( قد بلغ الحلم ) بضم المهملة وسكون اللام ; أي : الإنزال في النوم ، والمراد البلوغ به أو بنحوه كالحيض ، أو باستكمال خمس عشرة سنة ; إذ هو مناط التكليف ( سليم الفعل من فسق ) ، وهو ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة ( أو ) أي : وسليم الفعل من ( خرم مروءة ) ، على أنه قد اعترض على في [ ص: 6 ] إدراجه آخرها في المتفق عليه ، وقيل : إنه لم يشرطها ، فيما ذكر ابن الصلاح الخطيب وغيره ، سوى وأصحابه ، لكنه مردود بأن العدالة لا تتم عند كل من شرطها - وهم أكثر العلماء - بدونها ، بل من لم يشرط مزيدا على الإسلام ، واكتفى بعدم ثبوت ما ينافي العدالة ، وأن من الشافعي لم تقبل شهادته ولا روايته ، قد لا ينافيه . ظهر منه ما ينافيها
نعم قد حقق الماوردي أن الذي تجنبه منها شرط في العدالة ، وارتكابه مفض إلى الفسق : ما سخف من الكلام المؤذي والضحك ، وما قبح من الفعل الذي يلهو به ويستقبح بمعرته ، كنتف اللحية وخضابها بالسواد ، وكذا البول قائما ، يعني في الطريق ، وبحيث يراه الناس ، وفي الماء الراكد ، وكشف العورة إذا خلا ، والتحدث بمساوئ الناس .
وأما ما ليس بشرط فكعدم الإفضال بالماء والطعام ، والمساعدة بالنفس والجاه ، وكذا الأكل في الطريق ، وكشف الرأس بين الناس ، والمشي حافيا ، ويمكن أن يكون هذا منشأ الاختلاف ، ولكن في بعض ما ذكره من الشقين نظر .
وما أحسن قول الزنجاني في شرح ( الوجيز ) : " ، فلا تتعلق بمجرد الشرع ، وأنت تعلم أن الأمور العرفية قلما تضبط ، بل هي تختلف باختلاف الأشخاص والبلدان ، فكم من بلد جرت عادة أهله بمباشرة أمور لو باشرها غيرهم لعد خرما للمروءة . المروءة يرجع في معرفتها إلى [ ص: 7 ] العرف
وفي الجملة رعاية مناهج الشرع وآدابه ، والاهتداء بالسلف ، والاقتداء بهم أمر واجب الرعاية " .
قال الزركشي : " وكأنه يشير بذلك إلى أنه ليس المراد سيرة مطلق الناس ، بل الذين يقتدى بهم " ، وهو كما قال ، ثم إن اشتراط البلوغ من الذي عليه الجمهور ، وإلا فقد قبل بعضهم الموثوق به ، ولذا كان في المسألة لأصحابنا وجهان ، قيدهما رواية الصبي المميز الرافعي وتبعه النووي بالمراهق ، مع وصف النووي للقبول بالشذوذ .
وقال الرافعي في موضع آخر : " وفي الصبي بعد التمييز وجهان كما في رواية أخبار الرسول ، واختصره النووي بالصبي المميز ، ولا تناقض ، فمن قيد [ ص: 8 ] بالمراهق عنى المميز ، والصحيح عدم قبول غير البالغ ، وهو الذي حكاه النووي عن الأكثرين .
وحكى في شرح المهذب تبعا للمتولي عن الجمهور - قبول أخبار الصبي المميز فيما طريقه المشاهدة ، بخلاف ما طريقه النقل ; كالإفتاء ورواية الأخبار ونحوه ، وإليه أشار شيخنا بقوله : " وقبل الجمهور أخبارهم إذا انضمت إليها قرينة " انتهى .
أما غير المميز فلا يقبل قطعا ، وكذا لم يشترطوا في عدل الرواية الحرية ، بل أجمعوا - كما حكاه الخطيب - على قبول رواية العبد بالشروط المذكورة ، وأجاز شهادته جماعة من السلف ، ولكن الجمهور في الشهادة على خلافه ، وهو مما افترقا فيه كما افترقا في مسألة التزكية الآتية بعد ، وقد نظم ذلك شيخنا فقال :
العدل من شرطه المروءة وال إسلام والعقل والبلوغ معا يجانب الفسق راويا ومتى
يشهد فحرية تضف تبعا
أو كون الراوي فقيها عالما كأبي حنيفة ; حيث شرط فقه الراوي إن خالف القياس وغيره ، حيث قصره على الغريب .
فكله خلاف ما عليه الجمهور ، وحجتهم قول الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ) [ الحجرات : 6 ] الآية ، فمقتضاه أن لا يتثبت في غير خبر الفاسق ولو لم يكن عالما .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( ( ) ) الحديث ، أقوى دليل على ذلك ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفرق ، بل صرح بقوله : ( ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ) ) . فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
وكذا من شرط عدم عماه ، أو كونه مشهورا بسماع الحديث ، أو معروف النسب ، أو أن لا ينكر راوي الأصل رواية الفرع عنه على وجه النسيان أيضا .