قال تعالى : ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ( 197 ) ) .
قوله تعالى : ( الحج ) : مبتدأ ، و : " أشهر " : الخبر ، والتقدير : الحج حج أشهر .
وقيل : جعل الأشهر الحج على السعة . ويجوز أن يكون التقدير : أشهر الحج أشهر ، وعلى كلا الوجهين لا بد من حذف مضاف .
( فمن فرض ) : من مبتدأ ; ويجوز أن تكون شرطا بمعنى الذي ، والخبر فلا رفث وما بعده ، والعائد محذوف تقديره : فلا رفث منه .
ويقرأ : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال ) : بالفتح فيهن على أن الجميع اسم لا الأولى و " لا " مكررة للتوكيد في المعنى ، والخبر " في الحج " .
[ ص: 132 ] ويجوز أن تكون لا المكررة مستأنفة ، فيكون في الحج خبر لا جدال ; وخبر لا الأولى والثانية محذوف ; أي فلا رفث في الحج ، ولا فسوق في الحج ، واستغنى عن ذلك بخبر الأخيرة ونظير ذلك قولهم : زيد وعمرو وبشر قائم ، فقائم خبر بشر وخبر الأولين محذوف ، وهذا في الظرف أحسن ، وتقرأ بالرفع فيهن على أن تكون " لا " غير عاملة ، ويكون ما بعدها مبتدأ وخبرا . ويجوز أن تكون لا عاملة عمل ليس ، فيكون في الحج في موضع نصب .
وقرئ برفع الأولين وتنوينهما وفتح الأخير ، وإنما فرق بينهما ; لأن معنى فلا رفث ولا فسوق لا ترفثوا ولا تفسقوا ، ومعنى ( ولا جدال ) ; أي لا شك في فرض الحج .
وقيل : لا جدال ; أي لا تجادلوا وأنتم محرمون ، والفتح في الجميع أقوى لما فيه من نفي العموم .
( وما تفعلوا من خير ) : من خير فيه أوجه قد ذكرنا ذلك في قوله : ( ما ننسخ من آية ) : ونزيدها هنا وجها آخر ، وهو أن يكون من خير في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف تقديره : ما تفعلوا فعلا من خير .
قال تعالى : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( 198 ) ) .
قوله تعالى : ( أن تبتغوا ) : في موضع نصب على تقدير في أن تبتغوا وعلى قول غير هو في موضع جر على ما بيناه في غير موضع فلو ظهرت في اللفظ لجاز أن تتعلق بنفس الجناح لما فيه من معنى الجنوح والميل أو لأنه في معنى الإثم . سيبويه
ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لجناح ، وأجاز قوم أن يتعلق حرف الجر بليس ، وفيه ضعف .
( من ربكم ) : يجوز أن يكون متعلقا بـ ( تبتغوا ) ، فيكون مفعولا به أيضا .
[ ص: 133 ] ويجوز أن يكون صفة لفضل فيتعلق من بمحذوف .
( فإذا أفضتم ) : ظرف ، والعامل فيه فاذكروا ، ولا تمنع الفاء هنا من عمل ما بعدها فيما قبلها لأنه شرط . و ( عرفات ) : جمع سمي به موضع واحد ، ولولا ذلك لكان نكرة وهو معرفة ، وقد نصبوا عنه على الحال فقالوا : هذه عرفات مباركا فيها ; لأن المراد بها بقعة بعينها ، ومثله : أبانان اسم جبل أو بقعة . والتنوين في عرفات ، وجميع جمع التأنيث نظير النون في مسلمون ، وليست دليل الصرف ، ومن العرب من يحذف التنوين ويكسر التاء .
ومنهم من يفتحها ، ويجعل التاء في الجمع كالتاء في الواحد ، ولا يصرف للتعريف والتأنيث وأصل أفضتم أفضيتم لأنه فاض يفيض إذا سال ، وإذا كثر الناس في الطريق كان مشيهم كجريان السيل .
( عند المشعر الحرام ) : يجوز أن يكون ظرفا ، وأن يكون حالا من ضمير الفاعل : كما هداكم الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف .
ويجوز أن تكون حالا من الفاعل تقديره : فاذكروه مشبهين لكم حين هداكم ، ولا بد من تقدير حذف مضاف ; لأن الجثة لا تشبه الحدث ; ومثله : ( كذكركم آباءكم ) : الكاف نعت لمصدر محذوف أو حال تقديره : فاذكروا الله مبالغين .
ويجوز أن تكون الكاف في الأولى بمعنى " على " تقديره : فاذكروا الله على ما هداكم كما قال تعالى : ( ولتكبروا الله على ما هداكم ) [ البقرة : 200 ] .
( وإن كنتم ) : إن هاهنا مخففة من الثقيلة والتقدير : إنه كنتم من قبله ضالين ، وقد ذكرنا ذلك في قوله : ( وإن كانت لكبيرة ) [ البقرة : 143 ] .
قوله تعالى : أفاض الناس الجمهور على رفع السين ، وهو جمع ، وقرئ الناسي يريد آدم ، وهي صفة غلبت عليه كالعباس والحرث ودل عليه قوله ( فنسي ولم نجد له عزما ) [ طه : 115 ] .