قال تعالى : ( ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ) ( 146 ) .
قوله تعالى : ( كل ذي ظفر ) : الجمهور على ضم الظاء والفاء ، ويقرأ بإسكان الفاء ، ويقرأ بكسر الظاء والإسكان . ( ومن البقر ) : معطوف على " كل " ، وجعل ( حرمنا عليهم شحومهما ) : تبيينا للمحرم من البقر .
ويجوز أن يكون " من البقر " متعلقا بحرمنا الثانية .
( إلا ما حملت ) : في موضع نصب استثناء من الشحوم .
( أو الحوايا ) : في موضع نصب عطفا على " ما " .
وقيل : هو معطوف على الشحوم ، فتكون محرمة أيضا ، وواحدة الحوايا حوية ، أو حاوية ، أو حاوياء . و " أو " هنا بمعنى الواو ، أو لتفصيل مذاهبهم ، لاختلاف أماكنها ، وقد ذكرناه في قوله : ( كونوا هودا أو نصارى ) [ البقرة : 135 ] .
( ذلك ) : في موضع نصب بـ " جزيناهم " وقيل : مبتدأ والتقدير : جزيناهموه . وقيل : هو خبر المحذوف ؛ أي : الأمر ذلك .
قال تعالى : ( ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ) ( 147 ) .
قوله تعالى : ( فإن كذبوك ) : شرط وجوابه " فقل ربكم ذو رحمة " والتقدير : فقل يصفح عنكم بتأخير العقوبة .
قال تعالى : ( ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ) ( 148 ) .
قوله تعالى : ( ولا آباؤنا ) : عطف على الضمير في أشركنا ، وأغنت زيادة " لا " عن [ ص: 409 ] تأكيد الضمير . وقيل : ذلك لا يغني ؛ لأن المؤكد يجب أن يكون قبل حرف العطف ، ولا بعد حرف العطف . ( من شيء ) : من زائدة .
قال تعالى : ( فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ) ( 150 ) .
قوله تعالى : ( قل هلم ) : للعرب فيها لغتان : إحداهما : تكون بلفظ واحد في الواحد والتثنية والجمع والمذكر والمؤنث ؛ فعلى هذا هي اسم للفعل ، وبنيت لوقوعها موقع الأمر المبني ، ومعناها أحضروا شهداءكم .
واللغة الثانية : تختلف ؛ فتقول هلما ، وهلموا ، وهلمي ، وهلممن ، فعلى هذا هي فعل ، واختلفوا في أصلها ؛ فقال البصريون : أصلها ها المم ؛ أي : اقصد ، فأدغمت الميم في الميم ، وتحركت اللام ، فاستغنى عن همزة الوصل ، فبقي لم ، ثم حذفت ألف " ها " التي هي للتنبيه ؛ لأن اللام في لم في تقدير الساكنة إذ كانت حركتها عارضة ، ولحق حرف التنبيه مثال الأمر كما يلحق غيره من المثل .
فأما فتحة الميم ففيها وجهان : أحدهما : أنها حركت بها لالتقاء الساكنين ، ولم يجز الضم ولا الكسر ، كما جاز في رد ، ورد ، ورد ، لطول الكلمة بوصل " ها " بها ، وأنها لا تستعمل إلا معها . والثاني : أنها فتحت من أجل التركيب كما ، فتحت خمسة عشر وبابها .
وقال الفراء : أصلها هل أم فألقيت حركة الهمزة على اللام ، وحذفت ، وهذا بعيد ؛ لأن لفظه أمر . و " هل " إن كانت استفهاما فلا معنى لدخوله على الأمر ، وإن كانت بمعنى قد ، فلا تدخل على الأمر ، وإن كانت " هل " اسما للزجر ، فتلك مبنية على الفتح ، ثم لا معنى لها هاهنا .
قال تعالى : ( ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) ( 151 ) .
قوله تعالى : ( ما حرم ) : في " ما " وجهان : أحدهما : هي بمعنى الذي ، والعائد محذوف ؛ أي : حرمه .
والثاني : هي مصدرية . ( ألا تشركوا ) : في " أن " وجهان : أحدهما : هي بمعنى أي ، فتكون لا على هذا نهيا . والثاني : هي مصدرية ، وفي موضعها وجهان : أحدهما : هي بدل من الهاء المحذوفة أو من " ما " ، و " لا " زائدة ؛ أي : حرم ربكم أن تشركوا . والثاني : أنها منصوبة على الإغراء ، والعامل فيها عليكم ، والوقف على ما قبل على ؛ أي : الزموا ترك الشرك .
[ ص: 410 ] والوجه الثاني : أنها مرفوعة ، والتقدير : المتلو أن لا تشركوا ، أو المحرم أن تشركوا . " ولا " زائدة على هذا التقدير .
و ( شيئا ) : مفعول تشركوا ، وقد ذكرناه في موضع آخر ، ويجوز أن يكون شيئا في موضع المصدر ؛ أي : إشراكا . و ( وبالوالدين إحسانا ) : قد ذكر في البقرة . ( من إملاق ) : أي من أجل الفقر . ( ما ظهر منها وما بطن ) : بدلان من الفواحش ، بدل الاشتمال ، ومنها في موضع الحال من ضمير الفاعل . و ( بالحق ) : في موضع الحال . ( ذلكم ) : مبتدأ ، و " وصاكم به " الخبر .
ويجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير : ألزمكم ذلكم ، ووصاكم : تفسير له .