[ ص: 134 ] قال تعالى : ( فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ( 200 ) ) .
قوله تعالى : ( مناسككم ) : واحدها منسك بفتح السين وكسرها .
والجمهور على إظهار الكاف الأولى ، وأدغمها بعضهم ، شبه حركة الإعراب بحركة البناء فحذفها . ( أو أشد ) : أو هاهنا للتخيير والإباحة ، وأشد يجوز أن يكون مجرورا عطفا على ذكركم ، تقديره : أو كأشد ; أي أو كذكر أشد . ويجوز أن يكون منصوبا عطفا على الكاف ; أي أو ذكرا أشد .
و ( ذكرا ) : تمييز ، وهو في موضع مشكل ، وذلك أن أفعل تضاف إلى ما بعدها إذا كان من جنس ما قبلها ; كقولك ذكرك أشد ذكر ووجهك أحسن وجه ; أي أشد الأذكار ، وأحسن الوجوه .
وإذا نصبت ما بعدها كان غير الذي قبلها ; كقولك زيد أفره عبدا ، فالفراهة للعبد لا لزيد ، والمذكور قبل أشد هاهنا هو الذكر ، والذكر لا يذكر حتى يقال الذكر أشد ذكرا ، وإنما يقال الذكر أشد ذكر بالإضافة ; لأن الثاني هو الأول ، والذي قاله أبو علي ، وغيرهما أنه جعل الذكر ذاكرا على المجاز ، كما تقول زيد أشد ذكرا من عمرو وعندي أن الكلام محمول على المعنى والتقدير : أو كونوا أشد ذكرا لله منكم لآبائكم ودل على هذا المعنى قوله تعالى : ( وابن جني فاذكروا الله ) ; أي كونوا ذاكريه وهذا أسهل من حمله على المجاز .
قال تعالى : ( ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ( 201 ) ) .
قوله تعالى : ( في الدنيا حسنة ) : يجوز أن تكون : في متعلقة بآتنا وأن تكون صفة لحسنة قدمت فصارت حالا . ( وقنا ) : حذفت منه الفاء ، كما حذفت في المضارع إذا قلت يقي ، وحذفت لامها للجزم ، واستغني عن همزة الوصل لتحرك الحرف المبدوء به .
قال تعالى : ( ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ( 203 ) ) .
قوله تعالى : ( في أيام معدودات ) : إن قيل : الأيام واحدها يوم ، والمعدودات [ ص: 135 ] واحدها معدودة ، واليوم لا يوصف بمعدودة ; لأن الصفة هنا مؤنثة والموصوف مذكر ، وإنما الوجه أن يقال أيام معدودة فتصف الجمع بالمؤنث .
والجواب أنه أجرى معدودات على لفظ أيام وقابل الجمع بالجمع مجازا والأصل معدودة كما قال : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) [ البقرة : 80 ] .
ولو قيل : إن الأيام تشتمل على الساعات ، والساعة مؤنثة فجاز الجمع على معنى ساعات الأيام ، وفيه تنبيه على الأمر بالذكر في كل ساعات هذه الأيام ، أو في معظمها لكان جوابا سديدا ، ونظير ذلك الشهر والصيف والشتاء ، فإنها يجاب بها عن كم وكم ، إنما يجاب عنها بالعدد وألفاظ هذه الأشياء ليست عددا ، وإنما هي أسماء لمعدودات ، فكانت جوابا من هذا الوجه . : ( فلا إثم ) : عليه الجمهور على إثبات الهمزة .
وقرئ : " فلثم " ووجهها أنه لما خلط لا بالاسم حذف الهمزة لشبهها بالألف ; ثم حذف ألف لا لسكونها وسكون الثاء بعدها .
( لمن اتقى ) : خبر مبتدأ محذوف تقديره : جواز التعجيل والتأخير لمن اتقى .
قال تعالى : ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ( 204 ) ) .
قوله تعالى : ( من يعجبك ) : من نكرة موصوفة . و ( في الحياة الدنيا ) : متعلق بالقول والتقدير : في أمور الدنيا . ويجوز أن يتعلق بـ ( يعجبك ) ( ويشهد الله ) : يجوز أن يكون معطوفا على يعجبك .
ويجوز أن يكون جملة في موضع الحال من الضمير في يعجبك ; أي يعجبك وهو يشهد الله . ويجوز أن يكون حالا من الهاء في " قوله " والعامل فيه القول ، والتقدير : يعجبك أن يقول في أمر الدنيا مقسما على ذلك ، والجمهور على ضم الياء وكسر الهاء ونصب اسم الله .
وقرئ بفتح الياء والهاء ورفع اسم الله ، وهو ظاهر .
( وهو ألد ) : يجوز أن تكون الجملة صفة معطوفة على يعجبك .
[ ص: 136 ] ويجوز أن تكون حالا معطوفة على " ويشهد " .
ويجوز أن تكون حالا من الضمير في يشهد .
و ( الخصام ) : هنا جمع خصم نحو كعب وكعاب .
ويجوز أن يكون مصدرا ; وفي الكلام حذف مضاف ; أي أشد ذوي الخصام .
ويجوز أن يكون الخصام هنا مصدرا في معنى اسم الفاعل ، كما يوصف بالمصدر في قولك : رجل عدل وخصم .
ويجوز أن يكون أفعل هاهنا لا للمفاضلة فيصح أن يضاف إلى المصدر تقديره : وهو شديد الخصومة . ويجوز أن يكون هو ضمير المصدر الذي هو " قوله " . قوله خصام ، والتقدير : خصامه ألد الخصام .