( الأول ) : بالسكون ، وذلك نحو ( إذا وقعت الراء طرفا بعد ساكن هو بعد كسرة وكان ذلك الساكن حرف استعلاء ووقف على الراء مصر . و عين القطر ) فهل يعتد بحرف الاستعلاء فتفخم أم لا يعتد فترقق ؟ رأيان لأهل الأداء في ذلك فعلى التفخيم نص الإمام أبو عبد الله بن شريح ، وغيره ، وهو قياس مذهب من طريق المصريين ، وعلى الترقيق نص الحافظ ورش في كتاب الراءات ، وفي جامع البيان ، وغيره ، وهو الأشبه بمذهب الجماعة لكني أختار في أبو عمرو الداني مصر التفخيم ، وفي ( قصر ) الترقيق نظرا للوصل وعملا بالأصل - والله أعلم - .
( الثاني ) : بشرر لمن يرقق الراء الأولى رققت الثانية وإن وقعت بعد فتح ، وذلك أن الراء الأولى إنما رققت في الوصل من أجل ترقيق الثانية فلما وقف عليها رققت الثانية من أجل الأولى فهو في الحالين ترقيق لترقيق كالإمالة للإمالة . إذا وقفت بالسكون على
( الثالث ) : الدار ، و النار ، و إذا وقفت على نحو النهار ، و القرار ، و الأبرار لأصحاب الإمالة في نوعيها رققت الراء بحسب الإمالة وشذ بالتفخيم مكي مع إمالة بين بين فقال في آخر باب الإمالة في الوقف لورش بعد أن ذكر أنه يختار له الروم قال ما نصه : فإذا وقفت له بالإسكان وتركت الاختيار وجب أن تغلظ الراء لأنها تصير ساكنة قبلها فتحة قال : ويجوز أن تقف بالترقيق كالوصل لأن الوقف عارض والكسر منوي . لورش
[ ص: 107 ]
وقال : في آخر باب الراءات : فأما ( النار ) في موضع الخفض في قراءة ، فتقف إذا سكنت بالتغليظ والاختيار أن تروم الحركة فترقق إذا وقفت انتهى ، وهو قول لا يعول عليه ، ولا يلتفت إليه ، بل الصواب الترقيق من أجل الإمالة سواء أسكنت أم رمت لا نعلم في ذلك خلافا ، وهو القياس ، وعليه أهل الأداء - والله أعلم - . ورش
( الرابع ) إذا وصلت : ذكرى الدار . من طريق لورش الأزرق رققت الراء من أجل كسرة الذال فإذا وقفت رققتها من أجل ألف التأنيث وهذه مسألة نبه عليها أبو شامة رحمه الله ، وقال : لم أر أحدا نبه عليها فقال : إن ( في مذهب ذكرى الدار ) وإن امتنعت إمالة ألفها وصلا فلا يمتنع ترقيق رائها على أصله لوجود مقتضى ذلك ، وهو الكسر قبلها ، ولا يمنع ذلك حجز الساكن بينهما فيتحد لفظ الترقيق ، وإمالة بين بين في هذا فكأنه أمال الألف وصلا انتهى . وقد أشار إليها ورش ، وذكر أن الترقيق في أبو الحسن السخاوي ذكرى الدار من أجل الياء لا من أجل الكسر انتهى . ومراده بالترقيق الإمالة ، وفيما قاله من ذلك نظر ، بل الصواب أن ترقيقها من أجل الكسر .
( الخامس ) : فاللازمة ما كانت على حرف أصلي ، أو منزل منزلة الأصلي يخل إسقاطه بالكلمة والعارضة بخلاف ذلك وقيل العارضة ما كانت على حرف زائد . وإليه ذهب صاحب التجريد ، وغيره وتظهر فائدة الخلاف في ( الكسرة تكون لازمة وعارضة مرفقا ) في قراءة من كسر الميم وفتح الفاء ، وهم أبو عمرو ويعقوب وعاصم وحمزة والكسائي وخلف ، كما تقدم ، فعلى الأول تكون لازمة فترقق الراء معها ، وعلى الثاني تكون عارضة فتفخم والأول هو الصواب لإجماعهم على ترقيق المحراب وإخراجا ، دون تفخيم لورش مرصادا ، و لبالمرصاد من أجل حرف الاستعلاء بعد لا من أجل عروض الكسرة قبل كما قدمنا .
[ ص: 108 ]
( السادس ) : اختلف القراء في ، وإنما ترقق لسبب أو أنها عرية عن وصفي الترقيق والتفخيم فتفخم لسبب وترقق لآخر ؟ فذهب الجمهور إلى الأول واحتج له أصل الراء هل هو التفخيم فقال : إن مكي وليس كل راء فيها الترقيق ; ألا ترى أنك لو قلت كل راء غير مكسورة فتغليظها جائز رغدا ، و رقود ونحوه بالترقيق لغيرت لفظ الراء إلى نحو الإمالة ؟ قال : وهذا مما لا يمال ، ولا علة فيه توجب الإمالة انتهى .
واحتج غيره على أن أصل الراء التفخيم بكونها متمكنة في ظهر اللسان فقربت بذلك من الحنك الأعلى الذي به تتعلق حروف الإطباق وتمكنت منزلتها لما عرض لها من التكرار حتى حكموا للفتحة فيها بأنها في تقدير فتحتين كما حكموا للكسرة فيها بأنها في قوة كسرتين .
وقال آخرون : ليس للراء أصل في التفخيم ، ولا في الترقيق ، وإنما يعرض لها ذلك بحسب حركتها فترقق مع الكسرة لتسفلها وتفخم مع الفتحة والضمة لتصعدهما فإذا سكنت جرت على حكم المجاور لها ، وأيضا ، فقد وجدناها ترقق مفتوحة ، ومضمومة إذا تقدمها كسرة ، أو ياء ساكنة فلو كانت في نفسها مستحقة للتفخيم لبعد أن يبطل ما تستحقه في نفسها لسبب خارج عنها كما كان ذلك في حروف الاستعلاء . وأيضا فإن التكرار متحقق في الراء الساكنة سواء كانت مدغمة ، أو غير مدغمة . أما حصول التكرار في الراء المتحركة الخفيفة فغير بين لكن الذي يصح فيها أنها تخرج من ظهر اللسان ويتصور مع ذلك أن يعتمد الناطق بها على طرف اللسان فترقق إذ ذاك ، أو تمكنها في ظهر اللسان فتغلظ ، ولا يمكن خلاف هذا فلو نطقت بها مفتوحة ، أو مضمومة من طرف اللسان وأردت تغليظها لم يمكن ، نحو الآخرة ، و يسرون فإذا مكنتها إلى ظهر اللسان غلظت ، ولم يكن ترقيقها ، ولا يقوى الكسر على سلب التغليظ عنها إذا تمكنت من ظهر اللسان إلا أن تغليظها في حال الكسر قبيح في المنطق
[ ص: 109 ] لذلك لا يستعمله معتبر ، ولا يوجد إلا في ألفاظ العوام والنبط . وإنما كلام العرب على تمكينها من الطرف إذا انكسرت فيحصل الترقيق المستحسن فيها إذ ذاك ، وعلى تمكينها إلى ظهر اللسان إذا انفتحت ، أو انضمت فيحصل لها التغليظ الذي يناسب الفتحة والضمة .
إذا عرض لها سبب كما يتبين في هذا الباب في رواية وقد تستعمل مع الفتحة والضمة من الطرف فترقق ، ولا يمكن إذا انكسرت إلى ظهر اللسان ; لئلا يحصل التغليظ المنافر للكسرة فحصل من هذا أنه لا دليل فيما ذكروه على أن أصل الراء المتحركة التفخيم ، وأما الراء الساكنة فوجدناها ترقق بعد الكسرة اللازمة بشرط أن لا يقع بعدها حرف استعلاء نحو فردوس وتفخم فيما سوى ذلك فظهر أن تفخيم الراء وترقيقها مرتبط بأسباب كالمتحركة ، ولم يثبت في ذلك دلالة على حكمها في نفسها فأما تفخيمها بعد الكسرة العارضة في نحو ورش أم ارتابوا فلم لا يكون حملا على المضارع إذ قلت يرتاب بناء على مذهب الكوفيين في أن صيغة الأمر مقتطعة من المضارع ، أو بناء على مذهب البصريين في أن الأمر يشبه المقطع من المضارع فلم يعتد بما عرض لها من الكسرة في حال الأمر ، وعند ثبوت هذا الاحتمال لم يتعين القول بأن أصلها التفخيم .
( قلت ) : والقولان محتملان والثاني أظهر من طرق المصريين ، ولذلك أطلقوا ترقيقها ، واتسعوا فيه كما قدمنا . وقد تظهر فائدة الخلاف في لورش فإنه بالوقف تزول كسرة الراء الموجبة لترقيقها فتفخم حينئذ على الأصل على القول الأول وترقق على القول الثاني من حيث إن السكون عارض وأنه لا أصل لها في التفخيم ترجع إليه فيتجه الترقيق . وقد أشار في التبصرة إلى ذلك حيث قال : أكثر هذا الباب إنما هو قياس على الأصول وبعضه أخذ سماعا ولو قال قائل : إنني أقف في جميع الباب كما أصل سواء أسكنت ، أو رمت لكان لقوله وجه من [ ص: 110 ] القياس مستثبت . والأول أحسن . وممن ذهب إلى الترقيق في ذلك صريحا الوقف على المكسور إذا لم يكن قبله ما يقتضي الترقيق أبو الحسن الحصري فقال :
وما أنت بالترقيق واصله فقف عليه به إذ لست فيه بمضطر
وقد خص الترقيق بورش أبو عبد الله بن شريح وأبو علي بن بليمة ، وغيرهما وأطلقوه حتى في الكسرة العارضة . واستثنى بعضهم كسرة النقل قال في الكافي : وقد وقف قوم عن على نحو ورش واذكر اسم ربك ، و فليحذر الذين بالترقيق كالوصل واستثنوا فليكفر إنا ، وانحر إن قال : ولا حجة لهم إلا الرواية ، وكذا قال ابن بليمة ، وزاد فقال : ومنهم من يقف بالترقيق ويصل بالترقيق ، ولا خلاف أنها مرققة في الوصل انتهى .
وقد قدمنا أن القول بالتفخيم حالة السكون هو المقبول المنصور ، وهو الذي عليه عمل أهل الأداء . وقد يفرق بين كسرة الإعراب وكسرة البناء كما أشرنا إليه فيما تقدم وننبه عليه بعد هذا - والله أعلم - .
وتظهر أيضا فائدة الخلاف إذا نطقت بالراء ساكنة بعد همزة الوصل في حكاية لفظ الحرف إذا قلت أركما تقول - أب أت ; فعلى القول بأن أصلها التفخيم تفخم ، وعلى القول الآخر ترقق ، وكلاهما محتمل إذ لا نعلم كيف ثبت اللفظ في ذلك عن العرب . والحق في ذلك أن يقال : إن من زعم أن أصل الراء التفخيم إن كان يريد إثبات هذا الوصف للراء مطلقا من حيث إنها راء فلا دليل عليه لما مر وإن كان يريد بذلك الراء المتحركة بالفتح ، أو الضم وأنها لما عرض لها التحريك بإحدى الحركتين قويت بذلك على التفخيم فلا يجوز ترقيقها إذ ذاك إلا إن وجد سبب وحينئذ يتصور فيها رعي السبب فترقق ورفضه فتبقى على ما استحقه من التفخيم بسبب حركتها فهذا كلام جيد - والله أعلم - .
( السابع ) الوقف بالسكون على أن أسر في قراءة من وصل وكسر النون يوقف عليه بالترقيق . أما على القول بأن الوقف عارض فظاهر ، وأما على القول الآخر فإن الراء قد اكتنفها كسرتان ، وإن زالت الثانية وقفا فإن الكسرة
[ ص: 111 ] قبلها توجب الترقيق . فإن قيل إن الكسر عارض فتفخم مثل أم ارتابوا ، فقد أجاب بما تقدم أن عروض الكسر هو باعتبار الحمل على أصل مضارعه الذي هو يرتاب . فهي مفخمة لعروض الكسر فيه بخلاف هذه . والأولى أن يقال : كما أن الكسر قبل عارض فإن السكون كذلك عارض وليس أحدهما ، أولى بالاعتبار من الآخر فيلغيان جميعا ويرجع إلى كونها في الأصل مكسورة فترقق على أصلها . وأما على قراءة الباقين ، وكذلك فأسر في قراءة من قطع ووصل فمن لم يعتد بالعارض أيضا رقق ، وأما على القول الآخر فيحتمل التفخيم للعروض ويحتمل الترقيق فرقا بين كسرة الإعراب وكسرة البناء إذ كان الأصل أسر بالياء وحذفت الياء للبناء فبقي الترقيق دلالة على الأصل وفرقا بين ما أصله الترقيق وما عرض له .
وكذلك الحكم في والليل إذا يسر في الوقف بالسكون على قراءة من حذف الياء فحينئذ يكون الوقف عليه بالترقيق ، أولى . والوقف على والفجر بالتفخيم ، أولى - والله أعلم - .