر في طبقته ( نحو حديث مشهور ، عن سالم ، جعل عن نافع ; ليرغب فيه ) لغرابته ، أو عن مالك ، جعل عن nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر .
وممن كان يفعل ذلك من الوضاعين حماد بن عمرو النصيبي ، وأبو إسماعيل إبراهيم بن أبي حية اليسع ، وبهلول بن عبيد الكندي .
[ ص: 343 ] قال ابن دقيق العيد : وهو الذي يطلق على راويه أنه يسرق الحديث .
قال العراقي : مثاله حديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=16704عمرو بن خالد الحراني ، عن حماد النصيبي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=10347833إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدءوهم بالسلام . الحديث ، فهذا حديث مقلوب قلبه حماد فجعله ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، فإنما هو معروف nindex.php?page=showalam&ids=16068بسهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، هكذا أخرجه مسلم من رواية شعبة ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=15628وجرير بن عبد الحميد ، nindex.php?page=showalam&ids=16379وعبد العزيز الدراوردي ، كلهم عن سهيل .
قال : ولهذا كره أهل الحديث تتبع الغرائب ، فإنه قلما يصح منها .
تنبيه
قال البلقيني : قد يقع القلب في المتن ، قال : ، ويمكن تمثيله بما رواه حبيب بن عبد الرحمن ، عن عمته أنيسة ، مرفوعا ، " nindex.php?page=hadith&LINKID=10347834إذا أذن nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم ، فكلوا ، واشربوا ، وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ، ولا تشربوا " الحديث ، رواه أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة ، nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحيهما ، والمشهور من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وعائشة : nindex.php?page=hadith&LINKID=10347835إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم .
[ ص: 344 ] قال : فالرواية بخلاف ذلك مقلوبة ، قالا : إلا أن nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة لم يجعلا ذلك من المقلوب ، وجمعا باحتمال أن يكون بين بلال وبين أم مكتوم تناوب .
قال : ومع ذلك فدعوى القلب لا تبعد ، ولو فتحنا باب التأويلات لاندفع كثير من علل الحديث .
قال : ويمكن أن يسمى ذلك بالمعكوس ، فيفرد بنوع ، ولم أر من تعرض لذلك . انتهى .
وقد مثل شيخ الإسلام في " شرح النخبة " القلب في الإسناد ، بنحو كعب بن مرة ، ومرة بن كعب .
وفي المتن بحديث مسلم في السبعة الذين يظلهم الله ، رجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ، قال : فهذا مما انقلب على أحد الرواة ، وإنما هو حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، كما في الصحيحين .
قلت : ووجدت مثالا آخر ، وهو ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : " إذا أمرتكم بشيء فائتوه ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ما استطعتم " . فإن المعروف ما في الصحيحين : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10347836ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم " .
[ ص: 345 ] القسم الثاني : أن nindex.php?page=treesubj&link=29119يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر ، وبالعكس وهذا قد يقصد به أيضا الإغراب ، فيكون كالوضع ، وقد يفعل اختبارا لحفظ المحدث ، أو لقبوله التلقين ، وقد فعل ذلك شعبة nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة ، وأهل الحديث .
( وقلب أهل بغداد على nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ) لما جاءهم ( مائة حديث امتحانا ، فردها على وجوهها فأذعنوا بفضله ) ، وذلك فيما رواه الخطيب ، حدثني ابن أبي الحسن الساحلي ، أنا أحمد بن حسن الرازي ، سمعت nindex.php?page=showalam&ids=13357أبا أحمد بن عدي يقول : سمعت عدة مشايخ يحكون أن nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد ، فسمع به أصحاب الحديث ، فاجتمعوا ، وعمدوا إلى مائة حديث ، فقلبوا متونها وأسانيدها ، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ، ودفعوه إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة ، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وأخذوا الوعد للمجلس ، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ، ومن البغداديين ، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة ، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : لا أعرفه ، فسأله عن آخر فقال : لا أعرفه ، فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته ، nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري يقول : لا أعرفه ، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ، ويقولون : الرجل فهم ، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بالعجز والتقصير ، وقلة الفهم ، ثم انتدب إليه رجل آخر من العشرة ، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : لا أعرفه ، فلم يزل يلقي إليه [ ص: 346 ] ، واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته ، nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري يقول : لا أعرفه ، ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة ، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة ، nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري لا يزيدهم على : لا أعرفه ، فلما علم nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنهم قد فرغوا ، التفت إلى الأول منهم ، فقال : أما حديثك الأول ، فهو كذا ، وحديثك الثاني فهو كذا ، والثالث ، والرابع على الولاء ، حتى أتى على تمام العشرة ، فرد كل متن إلى إسناده ، وكل إسناد إلى متنه ، وفعل بالآخرين مثل ذلك ، ورد متون الأحاديث إلى أسانيدها ، وأسانيدها إلى متونها ، فأقر له الناس بالحفظ ، وأذعنوا له بالفضل .
تنبيهات
الأول : nindex.php?page=treesubj&link=29119قال العراقي : في جواز هذا الفعل نظر ، إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثا ، وقد أنكر حرمي على شعبة لما قلب أحاديث على أبان بن أبي عياش ، وقال : يا بئس ما صنع ، وهذا يحل ؟ .
الثاني : قد يقع القلب غلطا ، لا قصدا ، كما يقع الوضع كذلك ، وقد مثله nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح بحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير بن حازم ، عن ثابت ، عن أنس ، مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=10347837إذا أقيمت الصلاة ، فلا تقوموا حتى تروني .
فهذا حديث انقلب إسناده على جرير ، وهو مشهور nindex.php?page=showalam&ids=17298ليحيى بن أبي كثير ، عن [ ص: 347 ] عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا رواه الأئمة الخمسة ، وهو عند مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=15688حجاج بن أبي عثمان الصواف ، عن يحيى وجرير إنما سمعه من حجاج ، فانقلب عليه ، وقد بين ذلك nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، فيما رواه أبو داود في المراسيل ، عن أحمد بن صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17309يحيى بن حسان عنه ، قال : كنت أنا ، وجرير عند ثابت فحدث حجاج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، فظن جرير أنه إنما حدث به ثابت ، عن أنس .
الثالث : هذا آخر ما أورده المصنف من أنواع الضعيف ، وبقي عليه " nindex.php?page=treesubj&link=29116المتروك " ، ذكره شيخ الإسلام في " النخبة " ، وفسره : بأن يرويه من يتهم بالكذب ، ولا يعرف ذلك الحديث إلا من جهته ، ويكون مخالفا للقواعد المعلومة .
قال : وكذا من عرف بالكذب في كلامه ، وإن لم يظهر منه وقوعه في الحديث ، وهو دون الأول . انتهى .
وتقدمت الإشارة إليه عقب الشاذ والمنكر .
الرابع : تقدم أن شر الضعيف : الموضوع ، وهذا أمر متفق عليه ، ولم يذكر المصنف ترتيب أنواعه بعد ذلك ، ويليه المتروك ثم المنكر ، ثم المعلل ، ثم المدرج ، ثم المقلوب ، ثم المضطرب ، كذا رتبه شيخ الإسلام .
[ ص: 348 ] وقال الخطابي : شرها الموضوع ، ثم المقلوب ، ثم المجهول .
وقال الزركشي في مختصره : ما ضعفه لا لعدم اتصاله سبعة أصناف ، شرها : الموضوع ، ثم المدرج ، ثم المقلوب ، ثم المنكر ، ثم الشاذ ، ثم المعلل ، ثم المضطرب . انتهى .
قلت : وهذا ترتيب حسن ، وينبغي جعل المتروك قبل المدرج ، وأن يقال فيما ضعفه لعدم اتصال : شره المعضل ، ثم المنقطع ، ثم المدلس ، ثم المرسل ، وهذا واضح .
ثم رأيت شيخنا الإمام الشمني نقل قول الجوزقاني : المعضل أسوأ حالا من المنقطع ، والمنقطع أسوأ حالا من المرسل .
وتعقبه بأن ذلك إذا كان الانقطاع في موضع واحد ، وإلا فهو يساوي المعضل .