nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون [ ص: 317 ] الآيات الثلاث تضمنت أحكام الربا وجواز عقود المبايعات ، والوعيد لمن
nindex.php?page=treesubj&link=33579استحل الربا وأصر على فعله ، وفي ذلك ثمان وثلاثون مسألة :
الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28973قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الذين يأكلون الربا ( يأكلون ) يأخذون ، فعبر عن الأخذ بالأكل ؛ لأن الأخذ إنما يراد للأكل . والربا في اللغة الزيادة مطلقا ، يقال : ربا الشيء يربو إذا زاد ، ومنه الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837914فلا والله ما أخذنا من لقمة إلا ربا من تحتها يعني الطعام الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة ، خرج الحديث
مسلم رحمه الله . وقياس كتابته بالياء للكسرة في أوله ، وقد كتبوه في القرآن بالواو . ثم إن الشرع قد تصرف في هذا الإطلاق فقصره على بعض موارده ، فمرة أطلقه على كسب الحرام ، كما قال الله تعالى في
اليهود :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وأخذهم الربا وقد نهوا عنه . ولم يرد به الربا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا وإنما أراد المال الحرام ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42سماعون للكذب أكالون للسحت ؛ يعني به المال الحرام من الرشا ، وما استحلوه من أموال الأميين حيث قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ليس علينا في الأميين سبيل . وعلى هذا فيدخل فيه
nindex.php?page=treesubj&link=28177_33513النهي عن كل مال حرام بأي وجه اكتسب . والربا الذي عليه عرف الشرع شيئان :
nindex.php?page=treesubj&link=33278تحريم النساء ،
nindex.php?page=treesubj&link=33282والتفاضل في العقود وفي المطعومات على ما نبينه . وغالبه ما كانت العرب تفعله ، من قولها للغريم : أتقضي أم تربي ؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه . وهذا كله محرم باتفاق الأمة .
الثانية : أكثر البيوع الممنوعة إنما تجد منعها لمعنى زيادة إما في عين مال ، وإما في منفعة لأحدهما من تأخير ونحوه . ومن البيوع ما ليس فيه معنى الزيادة ،
nindex.php?page=treesubj&link=24536_4785كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها ،
nindex.php?page=treesubj&link=4816وكالبيع ساعة النداء يوم الجمعة ، فإن قيل لفاعلها ، آكل الربا فتجوز وتشبيه .
الثالثة : روى الأئمة واللفظ
لمسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831717الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء . وفي حديث
عبادة بن [ ص: 318 ] الصامت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831718فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد . وروى
أبو داود عن
عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831719الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها والبر بالبر مدي بمدي والشعير بالشعير مدي بمدي والتمر بالتمر مدي بمدي والملح بالملح مدي بمدي فمن زاد أو ازداد فقد أربى ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة ، أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير ، أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا . وأجمع العلماء على القول بمقتضى هذه السنة وعليها جماعة فقهاء المسلمين إلا في البر والشعير فإن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا جعلهما صنفا واحدا ، فلا يجوز منهما اثنان بواحد ، وهو قول
الليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ومعظم علماء
المدينة والشام ، وأضاف
مالك إليهما السلت . وقال
الليث : السلت والدخن والذرة صنف واحد ، وقاله
ابن وهب .
قلت : وإذا ثبتت السنة فلا قول معها . وقال عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831718فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ) . وقوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831720البر بالبر والشعير بالشعير ) دليل على أنهما نوعان مختلفان كمخالفة البر للتمر ، ولأن صفاتهما مختلفة وأسماؤهما مختلفة ، ولا اعتبار بالمنبت والمحصد إذا لم يعتبره الشرع ، بل فصل وبين ، وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وأصحاب الحديث .
الرابعة : كان
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان يذهب إلى أن النهي والتحريم إنما ورد من النبي صلى الله عليه وسلم في الدينار المضروب والدرهم المضروب لا في التبر من الذهب والفضة بالمضروب ، ولا في المصوغ بالمضروب . وقد قيل إن ذلك إنما كان منه في المصوغ خاصة ، حتى وقع له مع
عبادة ما خرجه
مسلم وغيره ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831721غزونا وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة ، فكان مما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا ببيعها في أعطيات الناس ، فتنازع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت ذلك فقام فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين من زاد أو ازداد فقد أربى ، فرد الناس ما أخذوا ، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال : ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة ثم قال : لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية - أو قال [ ص: 319 ] وإن رغم - ما أبالي ألا أصحبه في جنده في ليلة سوداء . قال
حماد هذا أو نحوه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : وقد روي أن هذه القصة إنما كانت
nindex.php?page=showalam&ids=4لأبي الدرداء مع
معاوية . ويحتمل أن يكون وقع ذلك لهما معه ، ولكن الحديث في العرف محفوظ
لعبادة ، وهو الأصل الذي عول عليه العلماء في باب ( الربا ) . ولم يختلفوا أن فعل
معاوية في ذلك غير جائز ، وغير نكير أن يكون
معاوية خفي عليه ما قد علمه
أبو الدرداء وعبادة فإنهما جليلان من فقهاء الصحابة وكبارهم ، وقد خفي على
أبي بكر وعمر ما وجد عند غيرهم ممن هو دونهم ،
فمعاوية أحرى . ويحتمل أن يكون مذهبه كمذهب
ابن عباس ، فقد كان وهو بحر في العلم لا يرى الدرهم بالدرهمين بأسا حتى صرفه عن ذلك
أبو سعيد . وقصة
معاوية هذه مع
عبادة كانت في ولاية
عمر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16812قبيصة بن ذؤيب : إن
عبادة أنكر شيئا على
معاوية فقال : لا أساكنك بأرض أنت بها ودخل
المدينة . فقال له
عمر : ما أقدمك ؟ فأخبره . فقال : ارجع إلى مكانك ، فقبح الله أرضا لست فيها ولا أمثالك! وكتب إلى
معاوية " لا إمارة لك عليه " .
الخامسة : روى الأئمة واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=14269للدارقطني عن
علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831722الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما من كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب وإن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بورق هاء وهاء . قال العلماء فقوله ، عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831723الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما ) إشارة إلى جنس الأصل المضروب ، بدليل قوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831724الفضة بالفضة والذهب بالذهب ) الحديث .
nindex.php?page=treesubj&link=33292_33279والفضة البيضاء والسوداء والذهب الأحمر والأصفر كل ذلك لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل سواء بسواء على كل حال ، على هذا جماعة أهل العلم على ما بينا . واختلفت الرواية عن
مالك في
nindex.php?page=treesubj&link=5490_33292الفلوس فألحقها بالدراهم من حيث كانت ثمنا للأشياء ، ومنع من إلحاقها مرة من حيث إنها ليست ثمنا في كل بلد وإنما يختص بها بلد دون بلد .
السادسة : لا اعتبار بما قد روي عن كثير من أصحاب
مالك وبعضهم يرويه عن
مالك في التاجر يحفزه الخروج وبه حاجة إلى دراهم مضروبة أو دنانير مضروبة ، فيأتي دار الضرب بفضته أو ذهبه
nindex.php?page=treesubj&link=23763_5486فيقول للضراب ، خذ فضتي هذه أو ذهبي وخذ قدر عمل يدك وادفع إلي دنانير [ ص: 320 ] مضروبة في ذهبي أو دراهم مضروبة في فضتي هذه لأني محفوز للخروج وأخاف أن يفوتني من أخرج معه ، أن ذلك جائز للضرورة ، وأنه قد عمل به بعض الناس . وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي في قبسه عن
مالك في غير التاجر ، وإن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا خفف في ذلك ، فيكون في الصورة قد باع فضته التي زنتها مائة وخمسة دراهم أجره بمائة وهذا محض الربا . والذي أوجب جواز ذلك أنه لو قال له : اضرب لي هذه وقاطعه على ذلك بأجرة ، فلما ضربها قبضها منه وأعطاه أجرتها ، فالذي فعل
مالك أولا هو الذي يكون آخرا ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك إنما نظر إلى المال فركب عليه حكم الحال ، وأباه سائر الفقهاء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : والحجة فيه
لمالك بينة . قال
أبو عمر رحمه الله : وهذا هو عين الربا الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831725من زاد أو ازداد فقد أربى ) . وقد رد
ابن وهب هذه المسألة على
مالك وأنكرها . وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=13658الأبهري أن ذلك من باب الرفق لطلب التجارة ولئلا يفوت السوق ، وليس الربا إلا على من أراد أن يربي ممن يقصد إلى ذلك ويبتغيه . ونسي
nindex.php?page=showalam&ids=13658الأبهري أصله في قطع الذرائع ، وقوله ، فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=5401باع ثوبا بنسيئة وهو لا نية له في شرائه ثم يجده في السوق يباع : إنه لا يجوز له ابتياعه منه بدون ما باعه به وإن لم يقصد إلى ذلك ولم يبتغه ، ومثله كثير ، ولو لم يكن الربا إلا على من قصده ما حرم إلا على الفقهاء . وقد قال
عمر : لا يتجر في سوقنا إلا من فقه وإلا أكل الربا . وهذا بين لمن رزق الإنصاف وألهم رشده .
قلت : وقد بالغ
مالك رحمه الله في منع الزيادة حتى جعل المتوهم كالمتحقق ، فمنع
nindex.php?page=treesubj&link=5503دينارا ودرهما بدينار ودرهم سدا للذريعة وحسما للتوهمات ، إذ لولا توهم الزيادة لما تبادلا . وقد علل منع ذلك بتعذر المماثلة عند التوزيع ، فإنه يلزم منه ذهب وفضة بذهب . وأوضح من هذا منعه التفاضل المعنوي ، وذلك أنه منع
nindex.php?page=treesubj&link=5436دينارا من الذهب العالي ودينارا من الذهب الدون في مقابلة العالي وألغى الدون ، وهذا من دقيق نظره رحمه الله ، فدل أن تلك الرواية عنه منكرة ولا تصح . والله أعلم .
السابعة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : التبر قطع الذهب والفضة قبل أن تضرب وتطبع دراهم أو دنانير ، واحدتها تبرة . والعين : المضروب من الدراهم أو الدنانير . وقد
حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع مثقال ذهب عين بمثقال وشيء من تبر غير مضروب . وكذلك حرم
nindex.php?page=treesubj&link=5485التفاوت بين المضروب من الفضة وغير المضروب منها ، وذلك معنى قوله : ( تبرها وعينها سواء ) .
[ ص: 321 ] الثامنة : أجمع العلماء على أن التمر بالتمر ولا يجوز إلا مثلا بمثل . واختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=33284_33283بيع التمرة الواحدة بالتمرتين ، والحبة الواحدة من القمح بحبتين ، فمنعه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، وهو قياس قول
مالك وهو الصحيح ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=5395ما جرى الربا فيه بالتفاضل في كثيره دخل قليله في ذلك قياسا ونظرا . احتج من أجاز ذلك بأن مستهلك التمرة والتمرتين لا تجب عليه القيمة ، قال : لأنه لا مكيل ولا موزون فجاز فيه التفاضل .
التاسعة : اعلم رحمك الله أن مسائل هذا الباب كثيرة وفروعه منتشرة ، والذي يربط لك ذلك أن تنظر إلى ما اعتبره كل واحد من العلماء في
nindex.php?page=treesubj&link=5384علة الربا ، فقال
أبو حنيفة : علة ذلك كونه مكيلا أو موزونا جنسا ، فكل ما يدخله الكيل أو الوزن عنده من جنس واحد ، فإن بيع بعضه ببعض متفاضلا أو نسيئا لا يجوز ، فمنع
nindex.php?page=treesubj&link=33292_5396بيع التراب بعضه ببعض متفاضلا ؛ لأنه يدخله الكيل ، وأجاز
nindex.php?page=treesubj&link=33292الخبز قرصا بقرصين ؛ لأنه لم يدخل عنده في الكيل الذي هو أصله ، فخرج من الجنس الذي يدخله الربا إلى ما عداه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : العلة كونه مطعوما جنسا . هذا قوله في الجديد ، فلا يجوز عنده
nindex.php?page=treesubj&link=33292بيع الدقيق بالخبز ولا
nindex.php?page=treesubj&link=33292_23724بيع الخبز بالخبز متفاضلا ولا نسيئا ، وسواء أكان الخبز خميرا أو فطيرا . ولا يجوز عنده بيضة ببيضتين ، ولا رمانة برمانتين ، ولا بطيخة ببطيختين لا يدا بيد ولا نسيئة ؛ لأن ذلك كله طعام مأكول . وقال في القديم : كونه مكيلا أو موزونا . واختلفت عبارات أصحابنا المالكية في ذلك ، وأحسن ما في ذلك كونه مقتاتا مدخرا للعيش غالبا جنسا ، كالحنطة والشعير والتمر والملح المنصوص عليها ، وما في معناها كالأرز والذرة والدخن والسمسم ، والقطاني كالفول والعدس واللوبياء والحمص ، وكذلك اللحوم والألبان والخلول والزيوت ، والثمار كالعنب والزبيب والزيتون ، واختلف في التين ، ويلحق بها العسل والسكر . فهذا كله يدخله الربا من جهة النساء . وجائز فيه التفاضل لقوله عليه السلام
nindex.php?page=hadith&LINKID=831726إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد . ولا ربا في
nindex.php?page=treesubj&link=33292_5396رطب الفواكه التي لا تبقى كالتفاح والبطيخ والرمان والكمثرى والقثاء والخيار والباذنجان وغير ذلك من الخضراوات . قال
مالك : لا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=33292_5397بيع البيض بالبيض متفاضلا ؛ لأنه مما يدخر ، ويجوز عنده مثلا بمثل . وقال
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : جائز بيضة ببيضتين وأكثر ؛ لأنه مما لا يدخر ، وهو قول
الأوزاعي .
العاشرة : اختلف النحاة في لفظ " الربا " فقال
البصريون : هو من ذوات الواو ؛ لأنك تقول في تثنيته : ربوان ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه . وقال
الكوفيون : يكتب بالياء ، وتثنيته بالياء ، لأجل الكسرة التي في أوله . قال
الزجاج : ما رأيت خطأ أقبح من هذا ولا أشنع لا يكفيهم الخطأ في
[ ص: 322 ] الخط حتى يخطئوا في التثنية وهم يقرءون :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس قال
محمد بن يزيد : كتب " الربا " في المصحف بالواو فرقا بينه وبين الزنا ، وكان الربا أولى منه بالواو ؛ لأنه من ربا يربو .
الحادية عشرة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس الجملة خبر الابتداء وهو ( الذين ) . والمعنى من قبورهم ، قاله
ابن عباس ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير وقتادة والربيع والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي وابن زيد . وقال بعضهم : يجعل معه شيطان يخنقه . وقالوا كلهم : يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند جميع أهل المحشر . ويقوي هذا التأويل المجمع عليه أن في قراءة
ابن مسعود " لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم " . قال
ابن عطية : وأما ألفاظ الآية فكانت تحتمل تشبيه حال القائم بحرص وجشع إلى تجارة الدنيا بقيام المجنون ؛ لأن الطمع والرغبة تستفزه حتى تضطرب أعضاؤه ، وهذا كما تقول لمسرع في مشيه يخلط في هيئة حركاته إما من فزع أو غيره : قد جن هذا! وقد شبه
الأعشى ناقته في نشاطها بالجنون في قوله :
وتصبح عن غب السرى وكأنما ألم بها من طائف الجن أولق
وقال آخر :
لعمرك بي من حب أسماء أولق
لكن ما جاءت به قراءة
ابن مسعود وتظاهرت به أقوال المفسرين يضعف هذا التأويل . و ( يتخبطه ) يتفعله من خبط يخبط ، كما تقول : تملكه وتعبده . فجعل الله هذه العلامة لأكلة الربا ، وذلك أنه أرباه في بطونهم فأثقلهم ، فهم إذا خرجوا من قبورهم يقومون ويسقطون . ويقال : إنهم يبعثون يوم القيامة قد انتفخت بطونهم كالحبالى ، وكلما قاموا سقطوا والناس يمشون عليهم . وقال بعض العلماء : إنما ذلك شعار لهم يعرفون به يوم القيامة ثم العذاب من وراء ذلك ، كما أن
nindex.php?page=treesubj&link=29468_8483الغال يجيء بما غل يوم القيامة بشهرة يشهر بها ثم العذاب من وراء ذلك . وقال تعالى : ( يأكلون ) والمراد يكسبون الربا ويفعلونه . وإنما خص الأكل بالذكر لأنه أقوى مقاصد الإنسان في المال ، ولأنه دال على الجشع وهو أشد الحرص ، يقال : رجل جشع بين
[ ص: 323 ] الجشع وقوم جشعون ، قاله في المجمل . فأقيم هذا البعض من توابع الكسب مقام الكسب كله ، فاللباس والسكنى والادخار والإنفاق على العيال داخل في قوله : ( الذين يأكلون ) .
الثانية عشرة : في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر
nindex.php?page=treesubj&link=17295الصرع من جهة الجن ، وزعم أنه من فعل الطبائع ، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس ، وقد مضى الرد عليهم فيما تقدم من هذا الكتاب . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
أبي اليسر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831727اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحريق وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك أن أموت لديغا . وروي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى حدثنا
أبو داود حدثنا
همام عن
قتادة عن
أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831728اللهم إني أعوذ بك من الجنون والجذام والبرص وسيئ الأسقام . والمس : الجنون ، يقال : مس الرجل وألس ، فهو ممسوس ومألوس إذا كان مجنونا ، وذلك
nindex.php?page=treesubj&link=33579_29468علامة الربا في الآخرة . وروي
في حديث الإسراء : فانطلق بي جبريل فمررت برجال كثير كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم متصدين على سابلة آل فرعون وآل فرعون يعرضون على النار بكرة وعشيا فيقبلون مثل الإبل المهيومة يتخبطون الحجارة والشجر لا يسمعون ولا يعقلون فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون قاموا فتميل بهم بطونهم فيصرعون ثم يقوم أحدهم فيميل به بطنه فيصرع فلا يستطيعون براحا حتى يغشاهم آل فرعون فيطئونهم مقبلين ومدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا والآخرة وآل فرعون يقولون اللهم لا تقم الساعة أبدا ، فإن الله تعالى يقول : nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب - قلت - يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : ( هؤلاء nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) . والمس : الجنون ، وكذلك الأولق والألس والرود .
الثالثة عشرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا معناه عند جميع المتأولين في الكفار ، ولهم قيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فله ما سلف ولا يقال ذلك لمؤمن عاص بل ينقض بيعه ،
[ ص: 324 ] ويرد فعله وإن كان جاهلا ، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830459من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد . لكن قد يأخذ العصاة في الربا بطرف من وعيد هذه الآية .
الرابعة عشرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إنما البيع مثل الربا أي إنما الزيادة عند حلول الأجل آخرا كمثل أصل الثمن في أول العقد ، وذلك أن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك ، فكانت إذا حل دينها قالت للغريم : إما أن تقضي وإما أن تربي ، أي تزيد في الدين . فحرم الله سبحانه ذلك ورد عليهم قولهم بقوله الحق :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وأحل الله البيع وحرم الربا وأوضح أن الأجل إذا حل ولم يكن عنده ما يؤدي أنظر إلى الميسرة . وهذا الربا هو الذي نسخه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=831729يوم عرفة لما قال : ألا إن كل ربا موضوع وإن أول ربا أضعه ربانا ربا nindex.php?page=showalam&ids=18عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله . فبدأ صلى الله عليه وسلم بعمه وأخص الناس به . وهذا من سنن العدل للإمام أن يفيض العدل على نفسه وخاصته فيستفيض حينئذ في الناس .
الخامسة عشرة : : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وأحل الله البيع هذا من عموم القرآن ، والألف واللام للجنس لا للعهد إذ لم يتقدم بيع مذكور يرجع إليه ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1والعصر إن الإنسان لفي خسر ثم استثنى
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . وإذا ثبت أن البيع عام فهو مخصص بما ذكرناه من الربا وغير ذلك مما نهي عنه ومنع العقد عليه ،
nindex.php?page=treesubj&link=33558_4737_28177كالخمر والميتة وحبل الحبلة وغير ذلك مما هو ثابت في السنة وإجماع الأمة النهي عنه . ونظيره
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين وسائر الظواهر التي تقتضي العمومات ويدخلها التخصيص وهذا مذهب أكثر الفقهاء . وقال بعضهم : هو من مجمل القرآن الذي فسر بالمحلل من البيع وبالمحرم فلا يمكن أن يستعمل في إحلال البيع وتحريمه إلا أن يقترن به بيان من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإن دل على إباحة البيوع في الجملة دون التفصيل . وهذا فرق ما بين العموم والمجمل . ، فالعموم يدل على
[ ص: 325 ] إباحة البيوع في الجملة ، والتفصيل ما لم يخص بدليل . والمجمل لا يدل على إباحتها في التفصيل حتى يقترن به بيان . والأول أصح . والله أعلم .
السادسة عشرة : البيع في اللغة مصدر باع كذا بكذا ، أي دفع عوضا وأخذ معوضا . وهو يقتضي بائعا وهو المالك أو من ينزل منزلته ، ومبتاعا وهو الذي يبذل الثمن ، ومبيعا وهو المثمون وهو الذي يبذل في مقابلته الثمن . وعلى هذا
nindex.php?page=treesubj&link=4421فأركان البيع أربعة : البائع والمبتاع والثمن والمثمن . ثم المعاوضة عند العرب تختلف بحسب اختلاف ما يضاف إليه ، فإن كان أحد المعوضين في مقابلة الرقبة سمي بيعا ، وإن كان في مقابلة منفعة رقبة فإن كانت منفعة بضع سمي نكاحا ، وإن كانت منفعة غيرها سمي إجارة ، وإن كان عينا بعين فهو بيع النقد وهو الصرف ، وإن كان بدين مؤجل فهو السلم ، وسيأتي بيانه في آية الدين . وقد مضى حكم الصرف ، ويأتي حكم الإجارة في " القصص " وحكم المهر في النكاح في ( النساء ) كل في موضعه إن شاء الله تعالى .
السابعة عشرة :
nindex.php?page=treesubj&link=4482البيع قبول وإيجاب يقع باللفظ المستقبل والماضي ، فالماضي فيه حقيقة والمستقبل كناية ، ويقع بالصريح والكناية المفهوم منها نقل الملك . فسواء قال : بعتك هذه السلعة بعشرة فقال : اشتريتها ، أو قال المشتري : اشتريتها وقال البائع : بعتكها ، أو قال البائع : أنا أبيعك بعشرة فقال المشتري : أنا أشتري أو قد اشتريت ، وكذلك لو قال : خذها بعشرة أو أعطيتكها أو دونكها أو بورك لك فيها بعشرة أو سلمتها إليك - وهما يريدان البيع - فذلك كله بيع لازم . ولو
nindex.php?page=treesubj&link=4491قال البائع : بعتك بعشرة ثم رجع قبل أن يقبل المشتري فقد قال : ليس له أن يرجع حتى يسمع قبول المشتري أو رده ؛ لأنه قد بذل ذلك من نفسه وأوجبه عليها ، وقد قال ذلك له ؛ لأن العقد لم يتم عليه . ولو
nindex.php?page=treesubj&link=4484قال البائع : كنت لاعبا ، فقد اختلفت الرواية عنه ، فقال مرة : يلزمه البيع ولا يلتفت إلى قوله وقال مرة : ينظر إلى قيمة السلعة . فإن كان الثمن يشبه قيمتها فالبيع لازم ، وإن كان متفاوتا كعبد بدرهم ودار بدينار ، علم أنه لم يرد به البيع ، وإنما كان هازلا فلم يلزمه .
الثامنة عشرة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وحرم الربا الألف واللام هنا للعهد ، وهو ما كانت العرب تفعله كما بيناه ، ثم تتناول ما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه من البيع الذي يدخله الربا وما في معناه من البيوع المنهي عنها .
التاسعة عشرة :
nindex.php?page=treesubj&link=5366_5423عقد الربا مفسوخ لا يجوز بحال ، لما رواه الأئمة واللفظ
لمسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831730جاء بلال بتمر برني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أين هذا ) ؟ فقال بلال : [ ص: 326 ] من تمر كان عندنا رديء ، فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : أوه عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به وفي رواية ( هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا ) . قال علماؤنا : فقوله (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831731أوه عين الربا ) أي هو الربا المحرم نفسه لا ما يشبهه . وقوله : ( فردوه ) يدل على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=5423فسخ صفقة الربا وأنها لا تصح بوجه ، وهو قول الجمهور ، خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة حيث يقول : إن بيع الربا جائز بأصله من حيث هو بيع ، ممنوع بوصفه من حيث هو ربا ، فيسقط الربا ويصح البيع . ولو كان على ما ذكر لما فسخ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصفقة ، ولأمره برد الزيادة على الصاع ولصحح الصفقة في مقابلة الصاع .
الموفية عشرين : كل
nindex.php?page=treesubj&link=5425ما كان من حرام بين ففسخ فعلى المبتاع رد السلعة بعينها . فإن تلفت بيده رد القيمة فيما له القيمة ، وذلك كالعقار والعروض والحيوان ، والمثل فيما له مثل من موزون أو مكيل من طعام أو عرض . قال
مالك : يرد الحرام البين فات أو لم يفت ، وما كان مما كره الناس رد إلا أن يفوت فيترك .
الحادية والعشرون : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فمن جاءه موعظة من ربه قال
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد الصادق رحمهما الله :
nindex.php?page=treesubj&link=5366حرم الله الربا ليتقارض الناس . وعن
ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837933قرض مرتين يعدل صدقة مرة أخرجه
البزار ، وقد تقدم هذا المعنى مستوفى . وقال بعض الناس : حرمه الله لأنه متلفة للأموال مهلكة للناس . وسقطت علامة التأنيث في قوله تعالى : ( فمن جاءه ) لأن تأنيث " الموعظة " غير حقيقي وهو بمعنى وعظ . وقرأ
الحسن " فمن جاءته " بإثبات العلامة .
هذه الآية تلتها
عائشة لما أخبرت بفعل
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم . روى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
العالية بنت أنفع قالت : خرجت أنا
وأم محبة إلى
مكة فدخلنا على
عائشة رضي الله عنها فسلمنا عليها ، فقالت لنا : ممن أنتن ؟ قلنا من
أهل الكوفة ، قالت : فكأنها أعرضت عنا ، فقالت لها
أم محبة : يا أم المؤمنين! كانت لي جارية وإني بعتها من
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم الأنصاري بثمانمائة درهم إلى عطائه وإنه أراد بيعها فابتعتها منه بستمائة درهم نقدا . قالت : فأقبلت علينا فقالت : بئسما
[ ص: 327 ] شريت وما اشتريت! فأبلغي
زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب . فقالت لها : أرأيت إن لم آخذ منه إلا رأس مالي ؟ قالت :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف .
العالية هي زوج أبي إسحاق الهمداني الكوفي السبيعي أم يونس بن أبي إسحاق . وهذا الحديث أخرجه
مالك من رواية
ابن وهب عنه في بيوع الآجال ، فإن كان منها ما يؤدي إلى الوقوع في المحظور منع منه وإن كان ظاهره بيعا جائزا . وخالف
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا في هذا الأصل جمهور الفقهاء وقالوا : الأحكام مبنية على الظاهر لا على الظنون . ودليلنا القول بسد الذرائع ، فإن سلم وإلا استدللنا على صحته . وقد تقدم . وهذا الحديث نص ولا تقول
عائشة ( أبلغي
زيدا أنه قد أبطل جهاده إلا أن يتوب ) إلا بتوقيف ، إذ مثله لا يقال بالرأي فإن إبطال الأعمال لا يتوصل إلى معرفتها إلا بالوحي كما تقدم . وفي صحيح
مسلم عن
النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831732إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى ، حول الحمى يوشك أن يوقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه . وجه دلالته أنه منع من الإقدام على المتشابهات مخافة الوقوع في المحرمات وذلك سد للذريعة . وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830291إن nindex.php?page=treesubj&link=18029_18028من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا : وكيف يشتم الرجل والديه ؟ قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه . فجعل التعريض لسب الآباء كسب الآباء .
nindex.php?page=hadith&LINKID=837935ولعن صلى الله عليه وسلم اليهود إذ أكلوا ثمن ما نهوا عن أكله . وقال
أبو بكر في كتابه : لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة . ونهى
ابن عباس عن دراهم بدراهم بينهما جريرة . واتفق العلماء على منع
nindex.php?page=treesubj&link=4902الجمع بين بيع وسلف ، وعلى
nindex.php?page=treesubj&link=17190تحريم قليل الخمر وإن كان لا يسكر ، وعلى تحريم
nindex.php?page=treesubj&link=25018الخلوة بالأجنبية وإن كان عنينا ، وعلى تحريم
nindex.php?page=treesubj&link=19345النظر إلى وجه المرأة الشابة إلى غير ذلك مما يكثر ويعلم على القطع والثبات أن الشرع حكم فيها بالمنع ؛ لأنها ذرائع المحرمات . والربا أحق ما حميت مراتعه وسدت طرائقه ، ومن أباح هذه الأسباب فليبح حفر البئر ونصب الحبالات لهلاك المسلمين والمسلمات ، وذلك لا يقوله أحد . وأيضا
[ ص: 328 ] فقد اتفقنا على منع من
nindex.php?page=treesubj&link=4868باع بالعينة إذا عرف بذلك وكانت عادته ، وهي في معنى هذا الباب . والله الموفق للصواب .
الثانية والعشرون : روى
أبو داود عن
ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831733إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم . في إسناده
أبو عبد الرحمن الخراساني . ليس بمشهور . وفسر
أبو عبيد الهروي العينة فقال : هي أن
nindex.php?page=treesubj&link=4866يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به . قال : فإن
nindex.php?page=treesubj&link=4867اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمى ، ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن ، فهذه أيضا عينة ، وهي أهون من الأولى ، وهو جائز عند بعضهم . وسميت عينة لحضور النقد لصاحب العينة ، وذلك أن العين هو المال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضر يصل إليه من فوره .
الثالثة والعشرون : قال علماؤنا : فمن
nindex.php?page=treesubj&link=4867باع سلعة بثمن إلى أجل ثم ابتاعها بثمن من جنس الثمن الذي باعها به ، فلا يخلو أن يشتريها منه بنقد ، أو إلى أجل دون الأجل الذي باعها إليه ، أو إلى أبعد منه ، بمثل الثمن أو بأقل منه أو بأكثر ، فهذه ثلاث مسائل : وأما الأولى والثانية فإن كان بمثل الثمن أو أكثر جاز ، ولا يجوز بأقل على مقتضى حديث
عائشة ؛ لأنه أعطى ستمائة ليأخذ ثمانمائة والسلعة لغو ، وهذا هو الربا بعينه . وأما الثالثة إلى أبعد من الأجل ، فإن كان اشتراها وحدها أو زيادة فيجوز بمثل الثمن أو أقل منه ، ولا يجوز بأكثر ، فإن اشترى بعضها فلا يجوز على كل حال لا بمثل الثمن ولا بأقل ولا بأكثر . ومسائل هذا الباب حصرها علماؤنا في سبع وعشرين مسألة ، ومدارها على ما ذكرناه فاعلم .
الرابعة والعشرون :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فله ما سلف أي من أمر الربا لا تباعة عليه منه في الدنيا ولا في الآخرة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وغيره . وهذا حكم من الله تعالى لمن أسلم من كفار
قريش وثقيف ومن كان يتجر هنالك . وسلف : معناه تقدم في الزمن وانقضى .
الخامسة والعشرون : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وأمره إلى الله فيه أربع تأويلات : أحدها أن الضمير عائد إلى الربا ، بمعنى وأمر الربا إلى الله في إمرار تحريمه أو غير ذلك . والآخر أن يكون الضمير عائدا على ما سلف أي أمره إلى الله تعالى في العفو عنه وإسقاط التبعة فيه . والثالث أن يكون الضمير عائدا على ذي الربا ، بمعنى أمره إلى الله في أن يثبته على الانتهاء أو
[ ص: 329 ] يعيده إلى المعصية في الربا . واختار هذا القول
النحاس ، قال : وهذا قول حسن بين ، أي وأمره إلى الله في المستقبل إن شاء ثبته على التحريم وإن شاء أباحه . والرابع أن يعود الضمير على المنتهى ، ولكن بمعنى التأنيس له وبسط أمله في الخير ، كما تقول : وأمره إلى طاعة وخير ، وكما تقول : وأمره في نمو وإقبال إلى الله تعالى وإلى طاعته .
السادسة والعشرون : ومن عاد يعني إلى فعل الربا حتى يموت ، قاله
سفيان . وقال غيره : من عاد فقال إنما البيع مثل الربا فقد كفر . قال
ابن عطية : إن قدرنا الآية في كافر فالخلود خلود تأبيد حقيقي ، وإن لحظناها في مسلم عاص فهذا خلود مستعار على معنى المبالغة ، كما تقول العرب : ملك خالد ، عبارة عن دوام ما لا يبقى على التأبيد الحقيقي .
السابعة والعشرون : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276يمحق الله الربا يعني في الدنيا أي يذهب بركته وإن كان كثيرا . روى
ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831734إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قل . وقيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276يمحق الله الربا يعني في الآخرة . وعن
ابن عباس في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276يمحق الله الربا قال : لا يقبل منه صدقة ولا حجا ولا جهادا ولا صلة . والمحق : النقص والذهاب ، ومنه محاق القمر وهو انتقاصه .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276ويربي الصدقات أي ينميها في الدنيا بالبركة ويكثر ثوابها بالتضعيف في الآخرة . وفي صحيح
مسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837938إن صدقة أحدكم لتقع في يد الله فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى يجيء يوم القيامة وإن اللقمة لعلى قدر أحد . وقرأ
ابن الزبير " يمحق " بضم الياء وكسر الحاء مشددة " يربي " بفتح الراء وتشديد الباء ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك .
الثامنة والعشرون : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276والله لا يحب كل كفار أثيم ووصف ( كفار ) بأثيم مبالغة ، من حيث اختلف اللفظان . وقيل : لإزالة الاشتراك في ( كفار ) إذ قد يقع على الزارع الذي يستر الحب في الأرض : قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك .
وقد تقدم القول في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=277إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وخص الصلاة والزكاة بالذكر وقد تضمنها عمل الصالحات تشريفا لهما وتنبيها على قدرهما إذ هما رأس الأعمال ؛ الصلاة في أعمال البدن ، والزكاة في أعمال المال .
التاسعة والعشرون :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين [ ص: 330 ] ظاهره أنه أبطل من الربا ما لم يكن مقبوضا وإن كان معقودا قبل نزول آية التحريم ، ولا يتعقب بالفسخ ما كان مقبوضا . وقد قيل : إن الآية نزلت بسبب
ثقيف ، وكانوا عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن ما لهم من الربا على الناس فهو لهم ، وما للناس عليهم فهو موضوع عنهم ، فلما أن جاءت آجال رباهم بعثوا إلى
مكة للاقتضاء ، وكانت الديون
لبني عبدة وهم
بنو عمرو بن عمير من
ثقيف ، وكانت على
بني المغيرة المخزوميين . فقال
بنو المغيرة : لا نعطي شيئا فإن الربا قد رفع ورفعوا أمرهم إلى
عتاب بن أسيد ، فكتب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزلت الآية فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
عتاب ، فعلمت بها
ثقيف فكفت . هذا سبب الآية على اختصار مجموع ما روى
ابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي وغيرهم . والمعنى اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بترككم ما بقي لكم من الربا وصفحكم عنه .
الموفية ثلاثين : قوله تعالى : " إن كنتم مؤمنين " شرط محض في ثقيف على بابه لأنه كان في أول دخولهم في الإسلام . وإذا قدرنا الآية فيمن قد تقرر إيمانه فهو شرط مجازي على جهة المبالغة ، كما تقول لمن تريد إقامة نفسه : إن كنت رجلا فافعل كذا . وحكى
النقاش عن
مقاتل بن سليمان أنه قال : إن " إن " في هذه الآية بمعنى " إذ " . قال
ابن عطية : وهذا مردود لا يعرف في اللغة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك : يحتمل أن يريد يا أيها الذين آمنوا بمن قبل
محمد عليه السلام من الأنبياء
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ لا ينفع الأول إلا بهذا . وهذا مردود بما روي في سبب الآية .
الحادية والثلاثون :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله هذا وعيد إن لم يذروا الربا ، والحرب داعية القتل . وروى
ابن عباس أنه يقال يوم القيامة لآكل الربا : خذ سلاحك للحرب . وقال
ابن عباس أيضا : من كان مقيما على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع وإلا ضرب عنقه . وقال
قتادة : أوعد الله أهل الربا بالقتل فجعلهم بهرجا أينما ثقفوا . وقيل : المعنى إن لم تنتهوا فأنتم حرب لله ولرسوله ، أي : أعداء . وقال
ابن خويزمنداد : ولو أن
nindex.php?page=treesubj&link=5366_33579أهل بلد اصطلحوا على الربا استحلالا كانوا مرتدين ، والحكم فيهم كالحكم في أهل الردة ، وإن لم يكن ذلك منهم استحلالا جاز للإمام محاربتهم ، ألا ترى أن الله تعالى قد أذن في ذلك فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فأذنوا بحرب من الله ورسوله . وقرأ
أبو بكر عن
عاصم " فآذنوا " على معنى فأعلموا غيركم أنكم على حربهم .
الثانية والثلاثون : ذكر
ابن بكير قال : جاء رجل إلى
مالك بن أنس فقال : يا
أبا عبد الله ،
[ ص: 331 ] إني رأيت رجلا سكرانا يتعاقر يريد أن يأخذ القمر ، فقلت : امرأتي طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم أشر من الخمر . فقال : ارجع حتى أنظر في مسألتك . فأتاه من الغد فقال له : ارجع حتى أنظر في مسألتك فأتاه من الغد فقال له : امرأتك طالق ، إني تصفحت كتاب الله وسنة نبيه فلم أر شيئا أشر من الربا ؛ لأن الله أذن فيه بالحرب .
الثالثة والثلاثون : دلت هذه الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=5366أكل الربا والعمل به من الكبائر ، ولا خلاف في ذلك على ما نبينه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831735يأتي على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا ومن لم يأكل الربا أصابه غباره وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837940لدرهم ربا أشد عند الله تعالى من ست وثلاثين زنية في الخطيئة وروي عنه عليه السلام أنه قال :
الربا تسعة وتسعون بابا أدناها كإتيان الرجل بأمه يعني الزنا بأمه . وقال
ابن مسعود nindex.php?page=hadith&LINKID=831736آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=9473أبي جحيفة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831737نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور . وفي صحيح
[ ص: 332 ] مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831738اجتنبوا السبع الموبقات . . . - وفيها - وآكل الربا . وفي مصنف
أبي داود عن
ابن مسعود قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831739لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده .
الرابعة والثلاثون : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم الآية . روى
أبو داود عن
سليمان بن عمرو عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831740ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع ، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وذكر الحديث . فردهم تعالى مع التوبة إلى رءوس أموالهم وقال لهم : لا تظلمون في أخذ الربا ولا تظلمون في أن يتمسك بشيء من رءوس أموالكم فتذهب أموالكم . ويحتمل أن يكون لا تظلمون في مطل ؛ لأن
nindex.php?page=hadith&LINKID=831234مطل الغني ظلم ، فالمعنى أنه يكون القضاء مع وضع الربا ، وهكذا سنة الصلح ، وهذا أشبه شيء بالصلح . ألا ترى أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=837948النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار إلى nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك في دين ابن أبي حدرد بوضع الشطر فقال كعب : نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للآخر : ( قم فاقضه ) . فتلقى العلماء أمره بالقضاء سنة في المصالحات . وسيأتي في ( النساء ) بيان الصلح وما يجوز منه وما لا يجوز ، إن شاء الله تعالى .
الخامسة والثلاثون : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم تأكيد لإبطال ما لم يقبض منه وأخذ رأس المال الذي لا ربا فيه . فاستدل بعض العلماء بذلك على أن
nindex.php?page=treesubj&link=4655كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب تحريم العقد أبطل العقد ، كما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=4601_4655اشترى مسلم صيدا ثم أحرم المشتري أو البائع قبل القبض بطل البيع ؛ لأنه طرأ عليه قبل القبض ما أوجب تحريم العقد ، كما أبطل الله تعالى ما لم يقبض ؛ لأنه طرأ عليه ما أوجب تحريمه قبل القبض ، ولو كان مقبوضا لم يؤثر . هذا مذهب
أبي حنيفة ، وهو قول لأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . ويستدل به على أن
nindex.php?page=treesubj&link=4473هلاك المبيع قبل القبض في يد البائع وسقوط القبض فيه يوجب بطلان العقد خلافا لبعض السلف ، ويروى هذا الخلاف عن
أحمد . وهذا إنما يتمشى على قول من يقول : إن العقد في
[ ص: 333 ] الربا كان في الأصل منعقدا ، وإنما بطل بالإسلام الطارئ قبل القبض . وأما من منع انعقاد الربا في الأصل لم يكن هذا الكلام صحيحا ، وذلك أن الربا كان محرما في الأديان ، والذي فعلوه في الجاهلية كان عادة المشركين ، وأن ما قبضوه منه كان بمثابة أموال وصلت إليهم بالغصب والسلب فلا يتعرض له . فعلى هذا لا يصح الاستشهاد على ما ذكروه من المسائل . واشتمال شرائع الأنبياء قبلنا على تحريم الربا مشهور مذكور في كتاب الله تعالى ، كما حكي عن
اليهود في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وأخذهم الربا وقد نهوا عنه . وذكر في قصة
شعيب أن قومه أنكروا عليه وقالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء فعلى هذا لا يستقيم الاستدلال به . نعم ، يفهم من هذا أن العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليها الإمام لا يعترض عليها بالفسخ إن كانت معقودة على فساد .
السادسة والثلاثون : ذهب بعض الغلاة من أرباب الورع إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=18615_18604المال الحلال إذا خالطه حرام حتى لم يتميز ثم أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولم يطب لأنه يمكن أن يكون الذي أخرج هو الحلال والذي بقي هو الحرام . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهذا غلو في الدين فإن كل ما لم يتميز فالمقصود منه ماليته لا عينه ولو تلف لقام المثل مقامه والاختلاط إتلاف لتمييزه كما أن الإهلاك إتلاف لعينه والمثل قائم مقام الذاهب وهذا بين حسا بين معنى . والله أعلم .
قلت : قال علماؤنا إن
nindex.php?page=treesubj&link=19720_18616سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه ويطلبه إن لم يكن حاضرا فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه . وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه . فإن
nindex.php?page=treesubj&link=18615التبس عليه الأمر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه . فإن أيس من وجوده تصدق به عنه . فإن
nindex.php?page=treesubj&link=18613_19720أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين حتى لا يبقى في يده إلا أقل ما يجزئه في الصلاة من اللباس وهو ما يستر العورة وهو من سرته إلى ركبتيه وقوت يومه لأنه الذي يجب له أن يأخذه من مال غيره إذا اضطر إليه وإن كره ذلك من يأخذه منه وفارق هاهنا المفلس في قول أكثر العلماء لأن المفلس لم يصر إليه أموال الناس باعتداء بل هم الذين صيروها إليه ، فيترك له ما يواريه وما هو هيئة لباسه .
وأبو عبيد وغيره
[ ص: 334 ] يرى ألا يترك للمفلس اللباس إلا أقل ما يجزئه في الصلاة وهو ما يواريه من سرته إلى ركبته ، ثم كلما وقع بيد هذا شيء أخرجه عن يده ولم يمسك منه إلا ما ذكرنا ، حتى يعلم هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما عليه .
السابعة والثلاثون : هذا الوعيد الذي وعد الله به في الربا من المحاربة ، قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله في
nindex.php?page=treesubj&link=6225المخابرة . وروى
أبو داود قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين قال : أخبرنا
ابن رجاء قال
ابن خيثم : حدثني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831741من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله . وهذا دليل على منع المخابرة وهي أخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع ، ويسمى
nindex.php?page=treesubj&link=6225المزارعة . وأجمع أصحاب
مالك كلهم
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأتباعهم
وداود ، على أنه لا يجوز دفع الأرض على الثلث والربع ، ولا على جزء مما تخرج ؛ لأنه مجهول ، إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبا حنيفة قالوا بجواز
nindex.php?page=treesubj&link=26879كراء الأرض بالطعام إذا كان معلوما ، لقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831742فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به خرجه
مسلم . وإليه ذهب
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، ومنعه
مالك وأصحابه ، لما رواه
مسلم أيضا عن
رافع بن خديج قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831743كنا نحاقل بالأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى ، فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي فقال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا ، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا ، نهانا أن نحاقل بالأرض فنكتريها على الثلث والربع والطعام المسمى ، وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يزارعها . وكره كراءها وما سوى ذلك ) . قالوا : فلا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=26879كراء الأرض بشيء من الطعام مأكولا كان أو مشروبا على حال ؛ لأن ذلك في معنى
nindex.php?page=treesubj&link=33279بيع الطعام بالطعام نسيئا . وكذلك لا يجوز عندهم
nindex.php?page=treesubj&link=26878كراء الأرض بشيء مما يخرج منها وإن لم يكن طعاما مأكولا ولا مشروبا ، سوى الخشب والقصب والحطب ؛ لأنه عندهم في معنى
nindex.php?page=treesubj&link=4871المزابنة . هذا هو المحفوظ عن
مالك وأصحابه . وقد ذكر
ابن سحنون عن
المغيرة بن عبد الرحمن [ ص: 335 ] المخزومي المدني أنه قال : لا بأس بإكراء الأرض بطعام لا يخرج منها . وروى
يحيى بن عمر عن
المغيرة أن ذلك لا يجوز ، كقول سائر أصحاب
مالك . وذكر
ابن حبيب ، أن
ابن كنانة كان يقول : لا تكرى الأرض بشيء إذا أعيد فيها نبت ، ولا بأس أن تكرى بما سوى ذلك من جميع الأشياء مما يؤكل ومما لا يؤكل خرج منها أو لم يخرج منها ، وبه قال
يحيى بن يحيى ، وقال : إنه من قول
مالك . قال : وكان
ابن نافع يقول : لا بأس بأن تكرى الأرض بكل شيء من طعام وغيره خرج منها أو لم يخرج ، ما عدا الحنطة وأخواتها فإنها
nindex.php?page=treesubj&link=4874المحاقلة المنهي عنها . وقال
مالك في الموطأ : فأما الذي يعطي أرضه البيضاء بالثلث والربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله الغرر ؛ لأن الزرع يقل مرة ويكثر أخرى ، وربما هلك رأسا فيكون صاحب الأرض قد ترك كراء معلوما ، وإنما مثل ذلك مثل
nindex.php?page=treesubj&link=6122رجل استأجر أجيرا لسفر بشيء معلوم ، ثم قال الذي استأجر للأجير : هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك . فهذا لا يحل ولا ينبغي . قال
مالك : ولا ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ولا أرضه ولا سفينته ولا دابته إلا بشيء معلوم لا يزول . وبه يقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابهما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي وأبو يوسف ومحمد : لا بأس أن يعطي الرجل أرضه على جزء ، مما تخرجه نحو الثلث والربع ، وهو قول
ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس . واحتجوا
nindex.php?page=hadith&LINKID=837952بقصة خيبر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهلها على شطر ما تخرجه أرضهم وثمارهم . قال
أحمد : حديث
رافع بن خديج في
nindex.php?page=hadith&LINKID=831744النهي عن كراء المزارع مضطرب الألفاظ ولا يصح ، والقول بقصة
خيبر أولى وهو حديث صحيح . وقد أجاز طائفة من التابعين ومن بعدهم أن يعطي الرجل سفينته ودابته ، كما يعطي أرضه بجزء مما يرزقه الله في العلاج بها . وجعلوا أصلهم في ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=5927القراض المجمع عليه على ما يأتي بيانه في " المزمل " إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في قول
ابن عمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831745كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، أي كنا نكري الأرض ببعض ما يخرج منها . قال : وفي ذلك نسخ لسنة
خيبر .
[ ص: 336 ] قلت : ومما يصحح قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في النسخ ما رواه الأئمة واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=14269للدارقطني عن
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=831746نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وعن الثنيا إلا أن تعلم . صحيح . وروى
أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831747نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة . قلت : وما المخابرة ؟ قال : أن تأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع .
الثامنة والثلاثون : في القراءات . قرأ الجمهور " ما بقي " بتحريك الياء ، وسكنها الحسن ، ومثله قول
جرير :
هو الخليفة فارضوا ما رضي لكم ماضي العزيمة ما في حكمه جنف
وقال
عمر بن أبي ربيعة :
كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم يا أشبه الناس كل الناس بالقمر
إني لأجذل أن أمسي مقابله حبا لرؤية من أشبهت في الصور
، أصله " ما رضي " و " أن أمسي " فأسكنها ، وهو في الشعر كثير . ووجهه أنه شبه الياء بالألف فكما لا تصل الحركة إلى الألف فكذلك لا تصل هنا إلى الياء . ومن هذه اللغة ( أحب أن أدعوك ) ، ( وأشتهي أن أقضيك ) ، بإسكان الواو والياء . وقرأ
الحسن " ما بقى " بالألف ، وهي لغة
طيئ ، يقولون للجارية : جاراة ، وللناصية : ناصاة ، وقال الشاعر :
لعمرك لا أخشى التصعلك ما بقى على الأرض قيسي يسوق الأباعرا
وقرأ
أبو السمال من بين جميع القراء " من الربو " بكسر الراء المشددة وضم الباء وسكون الواو . وقال
أبو الفتح عثمان بن جني : شذ هذا الحرف من أمرين ، أحدهما الخروج من الكسر إلى الضم ، والآخر وقوع الواو بعد الضم في آخر الاسم . وقال
المهدوي . وجهها أنه فخم الألف فانتحى بها نحو الواو التي الألف منها ، ولا ينبغي أن يحمل على غير هذا الوجه ، إذ ليس في الكلام اسم آخره واو ساكنة قبلها ضمة . وأمال
الكسائي وحمزة " الربا " لمكان الكسرة في الراء . الباقون بالتفخيم لفتحة الباء .
وقرأ
أبو بكر عن
عاصم وحمزة " فآذنوا " على معنى فآذنوا غيركم ، فحذف المفعول . وقرأ الباقون فأذنوا أي كونوا على إذن ، من قولك : إني على علم ، حكاه
أبو عبيد عن
الأصمعي . وحكى أهل اللغة أنه يقال : أذنت به إذنا ، أي علمت به . وقال
ابن عباس وغيره من المفسرين : معنى فأذنوا فاستيقنوا الحرب من الله تعالى ، وهو
[ ص: 337 ] بمعنى الإذن . ورجح
أبو علي وغيره قراءة المد قال : لأنهم إذا أمروا بإعلام غيرهم ممن لم ينته عن ذلك علموا هم لا محالة . قال : ففي إعلامهم علمهم وليس في علمهم إعلامهم . ورجح
الطبري قراءة القصر ؛ لأنها تختص بهم . وإنما أمروا على قراءة المد بإعلام غيرهم
وقرأ جميع القراء ( لا تظلمون ) بفتح التاء ( ولا تظلمون ) بضمها . وروى
المفضل عن
عاصم " لا تظلمون " " ولا تظلمون " بضم التاء في الأولى وفتحها في الثانية على العكس . وقال
أبو علي : تترجح قراءة الجماعة بأنها تناسب قوله : ( وإن تبتم ) في إسناد الفعلين إلى الفاعل ، فيجيء " تظلمون " بفتح التاء أشكل بما قبله .