قال تعالى : ( أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ( 66 ) وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ( 67 ) ولهديناهم صراطا مستقيما ) ( 68 ) .
قوله تعالى : ( أن اقتلوا ) : فيه وجهان : أحدهما : هي " أن " المصدرية ، والأمر صلتها ، وموضعهما نصب بكتبنا .
والثاني : أن " أن " بمعنى أي المفسرة للقول ، وكتبنا قريب من معنى أمرنا أو قلنا . ( أو اخرجوا ) : يقرأ بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين ، وبالضم اتباعا لضمة الراء ، ولأن الواو من جنس الضمة . ( ما فعلوه ) : الهاء ضمير أحد مصدري الفعلين ، وهو القتل أو الخروج ، ويجوز أن يكون ضمير المكتوب ، ودل المعنى كتبنا . ( إلا قليل ) : يقرأ بالرفع بدلا من الضمير المرفوع ، وعليه المعنى ؛ لأن المعنى فعله قليل منهم ؛ وبالنصب على أصل [ ص: 285 ] باب الاستثناء ، والأول أقوى . و ( منهم ) : صفة " قليل " . و : ( تثبيتا ) : تمييز . ( وإذن ) : جواب " لو " ملغاة . و ( من لدنا ) : يتعلق بآتيناهم . ويجوز أن يكون حالا من " أجرا " و ( صراطا ) : مفعول ثان .
قال تعالى : ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ومن يطع الله والرسول ) ( 69 ) .
قوله تعالى : ( من النبيين ) : حال من الذين أو من المجرور في عليهم . ( وحسن ) : الجمهور على ضم السين ، وقرئ بإسكانها مع فتح الحاء على التخفيف ، كما قالوا في عضد عضد . و " أولئك " فاعله . و " رفيقا " تمييز . وقيل : هو حال ، وهو واحد في موضع الجمع ؛ أي : رفقاء .
قال تعالى : ( ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ) ( 70 ) .
قوله تعالى : ( ذلك ) : مبتدأ ، وفي الخبر وجهان : أحدهما : " الفضل " و " من الله " حال ، والعامل فيها معنى ذلك . والثاني : أن الفضل صفة ، ومن الله الخبر .
قال تعالى : ( فانفروا ثبات أو انفروا جميعا يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) ( 71 ) .
قوله تعالى : ( ثبات ) : جمع ثبة ، وهي الجماعة ، وأصلها ثبوة ، تصغيرها ثبية ، فأما ثبة الحوض ، وهي وسطه فأصلها ثوبة ، من ثاب يثوب إذا رجع ، وتصغيرها ثويبة ، و " ثبات " حال ، وكذلك : " جميعا " .
قال تعالى : ( فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا وإن منكم لمن ليبطئن ) ( 72 ) .
قوله تعالى : ( لمن ) : اسم إن ، وهي بمعنى الذي أو نكرة موصوفة . و ( ليبطئن ) : صلة أو صفة ، ومنكم خبر إن ، و " إذ لم " ظرف لأنعم .
قال تعالى : ( ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ولئن أصابكم فضل من الله ) ( 73 ) .
[ ص: 286 ] قوله تعالى : ( ليقولن ) : بفتح اللام على لفظ من ، وقرئ بضمها حملا على معنى من ، وهو الجمع . ( كأن لم تكن ) : هي مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ؛ أي : كأنه لم يكن بالياء ؛ لأن المودة والود بمعنى ، ولأنه قد فصل بينهما ، ويقرأ بالتاء على لفظ المودة ، وهو كلام معترض بين يقول وبين المحكي بها وهو قوله : " يا ليتني " والتقدير : يقول يا ليتني . وقيل : ليس بمعترض ؛ بل هو محكي أيضا بيقول ؛ أي : يقول : كأن لم تكن . ويا ليتني . وقيل : كأن لم وما يتصل بها حال من ضمير الفاعل في ليقولن . و ( ياليتني ) : المنادى محذوف ؛ تقديره : يا قوم ليتني ؛ وأبو علي يقول في نحو هذا : ليس في الكلام منادى محذوف ؛ بل يدخل " يا " على الفعل ، والحرف للتنبيه . ( فأفوز ) : بالنصب على جواب التمني ، وبالرفع على تقدير فأنا أفوز .
قال تعالى : ( ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ) ( 74 ) .
قوله تعالى : ( أو يغلب فسوف ) : أدغمت الباء في الفاء ؛ لأنهما من الشفتين ، وقد أظهرها بعضهم .
قال تعالى : ( والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ) ( 75 ) .
قوله تعالى : ( وما لكم ) : ما استفهام مبتدأ ، ولكم خبره .
و ( لا تقاتلون ) : في موضع الحال ، والعامل فيها الاستقرار كما تقول : ما لك قائما . و ( المستضعفين ) : عطف على اسم الله ؛ أي : وفي سبيل المستضعفين . وقال المبرد : هو معطوف على السبيل ، وليس بشيء . ( الذين يقولون ) : في موضع جر صفة لمن عقل من المذكورين . ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعني . ( الظالم أهلها ) : الألف واللام بمعنى التي ، ولم يؤنث اسم الفاعل ، وإن كان نعتا للقريبة في اللفظ ؛ لأنه قد عمل في الاسم الظاهر المذكور ، وهو أهل ، وكل اسم فاعل إذا جرى على غير من هو له فتذكيره وتأنيثه على حسب الاسم الظاهر الذي عمل فيه .