[ ص: 125 ] قال تعالى : ( هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ( 185 ) ) .
قوله تعالى : ( شهر رمضان ) : في رفعه وجهان : أحدهما : هو خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هي شهر يعني الأيام المعدودات ; فعلى هذا يكون : ( الذي أنزل ) : نعتا للشهر أو لرمضان . والثاني : هو مبتدأ ، ثم في الخبر وجهان : أحدهما : الذي أنزل ، والثاني : أن الذي أنزل صفة والخبر هو الجملة التي هي قوله : فمن شهد .
فإن قيل : لو كان خبرا لم يكن فيه الفاء ; لأن شهر رمضان لا يشبه الشرط قيل الفاء على قول الأخفش زائدة ، وعلى قول غيره ليست زائدة ; وإنما دخلت لأنك وصفت الشهر بالذي فدخلت الفاء كما تدخل في خبر نفس الذي ; ومثله : " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم " .
فإن قيل : فأين الضمير العائد على المبتدأ من الجملة ؟ .
قيل : وضع الظاهر موضعه تفخما ; أي فمن شهده منكم كما قال الشاعر : لا أرى الموت يسبق الموت شيء بغض الموت ذا الغنى والفقيرا .
أي لا يسبقه شيء . ومن هنا شرطية مبتدأ ; وما بعدها الخبر . ويجوز أن تكون بمعنى الذي ، فيكون الخبر فليصمه .
و ( منكم ) : حال من ضمير الفاعل ; ومفعول شهد محذوف أي شهد المصر . و ( الشهر ) : ظرف ، أو مفعول به على السعة .
ولا يجوز أن يكون التقدير : فمن شهد هلال الشهر ; لأن ذلك يكون في حق المريض والمسافر والمقيم الصحيح والذي يلزمه الصوم الحاضر بالمصر إذا كان صحيحا .
وقيل : التقدير : هلال الشهر ، فعلى هذا يكون الشهر مفعولا به صريحا لقيامه مقام الهلال . وهذا ضعيف لوجهين : أحدهما : ما قدمنا من لزوم الصوم على العموم ، وليس كذلك .
[ ص: 126 ] والثاني : أن شهد بمعنى حضر ، ولا يقال حضرت هلال الشهر ، وإنما يقال شاهدت الهلال والهاء في ( فليصمه ) : ضمير الشهر ، وهي مفعول به على السعة ، وليست ظرفا ، إذ لو كانت ظرفا لكانت معها في ; لأن ضمير الظرف لا يكون ظرفا بنفسه .
ويقرأ " شهر رمضان " بالنصب وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه بدل من ( أياما معدودات ) والثاني : على إضمار أعني ( شهر ) .
والثالث : أن يكون منصوبا بـ ( تعلمون ) ; أي إن كنتم تعلمون شرف شهر رمضان ، فحذف المضاف ، ويقرأ في الشاذ شهري رمضان على الابتداء والخبر .
وأما قوله : ( أنزل فيه القرآن ) : فالمعنى في فضله ، كما تقول أنزل في الشيء آية .
وقيل : هو ظرف ; أي أنزل القرآن كله في هذا الشهر إلى السماء الدنيا .
و ( هدى ) ; و ( بينات ) : حالان من القرآن .
قوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ) : الباء هنا للإلصاق ; والمعنى يريد أن يلصق بكم اليسر فيما شرعه لكم والتقدير : يريد الله بفطركم في حال العذر اليسر .
( ولتكملوا العدة ) : هو معطوف على اليسر ; والتقدير : لأن تكملوا . واللام على هذا زائدة ; كقوله تعالى : ( ولكن يريد ليطهركم ) [ المائدة : 6 ] .
وقيل : التقدير : ليسهل عليكم ولتكملوا وقيل : ولتكملوا العدة فعل ذلك .
قال تعالى : ( فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ( 186 ) ) .
قوله تعالى : ( فإني قريب ) : أي فقل لهم : إني ; لأنه جواب : " إذا سألك " . و ( أجيب ) : خبر ثان .
و : ( فليستجيبوا ) : بمعنى فليجيبوا ; كما تقول : قر واستقر بمعنى ; وقالوا استجابه . بمعنى جابه . ( لعلهم يرشدون ) : الجمهور على فتح الياء وضم الشين ; وماضيه رشد بالفتح .
ويقرأ بفتح الشين ، وماضيه رشد بكسرها ، وهي لغة .
ويقرأ بكسر الشين ، وماضيه أرشد ; أي غيرهم .