الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال nindex.php?page=hadith&LINKID=1013639لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها .
[ ص: 50 ] هكذا رواه جماعة الرواة للموطأ ، عن مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ورواه nindex.php?page=showalam&ids=15538بشر بن عمر ، عن مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد فيما يقولون قد سمع من nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وسمع من أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . كذا قال nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين وغيره ، فجعلها كلها أحيانا عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
قال أبو عمر :
في هذا الحديث من الفقه أن المرأة لا يجوز لها أن تسافر هذه المسافة فما فوقها ، إلا مع ذي محرم ، أو زوج ، وقد اختلفت ألفاظ أحاديث هذا الباب في مقدار المسافة ، وسنذكر ذلك والمعنى فيه في آخر هذا الباب إن شاء الله .
واختلف الفقهاء من هذا المعنى في ذي nindex.php?page=treesubj&link=3359المحرم للمرأة ، هل هو من السبيل الذي ذكر الله في الحج أم لا ؟ فقالت طائفة : المحرم من السبيل الذي قال الله عز وجل nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97من استطاع إليه سبيلا فمن لم يكن لها من النساء ذو محرم فتخرج معه ، فليست ممن استطاع إلى الحج سبيلا ; لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم منها .
وممن ذهب إلى هذا nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يسأل عن الرجل ، هل يكون محرما لأم امرأته يخرجها إلى الحج ، فقال : أما في حجة الفريضة فأرجو ; لأنها [ ص: 51 ] تخرج إليها مع النساء ومع كل من أمنته ، وأما في غيرها فلا ، وكأنه ذهب إلى أنه لم يذكر في القرآن .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : قيل لأحمد : فيحج الرجل بأخت امرأته ؟ قال : لا ; لأنها ليست منه بمحرم ، لأنها قد تحل له ، قيل له : فالأخ من الرضاعة يكون محرما ؟ قال : نعم ، قيل له : فيكون الصبي محرما ، قال لا : حتى يحتلم ; لأنه لا يقوم بنفسه ، فكيف تخرج معه امرأة في سفر ، لا حتى يحتلم ، وتجب عليه الحدود ، أو يبلغ خمس عشرة سنة .
وقال آخرون : جائز للمرأة أن تحج حجة الفريضة إذا كانت مع ثقات من ثقات المسلمات والمسلمين ، فأما مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، فقالا : تخرج مع جماعة النساء .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وإذا خرجت مع حرة مسلمة ثقة فلا شيء عليها .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : تخرج مع قوم عدول ، وتتخذ سلما تصعد عليه ، وتنزل ، ولا يقربها رجل إلا أن يأخذ برأس البعير ، وتضع رجلها على ذراعه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين : تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به .
وروى أيوب ، عن محمد أنه كان إذا سئل ، عن المرأة لم تحج وليس لها محرم ، [ ص: 52 ] فربما قال nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إنما المؤمنون إخوة ويقول : رب من ليس بمحرم أوثق من محرم . ذكره nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن معمر وابن التيمي ، عن أيوب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين .
قال أبو عمر :
ليس المحرم عند هؤلاء من شرائط الاستطاعة ، ومن حجتهم : الإجماع في nindex.php?page=treesubj&link=3359الرجل يكون معه الزاد والراحلة ، وفيه الاستطاعة ، ولم يمنعه فساد طريق ولا غيره أن الحج عليه واجب ، قالوا فكذلك المرأة ; لأن الخطاب واحد ، والمرأة من الناس .
وفي هذا الحديث أيضا دليل على صحة ما ذهب إليه مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهما في تقدير nindex.php?page=treesubj&link=1787_1788المسافة التي يجوز فيها للمسافر قصر الصلاة وتحديدها ; لأنهم قالوا لا تقصر الصلاة أقل من يوم وليلة ، وقدروا ذلك بثمانية وأربعين ميلا ، وهي أربعة برد ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر .
والأصل في ذلك حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ذكرنا .
واستدلوا من هذا الحديث بأن nindex.php?page=treesubj&link=1788كل سفر يكون دون يوم وليلة فليس بسفر حقيقة ، وأن حكم من سافر حكم الحاضر ; لأن في هذا الحديث دليلا على إباحة السفر للمرأة ، فيما دون هذا المقدار مع غير ذي محرم ، فكان ذلك في حكم خروج المرأة في حوائجها إلى السوق ، وما قرب من المواضع المأمون عليها فيها في البادية والحاضرة ، وأما اليوم والليلة فظعن وسفر وانتقال يكون فيه الانفراد ، وتعترض فيه الأحوال ، فكان في حكم الأسفار الطوال ; لأن كل ما زاد عن اليوم والليلة من المدة في نوع اليوم والليلة وفي حكمها ، والله أعلم .
[ ص: 53 ] وقد اختلف الفقهاء في هذا الباب ، واختلفت فيه الآثار ، فقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ما ذكرنا عنهما ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر على ما وصفنا ، وبه قال أحمد وإسحاق .
وحجتهم الاستدلال بحديث هذا الباب على حسبما اجتلبنا ، وهو حديث مالك المذكور عن nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وكذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب بمعنى رواية مالك في تحديد مسيرة يوم وليلة ، وربما قال : مسيرة يوم ، فما فوقه ، إلا أنه قال فيه : عن nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه ، كما قال nindex.php?page=showalam&ids=15538بشر بن عمر ، عن مالك .
وكذلك رواه شيبان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله على اختلاف ، عن سهيل في ذلك .
وقد روي هذا الحديث ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم لا تسافر امرأة بريدا إلا مع زوج ، أو ذي محرم .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17000ابن عجلان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال nindex.php?page=hadith&LINKID=1016172لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم لم يقل يوما ولا غيره ، والألفاظ عن سهيل في هذا الحديث مضطربة ، لا تقوم بها حجة من روايته .
وقالت طائفة : لا تقصر الصلاة إلا في مسيرة يومين ، وكل سفر يكون دون ليلتين فللمرأة أن تسافر بغير محرم . هذا قول nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ومن حجتهم ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة وغيره ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير ، عن قزعة مولى زياد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=1016173لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلا مع زوج أو ذي محرم .
[ ص: 54 ] ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن قزعة ، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1016174لا تسافر امرأة فوق يومين إلا ومعها زوجها ، أو ذو محرم منها .
وقال آخرون : لا يقصر المسافر الصلاة إلا في مسيرة ثلاثة أيام ، وكل سفر يكون دون ثلاثة أيام ، فللمرأة أن تسافر بغير محرم . هذا قول nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وأصحابه ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : ثلاثة أيام ولياليها : مسير الإبل ومشي الأقدام .
ومن حجتهم : ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1016175لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع محرم .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1016176لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها .
وبعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، يقول فيه بإسناده فوق ثلاث .
وروى سهيل ، عن أبيه nindex.php?page=showalam&ids=15985وسعيد المقبري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء . هذه رواية وهيب ، عن سهيل .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=15899روح بن القاسم ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا مثله بمعناه ، والرواية الأولى عن سهيل رواها nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة ، وعبد العزيز بن المختار ، عن سهيل .
[ ص: 55 ] وروى بكر بن خنيس ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال nindex.php?page=hadith&LINKID=1016177لا تسافر امرأة في الإسلام مسيرة بريد إلا مع زوج أو ذي محرم .
فحصل حديث سهيل في هذا الباب مضطربا في إسناده ومتنه .
وقد روى سفيان بن حمزة ، عن كثير بن زيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد المقبري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1016178قال يا نساء المؤمنات ، لا تخرج امرأة مسيرة ليلة إلا ومعها ذو محرم .
وقد اضطربت الآثار المرفوعة في هذا الباب ، كما ترى في ألفاظها ، ومحملها عندي - والله أعلم - أنها خرجت على أجوبة السائلين ، فحدث كل واحد بمعنى ما سمع ، كأنه قيل له - صلى الله عليه وسلم - في وقت ما : هل تسافر المرأة مسيرة يوم بلا محرم ؟ فقال : لا ، وقيل له في وقت آخر : هل تسافر المرأة مسيرة يومين بغير محرم ؟ فقال : لا ، وقال له آخر : هل تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام بغير محرم ؟ فقال : لا . وكذلك معنى الليلة والبريد ونحو ذلك ، فأدى كل واحد ما سمع على المعنى ، والله أعلم .
ويجمع معاني الآثار في هذا الباب - وإن اختلفت ظواهرها - الحظر على المرأة أن تسافر سفرا يخاف عليها الفتنة بغير محرم ، قصيرا كان أو طويلا ، والله أعلم .
ومن حجة من ذهب في هذه المسالة مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : أن الثلاثة الأيام سفر مجتمع على تقصير الصلاة فيه ، والأصل في الصلاة التمام باليقين ، فالواجب أن لا تقصر إلا بيقين ، واليقين ما أجمعوا عليه في الثلاثة الأيام ; لأن ما دون ذلك مختلف فيه ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية .
وهذا - وإن كان نظرا واحتياطا - فليس بجيد من طريق الاتباع ، وأولى ما قيل : في هذا الباب من طريق الاتباع : مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وأهل المدينة ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، والله الموفق للصواب .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : عامة العلماء يقولون : يقصر المسافر في مسيرة اليوم التام ، قال : وبه نأخذ ، وفي هذا الباب شذوذ تركنا حكايته ، تعلق به داود .