[ ص: 354 ] وكذا تكلم في الجرح والتعديل كاتب أبو عبد الله محمد بن سعد في طبقاته بكلام جيد مقبول ، الواقدي له كلام كثير رواه عنه ابنه وأبو خيثمة زهير بن حرب أحمد وغيره ، وأبو جعفر عبيد الله بن محمد النبيل حافظ الجزيرة الذي قال فيه أبو داود : لم أر أحفظ منه . ، وله التصانيف الكثيرة في العلل والرجال ، وعلي بن المديني الذي قال فيه ومحمد بن عبد الله بن نمير أحمد : هو درة العراق ، صاحب ( المسند ) ، وكان آية في الحفظ ، يشبه وأبو بكر بن أبي شيبة بأحمد في المعرفة ، الذي قال فيه وعبيد الله بن عمر القواريري : هو أعلم من رأيت بحديث صالح جزرة أهل البصرة ، إمام وإسحاق ابن راهويه خراسان ، الحافظ ، وله كلام جيد في الجرح والتعديل ، وأبو جعفر محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي حافظ وأحمد بن صالح الطبري مصر وكان قليل المثل ، وكلهم من أئمة الجرح والتعديل . وهارون بن عبد الله الحمال ،
ثم خلفهم طبقة أخرى متصلة بهم ، منهم إسحاق الكوسج والدارمي والذهلي والبخاري نزيل والعجلي الحافظ المغرب ، ثم من بعدهم أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ، ومسلم وأبو داود السجستاني وبقي بن مخلد وغيرهم ، ثم من بعدهم وأبو زرعة الدمشقي عبد الرحمن بن يوسف بن خراش البغدادي له مصنف في الجرح والتعديل ، قوي النفس كأبي حاتم ، ، وإبراهيم بن إسحاق الحربي ومحمد بن وضاح الأندلسي حافظ قرطبة ، ، وأبو بكر بن أبي عاصم وعبد الله بن أحمد ، وصالح جزرة ، وأبو بكر البزار وهو ضعيف ، لكنه من أئمة هذا الشأن ، وأبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثم من بعدهم ومحمد بن نصر المروزي أبو بكر الفريابي والبرديجي والنسائي وأبو يعلى والحسن بن سفيان وابن خزيمة وابن جرير الطبري والدولابي وأبو عروبة الحراني وأبو الحسن أحمد بن عمير بن جوصا . وأبو جعفر العقيلي
ثم طبقة أخرى ، منهم ، ابن أبي حاتم وأبو طالب أحمد بن نصر البغدادي الحافظ شيخ الدارقطني وابن عقدة ، ثم من بعدهم وعبد الباقي بن قانع أبو سعيد بن يونس وابن حبان البستي والطبراني [ ص: 355 ] ومصنفه في الرجال ، إليه المنتهى في الجرح كما تقدم ، ثم بعدهم وابن عدي الجرجاني ، وله مسند معلل في ألف وثلاثمائة جزء ، أبو علي الحسين بن محمد الماسرجسي النيسابوري ، وأبو الشيخ بن حيان وأبو بكر الإسماعيلي وأبو أحمد الحاكم وبه ختم ( معرفة العلل ) . والدارقطني
ثم بعدهم أبو عبد الله بن منده وأبو عبد الله الحاكم ، وأبو نصر الكلاباذي قاضي وأبو المطرف عبد الرحمن بن فطيس قرطبة ، وله دلائل السنة في خمس مجلدات ، وفضائل الصحابة كما أسلفته هناك ، وعبد الغني بن سعيد وأبو بكر بن مردويه الأصبهاني وتمام الرازي ، ثم بعدهم أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس البغدادي وأبو بكر البرقاني ، وقد كتب عنه عشرة أنفس عشرة آلاف جزء ، وأبو حازم العبدوي وخلف بن محمد الواسطي وأبو مسعود الدمشقي ، وله كتاب ( الطبقات ) في ألف جزء ، وأبو الفضل الفلكي وأبو القاسم حمزة السهمي وأبو يعقوب القراب ، ثم بعدهم وأبو ذر الهروبان أبو محمد الحسن بن محمد الخلال البغدادي وأبو عبد الله الصوري وأبو سعد السمان وأبو يعلى الخليلي ، ثم بعدهم ابن عبد البر وابن حزم الأندلسيان والبيهقي والخطيب ، ثم ، أبو القاسم سعد بن محمد الزنجاني وشيخ الإسلام الأنصاري وأبو صالح المؤذن وابن ماكولا ، وقد صنف في الجرح والتعديل وكان علامة حجة وأبو الوليد الباجي وأبو عبد الله الحميدي ثم وابن مفوز المعافري الشاطبي أبو الفضل بن طاهر المقدسي وشجاع بن فارس الذهلي ، والمؤتمن بن أحمد بن علي الساجي وشيرويه الديلمي الهروي مصنف ( تاريخ هراة ) ، ثم بعدهم وأبو علي الغساني أبو الفضل بن ناصر السلامي والقاضي عياض والسلفي وأبو موسى المديني وأبو القاسم بن عساكر . ثم بعدهم وابن بشكوال عبد الحق الإشبيلي وابن الجوزي وأبو عبد الله بن الفخار المالقي وأبو القاسم السهيلي ، ثم أبو بكر الحازمي وعبد الغني [ ص: 356 ] المقدسي والرهاوي وابن مفضل المقدسي ، ثم بعدهم أبو الحسن بن القطان وابن الأنماطي وابن نقطة وابن الدبيثي وابن خليل الدمشقي ، وأبو بكر بن خلفون الأزدي وابن النجار ثم الزكي المنذري والبرزالي والصريفيني والرشيد العطار وابن الصلاح وابن الأبار وابن العديم وأبو شامة وأبو البقاء خالد بن يوسف النابلسي وابن الصابوني .
ثم بعدهم الدمياطي وابن الظاهري والميدومي والد الصدر وابن دقيق العيد وابن فرج وعبيد الإسعردي ، ثم بعدهم سعد الدين الحارثي والمزي وابن تيمية والذهبي وصفي الدين القرافي وابن البرزالي والقطب الحلبي وابن سيد الناس .
في آخرين من كل طبقة ، منهم في شيوخ شيوخنا المصنف ، ثم تلميذه شيخنا ، وفاق في ذلك على جميع من أدركه ، وطوي البساط بعده إلا لمن شاء الله ، ختم لنا بخير ، فعدلوا وجرحوا ، ووهنوا وصححوا ، ولم يحابوا أبا ولا ابنا ولا أخا ، حتى إن سئل عن أبيه ، فقال : سلوا عنه غيري . فأعادوا ; فأطرق ثم رفع رأسه فقال : هو الدين ، إنه ضعيف ، وكان ابن المديني لكون والده كان على بيت المال ، يقرن معه آخر إذا روى عنه ، وقال وكيع بن الجراح أبو داود صاحب ( السنن ) : ابني عبد الله كذاب ، وإن تأولناه في غير هذا الكتاب ، ونحوه قول الذهبي في ولده : إنه حفظ القرآن ثم تشاغل عنه حتى نسيه . وقال أبي هريرة كما في مقدمة زيد بن أبي أنيسة مسلم : لا تأخذوا عن أخي . يعني يحيى المذكور بالكذب .
[ ص: 357 ] نعم في الخلفاء وآبائهم وأهليهم كما قاله الذهبي في ترجمة من تاريخ الإسلام له : داود بن علي بن عبد الله بن عباس ، قال : وما زال هذا في كل دولة قائمة يصف المؤرخ محاسنها ويغضي عن مساوئها هذا إذا كانت ذا دين وخير ; فإن كان مداحا مداهنا لم يلتفت إلى الورع ، بل ربما أخرج مساوئ الكبير وهناته في هيئة المدح والمكارم والعظمة ، فلا قوة إلا بالله . قوم أعرض أهل الجرح والتعديل عن كشف حالهم ; خوفا من السيف والضرب
ولا شك أن في المتكلمين في ذلك من المتأخرين من كان من الورع بمكان ، كالحافظ عبد الغني صاحب ( الكمال في معرفة الرجال ) المخرج لهم في الكتب الستة الذي هذبه المزي وصار كتابا حافلا ، عليه معول من جاء بعده ، واختصره شيخنا وغيره ، ومن المتقدمين من لم يشك في ورعه ; كالإمام أحمد ، بل قال : إنه أفضل من الصوم والصلاة . فإنه قال : لو خيرت بين أن ادخل الجنة وبين أن القى وابن المبارك عبد الله بن المحرر لاخترت أن القاه ثم أدخل الجنة . فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه ، مع تصريحه بقوله : إنا لنتكلم في أناس قد حطوا رحالهم في الجنة . وابن معين القائل : ما اغتبت أحدا مذ علمت أن الغيبة حرام . وحجتهم التوصل بذلك لصون الشريعة ، وأن حق الله ورسوله هو المقدم . والبخاري
( ولقد أحسن ) الإمام ( ( في جوابه ) يحيى ) بن سعيد القطان حين قال له : أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله [ ص: 358 ] يوم القيامة ؟ ( وسد ) بمهملتين ; أولاهما مفتوحة ، أي : وفق للسداد ، وهو الصواب والقصد من القول والعمل حيث قال : ( لأن يكونوا ) أي : المتروكون ( خصماء لي أحب ) إلي ( من كون خصمي المصطفى ) صلى الله عليه وسلم ( إذ لم أذب ) بفتح الهمزة وضم الذال المعجمة ثم موحدة ، أي : أمنع الكذب عن حديثه وشريعته ; ولذا رأى رجل عند موت لأبي بكر بن خلاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مجتمعين ، فسألهم عن سبب اجتماعهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( جئت لأصلي على هذا الرجل فإنه كان يذب الكذب عن حديثي ) . ونودي بين نعشه هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رؤي في النوم ، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي وأعطاني وحباني وزوجني ثلاثمائة حوراء ، وأدخلني عليه مرتين . وقيل فيه : ابن معين
ذهب العليم بعيب كل محدث وبكل مختلف وفي الإسناد وبكل وهم في الحديث ومشكل
يعنى به علماء كل بلاد
نعم لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد ، فقد قال العز بن عبد السلام في قواعده : إنه لا يجوز للشاهد أن يجرح بذنبين مهما أمكن الاكتفاء بأحدهما ; فإن ، ووافقه عليه القدح إنما يجوز للضرورة فليقدر بقدرها القرافي ، وهو ظاهر . وقد الذهبي من تكلم في الرجال أقساما ، فقسم تكلموا في سائر الرواة ; قسم كابن معين وأبي حاتم ، وقسم تكلموا في كثير من الرواة ; كمالك وشعبة ، وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل ; كابن عيينة ، قال : وهم الكل على ثلاثة أقسام أيضا : والشافعي يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ، فهذا إذا وثق شخصا فعض على قوله بنواجذك ، وتمسك [ ص: 360 ] بتوثيقه ، وإذا ضعف رجلا فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه ، فإن وافقه ولم يوثق ذاك الرجل أحد من الحذاق فهو ضعيف ، وإن وثقه أحد ، فهذا هو الذي قالوا : لا يقبل منه الجرح إلا مفسرا ، يعني لا يكفي فيه قول قسم منهم متعنت في التوثيق ، متثبت في التعديل مثلا : هو ضعيف . ولم يبين سبب ضعفه ، ثم يجيء ابن معين وغيره يوثقه ، ومثل هذا يختلف في تصحيح حديثه وتضعيفه ، ومن ثم قال البخاري الذهبي ، وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال : . انتهى . لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة
ولهذا كان أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه ، النسائي كما تقدم مع ترجيحه بما يحسن استحضاره هنا ، وقسم منهم متسمح ; مذهب كالترمذي والحاكم ، قلت : فإنه قال في كل من وكابن حزم أبي عيسى الترمذي وأبي القاسم البغوي وإسماعيل بن محمد الصفار وأبي العباس الأصم وغيرهم من المشهورين : إنه مجهول . وقسم معتدل ; كأحمد والدارقطني . وابن عدي
( و ) لوجود المتشدد ومقابله نشأ التوقف في أشياء من الطرفين ، بل ( ربما رد كلام ) كل من المعدل و ( الجارح ) مع جلالته وإمامته ونقده وديانته ; إما لانفراده عن أئمة الجرح والتعديل ; رحمه الله في كالشافعي ; فإنه كما قال إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى النووي : لم يوثقه غيره . وهو ضعيف باتفاق المحدثين ، لكن قد اعتذر الساجي عن بأنه لم يخرج عنه إلا في الفضائل ، يعني وهم يتسامحون فيها ، وتعقب بأن الموجود خلافه ، الشافعي بأن مجالسته وابن حبان لإبراهيم كانت في حداثته .
وعلى كل حال فقد اختار كما مضى في محله أن ابن الصلاح كان ذلك الراوي حجة في حق من قلد ذلك الإمام ، أو لتحامله ( الإمام الذي له أتباع يقلدونه فيما يذهب إليه ، إذا احتج براو ضعفه غيره كالنسائي ) بالإسكان للوزن ، صاحب ( السنن ) ( في الحافظ المعروف أحمد بن صالح ) أبي جعفر المصري بابن الطبري ، حيث جرحه فيما نقله عنه ابن عبد الكريم بقوله : ليس بثقة ولا مأمون ، تركه محمد [ ص: 361 ] بن يحيى ورماه يحيى بالكذب ، وقال في موضع آخر : ثنا معاوية بن صالح ، سمعت يقول : ابن معين أحمد بن صالح كذاب يتفلسف . انتهى .
فإنه - كما قال - ممن اتفق الحفاظ على أن كلامه فيه تحامل قال : ولا يقدح كلام أمثاله فيه . وقال أبو يعلى الخليلي الذهبي في ( الميزان ) : إنه آذى نفسه بكلامه فيه ، والناس كلهم متفقون على إمامته وثقته ، واحتج به في صحيحه ، وقال : إنه ثقة صدوق ، ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة ، كان البخاري أحمد وغيرهما يثبتونه ، وكان وابن نمير - يقول : سلوه ; فإنه ثبت . وممن وثقه يحيى - يعني ابن معين العجلي ، وقال : صاحب سنة ، وأبو حاتم ، وقال ابن يونس : لم يكن عندنا . كما قال : لم تكن له آفة غير الكبر . والسبب في كلام النسائي فيه ما ذكره النسائي أن أبو جعفر العقيلي أحمد لم يكن يحدث أحدا حتى يسأل عنه ، فجاءه ، وقد صحب قوما من أصحاب الحديث ، ليسوا هناك ، فأبى النسائي أحمد أن يأذن له ، فعمد إلى جمع أحاديث قد غلط فيها النسائي ابن صالح فشنع بها ولم يضره ذلك .
وكذا قال : سمعت ابن عدي محمد بن هارون الرقي يقول : إنه حضر مجلسه فطرده منه فحمله ذلك على التكلم فيه ، وأما ما رواه من كلام فيه فجزم ابن معين بأنه اشتبه عليه ، فالذي تكلم فيه ابن حبان إنما هو ابن معين أحمد بن صالح الشمومي المصري شيخ بمكة ، كان يضع الحديث ، سأل معاوية عنه يحيى ، فأما هذا فهو يقارن في الحفظ والإتقان ، وقواه شيخنا بنقل ابن معين في هذا عن البخاري كما حكيناه أنه ثبت ، على أن ابن معين ، ابن يونس قد رد قول أن لو كان في ابن معين أبي جعفر بقوله : لعل لا يدري ما الفلسفة ; فإنه ليس من أهلها ; ولذا كان أحد الأوجه الخمسة التي تدخل الآفة منها في ذلك ، كما ذكره ابن معين ابن دقيق العيد ، وقال : إنه محتاج إليه في المتأخرين أكثر ; لأن الناس انتشرت بينهم أنواع من العلوم المتقدمة [ ص: 362 ] والمتأخرة حتى علوم الأوائل ، وقد علم أن ، فمن الحق علم الحساب والهندسة والطب ، ومن الباطل ما يقولونه في الطبيعيات وكثير من الإلهيات وأحكام النجوم ، وقد تحدث في هذه الأمور أقوام ، فيحتاج القادح بسبب ذلك أن يكون مميزا بين الحق والباطل ; لئلا يكفر من ليس بكافر أو يقبل رواية الكافر ، والمتقدمون قد استراحوا من هذا ; لعدم شيوع هذه الأمور في زمانهم ، ونحوه قول غيره : إنه علوم الأوائل قد انقسمت إلى حق وباطل ، فيجرح عند المالكي مثلا بشرب النبيذ متأولا ; لأنه يراه قادحا دون غيره ; إذ لو لم نعتبر ذلك لكان الجارح أو المعدل غارا لبعض الحكام حتى يحكم بقول من لا يرى قبول قوله ، وهو نوع من الغش . مما ينبغي اعتماده في الجارح والمعدل أن يكون عالما باختلاف المذاهب
وهنا لطيفة معترضة وهي أن أحمد بن صالح هذا تكلم في حرملة صاحب ، فقال الشافعي : إنه تحامل عليه ، وسببه أن ابن عدي أحمد سمع في كتب حرملة من ابن وهب فأعطاه نصف سماعه ومنعه النصف ، فتولدت بينهما العداوة من هذا ، وكان من يبدأ بحرملة إذا دخل مصر لم يحدثه أحمد بن صالح ، قال : ما رأينا أحدا جمع بينهما ، وكأن مراده من الغرباء ، وإلا فقد جمع بينهما أحمد بن رشدين شيخ ، فجوزي الطبراني أحمد بن صالح بما تقدم .