الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
1632 - وعنه عن أبيه : أنه كان يحدث : أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10358971إنما nindex.php?page=treesubj&link=29663نسمة المؤمن طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله في جسده يوم يبعثه . رواه مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، والبيهقي في كتاب البعث والنشور .
1632 - ( وعنه ) أي : عن عبد الرحمن . ( عن أبيه ) أي : كعب . ( أنه كان يحدث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما نسمة المؤمن ) ، قال النووي : النسمة تطلق على ذات الإنسان جسما وروحا ، وعلى الروح مفردة ، وهو المراد هنا لقوله : حتى يرجعه الله في جسده . ( طير ) وفي رواية : طائر . قال الطيبي : وفي رواية في جوف طير خضر ، وفي أخرى كطير خضر ، وفي أخرى في صور طير ، وفي أخرى في صورة طير بيض . قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : والأشبه أو الأصح قول من قال طيرا أو صورة طير ، وهو الأكثر لاسيما مع قوله عليه السلام إذ في حديث ابن مسعود : nindex.php?page=hadith&LINKID=10358972وتأوي إلى قناديل تحت العرش ، وليس هذا بمستبعد إذ ليس للأقيسة والعقول فيه حكم ، ومجال فإذا أراد الله أن يجعل من ذلك شيئا قال له : كن فيكون ، وقيل : إن nindex.php?page=treesubj&link=32925_32928_29663المنعم والمعذب جزء من البدن يبقى فيه الروح ، فهو الذي يؤلم ويعذب ويتلذذ وينعم ، ويقول : رب ارجعون ، ويسرح من شجر الجنة في جوف طير أو في صورته ، وفي قناديل تحت العرش كل ذلك [ ص: 1183 ] غير مستحيل في قدرة الله تعالى ، وقيل : المراد من نسمة المؤمن أرواح الشهداء ; لأن هذا صفتهم لقوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ، وأما غيرهم يعرض عليه مقعده بالغدو والعشي ، وقيل : بل المراد جميع المؤمنين الذين يدخلون الجنة بغير عذاب لعموم الحديث . ( تعلق ) بالتأنيث والتذكير . قال السيوطي : تعلق بضم اللام أي : تأكل العلقة بضم المهملة ، وهي ما يتبلغ من العيش أي تسرح . ( في شجر الجنة حتى يرجعه الله في جسده ) أي : يرده إليه ردا كاملا في بدنه . ( يوم يبعثه ، رواه مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، والبيهقي في كتاب البعث والنشور ) قال السيوطي ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، بسند صحيح ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=10358973إن nindex.php?page=treesubj&link=29663أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر الجنة ، أو شجر الجنة ، وقال القرطبي في حديث كعب نسمة المؤمن طائر يدل على أن نفسها يكون طائرا أي : على صورته لا أنها تكون فيه ، ويكون الطائر ظرفا لها ، وكذا في رواية عن ابن مسعود عند nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه : nindex.php?page=hadith&LINKID=10358974أرواح الشهداء عند الله كطير خضر ، وفي لفظ عن ابن عباس تجول في طير خضر ، ولفظ ابن عمرو : في صور طير بيض . وفي لفظ عن كعب : nindex.php?page=hadith&LINKID=10358975أرواح الشهداء طير خضر . قال القرطبي : وهذا كله أصح من رواية : جوف طير . وقال القابسي : أنكر العلماء رواية في حواصل طير خضر ; لأنها حينئذ تكون محصورة مضيقا عليها ، ورد بأن الرواية ثابتة ، والتأويل محتمل لأنه لا مانع من أن تكون في الأجواف حقيقة ويوسعها الله لها حتى تكون أوسع من الفضاء كذا نقله السيوطي في شرح الصدور ، وعندي أن هذا الإيراد من أصله ساقط لأنه التضييق والانحصار لا يتصور في الروح وإنما يكون في الجسد والروح إذا كانت لطيفة يتبعها الجسد في اللطافة فتسير بجسدها حيث شاءت وتتمتع بما شاءت وتأوي إلى ما شاء الله لها كما وقع لنبينا عليه الصلاة والسلام في المعراج ولا تباعد من الأولياء حيث طويت لهم الأرض ، وحصل لهم أبدان مكتسبة متعددة ، وجدوها في أماكن مختلفة في آن واحد ، والله على كل شيء قدير ، وهذا في هذا العالم المبني على الأمر العادي غالبا ، فكيف وأمر الروح وأحوال الآخرة كلها مبنية على خوارق العادات ، وإنما ركب للأرواح أبدان لطيفة عارية بدلا عن أجسادهم الكثيفة مدة البرزخ وسيلة لتمتع الأرواح باللذات الحسية من الأكل والشرب وغيرها ، ليقع النعيم على الوجه الأكمل ، وعلى طبق الحال الأول وليس المراد أن أرواح المؤمنين في أجواف طير أحياء بأرواح أخر حتى يلزم منه محذور عقلي وهو كون الروحين في جسد واحد ، وقال ابن دحية في التنوير : قال قوم من المتكلمين : هذه رواية منكرة . وقالوا : لا يكون روحان في جسد ، وأن ذلك محال ، وقولهم جهل بالحقائق ، واعتراض على السنة الثابتة ، فإن معنى الكلام بين ، فإن روح الشهيد الذي كان في جوف جسده في الدنيا يجعل في جوف جسد آخر كأنه صورة طائر فيكون في هذا الجسد الآخر كما كان في الأول وذلك مدة البرزخ إلى أن يبعثه الله يوم القيامة كما خلقه ، وإنما الذي يستحيل في العقل قيام حياتين بجوهر واحد ، فيحيا الجوهر بهما جميعا ، وأما روحان في جسد فليس بمحال ; إذ لم تتداخل الأجسام فهذا الجنين في بطن أمه وروحه غير روحها وقد اشتمل عليهما جسد واحد ، وهذا أن لو قيل لهم إن الطائر له روح غير روح الشهيد ، وهما في جسد واحد فكيف وإنما قيل في أجواف طير خضر أي : في صورة طير كما تقول : رأيت ملكا في صورة إنسان ، وهذا في غاية البيان ، والله المستعان .