[ ينبغي للعالم أن يعتني بهذا الفن ] ( وهو ) ; أي : هذا النوع على كل حال ، ( قمن ) بكسر الميم على إحدى اللغتين ; أي : حقيق ، ( أن يعتنى به ) ; لأنه علم جليل ذو غور وغموض ، دارت فيه الرءوس ، وتاهت في الكشف عن مكمونه النفوس ، بحيث يستعظمه أحد من انتهى إليه علم الصحابة ، ومن كان عليه مدار حديث الزهري الحجاز ، وإليه المرجع فيه ، وعليه المعول في الفتيا .
وقال : إنه أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه . ( وكان ) إمامنا ( ) - رحمه الله - ( ذا ) ; أي : صاحب ، ( علمه ) ، له فيه اليد الطولى والسابقة الأولى ، فخاض تياره وكشف أسراره ، واستنبط معينه واستخرج دفينه ، واستفتح [ ص: 51 ] بابه ورتب أبوابه ; ولذا نسب الشافعي الإمام أحمد ; حيث قدم ابن وارة مصر ولم يكتب كتبه ، إلى التفريط ، وقال : ما عرفنا المجمل من المفسر ، ولا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه ; حتى جالسناه ، ومع ذلك فلم نر له فيه تصنيفا مستقلا ، إنما يوجد في غضون الأبواب من كتبه مفرقا ، وكذا في الرسالة له منه أحاديث ، وتكلم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم كان متداولا بين الصحابة والتابعين متفرقا في كتب شروح السنة ، إلى أن جرد له غير واحد من الأئمة مصنفات ; كأبي داود ( صاحب السنن ) ، ، وأبي حفص بن شاهين في مصنفين : أحدهما : في الرد على جماعة من العلماء دعوى النسخ في كثير من الأحاديث . ثانيهما : في تجريد الأحاديث المنسوخة ، وهو مختصر جدا . وكابن الجوزي
وكالحازمي في مصنف حافل ، وقد قرأته مع ثاني تصنيفي بعلو . ابن الجوزي وكالبرهان الجعبري .
وهو فرض كفاية ; لتوقف بعض الأحكام عليه . وقد مر رضي الله عنه ، فيما رواه علي بن أبي طالب عنه ، بقاص فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت . ونحوه عن أبو عبد الرحمن السلمي عمر . وابن عباس
وقال : من لم يعلم ذلك خلط . وقد توهم بعض من لم يحظ من [ ص: 52 ] معرفة الآثار إلا بآثار ، ولم يحصل من طريق الأخبار إلا بالإخبار أن الخطب فيه جلل يسير ، والمحصول منه قليل غير كثير ، فعاناه مع عدم تقدمه في صناعته وضبطه ، فأدخل فيه ما ليس منه ; لخفاء معنى المنسوخ وشرطه . الزهري