قال تعالى : ( وليكون من الموقنين وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ) ( 75 ) .
قوله تعالى : ( وكذلك ) : في موضعه وجهان : أحدهما : هو نصب على إضمار وأريناه ، تقديره : وكما رأى أباه وقومه في ضلال مبين أريناه ذلك ؛ أي : ما رآه صوابا بإطلاعنا إياه عليه .
ويجوز أن يكون منصوبا بـ " نرى " التي بعده على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره : نريه ملكوت السماوات والأرض رؤية كرؤيته ضلال أبيه .
وقيل : الكاف بمعنى اللام ؛ أي : ولذلك نريه .
والوجه الثاني : أن تكون الكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : و الأمر كذلك ؛ أي : كما رآه من ضلالتهم .
قوله تعالى : ( وليكون ) : أي : وليكون " من الموقنين " أريناه .
وقيل : التقدير : ليستدل وليكون .
قال تعالى : ( قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ) ( 76 ) .
[ ص: 381 ] قوله تعالى : ( رأى كوكبا ) : يقرأ بفتح الراء والهمزة والتفخيم على الأصل وبالإمالة ؛ لأن الألف منقلبة عن ياء ؛ كقولك رأيت رؤية ، ويقرأ بجعل الهمزتين بين بين وهو نوع من الإمالة .
ويقرأ بجعل الراء كذلك ، إتباعا للهمزة ، ويقرأ بكسرهما ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه كسر الهمزة للإمالة ، ثم أتبعها الراء .
والثاني : أن أصل الهمزة الكسر ؛ بدليل قولك في المستقبل : يرى ؛ أي : يرأى ، وإنما فتحت من أجل حرف الحلق كما تقول : وسع يسع ، ثم كسر الحرف الأول في الماضي إتباعا لكسرة الهمزة ، فإن لقي الألف ساكن مثل : رأى الشمس ، فقد قرئ بفتحهما على الأصل ، وبكسرهما على ما تقدم .
وبكسر الراء وفتح الهمزة ؛ لأن الألف سقطت من اللفظ ؛ لأجل الساكن بعدها ، والمحذوف هنا في تقدير الثابت ، وكان كسر الراء تنبيها على أن الأصل كسر الهمزة ، وأن فتحها دليل على الألف المحذوفة .
( هذا ربي ) : مبتدأ وخبر تقديره : أهذا ربي ؟ وقيل : هو على الخبر ؛ أي : هو غير استفهام .
قال تعالى : ( قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون فلما رأى الشمس بازغة ) ( 78 ) .
قوله تعالى : ( بازغة ) : هو حال من الشمس ، وإنما قال للشمس هذا على التذكير ؛ لأنه أراد هذا الكوكب ، أو الطالع ، أو الشخص ، أو الضوء ، أو الشيء ، أو لأن التأنيث غير حقيقي .
قال تعالى : ( حنيفا وما أنا من المشركين إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ) ( 79 ) .
قوله تعالى : ( للذي فطر السماوات ) : أو لعبادته أو لرضاه .
قال تعالى : ( وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون ) ( 80 ) .
قوله تعالى : ( أتحاجوني ) : يقرأ بتشديد النون على إدغام نون الرفع في نون الوقاية ، والأصل تحاجونني .
[ ص: 382 ] ويقرأ بالتخفيف على حذف إحدى النونين ، وفي المحذوفة وجهان : أحدهما : هي نون الوقاية ؛ لأنها الزائدة التي حصل بها الاستثقال ، وقد جاء ذلك في الشعر . والثاني : المحذوفة نون الرفع ؛ لأن الحاجة دعت إلى نون مكسورة من أجل الياء ، ونون الرفع لا تكسر ، وقد جاء ذلك في الشعر كثيرا ؛ قال الشاعر : كل له نية في بغض صاحبه بنعمة الله نقليكم وتقلونا .
أي : تقلوننا ، والنون الثانية هنا ليست وقاية ؛ بل هي من الضمير ، وحذف بعض الضمير لا يجوز ، وهو ضعيف أيضا ؛ لأن علامة الرفع لا تحذف إلا بعامل .
( ما تشركون به ) : " ما " بمعنى الذي ؛ أي : ولا أخاف الصنم الذي تشركونه به ؛ أي : بالله ، فالهاء في به ضمير اسم الله تعالى .
ويجوز أن تكون الهاء عائدة على ما ؛ أي : ولا أخاف الذي تشركون بسببه ، ولا تعود على الله .
ويجوز أن تكون " ما " نكرة موصوفة ، وأن تكون مصدرية .
( إلا أن يشاء ) : يجوز أن يكون استثناء من جنس الأول تقديره : إلا في حال مشيئة ربي ؛ أي : لا أخافها في كل حال إلا في هذه الحال .
ويجوز أن يكون من غير الأول ؛ أي : لكن أخاف أن يشاء بي خوفي ما أشركتم .
و ( شيئا ) : نائب عن المصدر ؛ أي : مشيئة ؛ ويجوز أن يكون مفعولا به ؛ أي : إلا أن يشاء بي أمرا غير ما قلت .
و ( علما ) : تمييز و ( كل شيء ) : مفعول وسع ؛ أي : علم كل شيء .
ويجوز أن يكون " علما " على هذا التقدير : مصدرا لمعنى وسع ؛ لأن ما يسع الشيء فقد أحاط به ، والعالم بالشيء محيط بعلمه .