[ ص: 466 ] النوع الثمانون في . طبقات المفسرين
اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة : الخلفاء الأربعة ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، . وعبد الله بن الزبير
أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم والرواية عن الثلاثة نزرة جدا ، وكان السبب في ذلك تقدم وفاتهم ، كما أن ذلك هو السبب في قلة رواية علي بن أبي طالب ، أبي بكر رضي الله عنه للحديث ، ولا أحفظ عن أبي بكر رضي الله عنه في التفسير إلا آثارا قليلة جدا ، لا تكاد تجاوز العشرة .
وأما علي : فروي عنه الكثير ، وقد روى معمر ، عن وهب بن عبد الله ، عن أبي الطفيل قال : شهدت عليا يخطب وهو يقول : سلوني فوالله لا تسألون عن شيء إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن ، وإن ابن مسعود عنده منه الظاهر والباطن . وأخرج أيضا من طريق علي بن أبي طالب عن أبي بكر بن عياش ، نصير بن سليمان الأحمسي ، عن أبيه عن علي قال : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت ، وأين أنزلت ، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ، ولسانا سئولا .
وأما فروي عنه أكثر مما روى عن ابن مسعود علي ، وقد أخرج وغيره [ ص: 467 ] عنه أنه قال : والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، وأين نزلت ، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته . ابن جرير
وأخرج أبو نعيم عن أبي البحتري قال : قالوا لعلي : أخبرنا عن قال : علم القرآن والسنة ثم انتهى ، وكفى بذلك علما . ابن مسعود
وأما ابن عباس فهو ترجمان القرآن الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم : وقال له أيضا : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وفي رواية : اللهم آته الحكمة اللهم علمه الحكمة .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر فقال : لعبد الله بن عباس اللهم بارك فيه وانشر منه .
وأخرج من طريق عبد المؤمن بن خالد بن عبد الله بن بريدة ، عن قال : انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده ابن عباس جبريل ، فقال له جبريل : إنه كائن حبر هذه الأمة فاستوص به خيرا .
وأخرج من طريق عبد الله بن خراش عن عن العوام بن حوشب ، مجاهد قال : : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ترجمان القرآن أنت ابن عباس . وأخرج قال البيهقي في الدلائل عن قال : ابن مسعود عبد الله بن عباس . نعم ترجمان القرآن
وأخرج أبو نعيم عن مجاهد قال : كان يسمى البحر لكثرة علمه . ابن عباس
وأخرج عن قال : كان ابن الحنفية حبر هذه الأمة . ابن عباس
[ ص: 468 ] وأخرج عن الحسن قال : إن كان من القرآن بمنزل ، كان ابن عباس عمر يقول : ذاكم فتى الكهول ، إن له لسانا سئولا ، وقلبا عقولا .
وأخرج من طريق عن عبد الله بن دينار ، : أن رجلا أتاه يسأله عن ابن عمر السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما [ الأنبياء : 30 ] . فقال : اذهب إلى فسأله ثم تعال فأخبرني فذهب فسأله فقال : كانت السماوات رتقا لا تمطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت ، ففتق هذه بالمطر ، وهذه بالنبات ، فرجع إلى ابن عباس ، فأخبره ، فقال : قد كنت أقول : ما يعجبني جراءة ابن عمر على تفسير القرآن ، فالآن قد علمت أنه أوتي علما . ابن عباس
وأخرج من طريق البخاري عن سعيد بن جبير ، قال : كان ابن عباس عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال : لم يدخل هذا معنا ، وإن لنا أبناء مثله ؟ فقال عمر : إنه ممن علمتم ، ودعاهم ذات يوم ، فأدخله معهم فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم فقال : ما تقولون في قول الله تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال : أكذلك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت : لا . فقال : ما تقول ؟ فقلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه به قال : إذا جاء نصر الله والفتح فذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا فقال عمر : لا أعلم منها إلا ما تقول .
وأخرج أيضا من طريق عن ابن أبي مليكة ، قال : قال ابن عباس عمر بن [ ص: 469 ] الخطاب يوما لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فيمن ترون هذه الآية نزلت : أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب [ البقرة : 266 ] . قالوا : الله أعلم . فغضب عمر ، فقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم ، فقال : في نفسي منها شيء فقال : يابن أخي ، قل ولا تحقر نفسك . قال ابن عباس : ضربت مثلا لعمل . فقال ابن عباس عمر : أي عمل ؟ قال : لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله . ابن عباس
وأخرج أبو نعيم عن عن محمد بن كعب القرظي ، أن ابن عباس جلس في رهط من المهاجرين من الصحابة ، فذكروا ليلة القدر ، فتكلم كل بما عنده ، فقال عمر بن الخطاب عمر : ما لك يا صامت لا تتكلم ؟ تكلم ولا تمنعك الحداثة . ابن عباس
قال : ، فقلت يا أمير المؤمنين ، إن الله وتر يحب الوتر ، فجعل أيام الدنيا تدور على سبع ، وخلق أرزاقنا من سبع ، وخلق الإنسان من سبع ، وخلق فوقنا سماوات سبع ، وخلق تحتنا أرضين سبعا ، وأعطى من المثاني سبعا ، ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع ، وقسم الميراث في كتابه على سبع ، ونقع في السجود من أجسادنا على سبع ، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس بالكعبة سبعا ، وبين الصفا والمروة سبعا ، ورمى الجمار بسبع ، فأراها في السبع الأواخر من شهر رمضان ، فتعجب عمر فقال : ما وافقني فيها أحد إلا هذا الغلام الذي لم تستو شؤون رأسه ثم قال : يا هؤلاء من يؤديني في هذا كأداء . ابن عباس
وقد ورد عن في التفسير ما لا يحصى كثرة ، وفيه روايات وطرق مختلفة ، فمن جيدها طريق ابن عباس علي بن أبي طلحة الهاشمي عنه .
قال : أحمد بن حنبل بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة ، لو رحل [ ص: 470 ] رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا . أسنده في ناسخه . أبو جعفر النحاس
قال ابن حجر : وهذه النسخة كانت عند رواها عن أبي صالح كاتب الليث معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن وهي عند ابن عباس عن البخاري ، أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيرا فيما يعلقه عن . ابن عباس
وأخرج منها ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، كثيرا بوسائط بينهم وبين أبي صالح .
وقال قوم : لم يسمع من ابن أبي طلحة التفسير ، وإنما أخذه عن ابن عباس مجاهد أو . سعيد بن جبير
قال ابن حجر : بعد أن عرفت الواسطة وهو ثقة فلا ضير في ذلك .
وقال الخليلي في الإرشاد : الأندلس ، معاوية بن صالح قاضي عن تفسير علي بن أبي طلحة ، عن : رواه الكبار عن ابن عباس عن أبي صالح كاتب الليث ، معاوية ، وأجمع الحفاظ على أن لم يسمعه من ابن أبي طلحة . ابن عباس
قال : وهذه التفاسير الطوال التي أسندوها إلى غير مرضية ، ورواتها مجاهيل كتفسير ابن عباس جويبر ، عن الضحاك ، عن . ابن عباس
وعن في التفسير جماعة رووا عنه ، وأطولها ما يرويه ابن جريج عن بكر بن سهل الدمياطي ، عن عبد الغني بن سعيد ، موسى بن محمد ، عن وفيه نظر . وروى ابن جريج ، عن محمد بن ثور ، نحو ثلاثة أجزاء كبار وذلك صححوه . ابن جريج ،
وروى عن الحجاج بن محمد ، نحو جزء وذلك صحيح متفق عليه . ابن جريج ،
شبل بن عباد المكي ، عن وتفسير أبي جريج ، عن مجاهد ، عن قريب إلى الصحة . وتفسير ابن عباس عطاء بن دينار يكتب ويحتج به .
وتفسير أبي روق نحو جزء صححوه .
إسماعيل السدي يورده بأسانيد إلى وتفسير ابن مسعود ، . وابن عباس
وروى عن [ ص: 471 ] الأئمة مثل السدي الثوري وشعبة لكن التفسير الذي جمعه رواه أسباط بن نصر ، وأسباط لم يتفقوا عليه ، غير أن أمثل التفاسير تفسير . فأما السدي فإنه لم يقصد الصحة ، وإنما روى ما ذكر في كل آية من الصحيح والسقيم . ابن جرير
مقاتل بن سليمان : فمقاتل في نفسه ضعفوه ، وقد أدرك الكبار من التابعين ، وتفسير أشار إلى أن تفسيره صالح . انتهى كلام الإرشاد . والشافعي
وتفسير الذي أشار إليه يورد منه السدي كثيرا من طريق ابن جرير عن السدي ، أبي مالك ، عن أبي صالح ، عن . وعن ابن عباس مرة ، عن وناس من الصحابة هكذا ، ولم يورد منه ابن مسعود ، شيئا لأنه التزم أن يخرج أصح ما ورد . ابن أبي حاتم والحاكم يخرج منه في مستدركه أشياء ويصححه ، لكن من طريق مرة ، عن وناس فقط دون الطريق الأول . وقد قال ابن مسعود ، ابن كثير : إن هذا الإسناد يروي به أشياء فيها غرابة . السدي
ومن جيد الطرق عن طريق ابن عباس قيس ، عن عن عطاء بن السائب ، عنه . وهذه الطريق صحيحة على شرط الشيخين ، وكثيرا ما يخرج منها سعيد بن جبير ، الفريابي والحاكم في مستدركه .
ومن ذلك طريق عن ابن إسحاق ، محمد بن أبي محمد ، مولى آل زيد بن ثابت ، عن عكرمة - أو - عنه ، هكذا بالترديد وهي طريق جيدة وإسنادها حسن . وقد أخرج منها سعيد بن جبير ابن جرير ، كثيرا . وفي معجم وابن أبي حاتم الكبير منها أشياء . الطبراني
وأوهى طرقه طريق الكلبي عن أبي صالح ، عن فإن انضم إلى ذلك رواية ابن عباس ، محمد بن مروان الصغير فهي سلسلة الكذب ، وكثيرا ما يخرج منها السدي الثعلبي ، والواحدي .
لكن قال في الكامل : ابن عدي للكلبي أحاديث صالحة ، وخاصة عن أبي صالح ، [ ص: 472 ] وهو معروف بالتفسير ، وليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشبع ، وبعده إلا أن مقاتل بن سليمان ، الكلبي يفضل عليه ، لما في مقاتل من المذاهب الرديئة .
وطريق عن الضحاك بن مزاحم ، منقطعة ، فإن ابن عباس الضحاك لم يلقه ، فإن انضم إلى ذلك رواية بشر بن عمارة ، عن أبي روق عنه فضعيفة لضعف بشر .
وقد أخرج من هذه النسخة كثيرا ابن جرير وإن كان من رواية وابن أبي حاتم ، جويبر ، عن الضحاك فأشد ضعفا ، لأن جويبرا شديد الضعف متروك ، ولم يخرج ولا ابن جرير ، من هذا الطريق شيئا ، إنما خرجها ابن أبي حاتم ابن مردويه والشيخ . ابن حبان
وطريق عن العوفي أخرج منها ابن عباس ، ابن جرير ، كثيرا ، وابن أبي حاتم والعوفي ضعيف ليس بواه ، وربما حسن له الترمذي .
ورأيت عن فضائل الإمام الشافعي لأبي عبد الله بن محمد بن أحمد بن شاكر القطان : أنه أخرج بسنده من طريق قال : سمعت ابن عبد الحكم ، يقول : لم يثبت عن الشافعي في التفسير إلا شبيه بمائة حديث . ابن عباس
وأما فعنه نسخة كبيرة يرويها أبي بن كعب أبو جعفر الرازي ، عن عن الربيع بن أنس ، أبي العالية عنه . وهذا إسناد صحيح وقد أخرج ابن جرير ، منها كثيرا ، وكذا وابن أبي حاتم الحاكم في مستدركه وأحمد في مسنده .
وقد ورد عن جماعة من الصحابة غير هؤلاء اليسير من التفسير ، كأنس ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وجابر ، . وورد عن وأبي موسى الأشعري أشياء تتعلق بالقصص وأخبار الفتن والآخرة ، وما أشبهها ، بأن يكون ما تحمله عن أهل الكتاب كالذي ورد عنه في قوله تعالى : عبد الله بن عمرو بن العاص في ظلل من الغمام [ البقرة : 210 ] . وكتابنا الذي أشرنا إليه جامع لجميع ما ورد عن الصحابة من ذلك .
طبقة التابعين : قال ابن تيمية : أعلم الناس بالتفسير أهل مكة; لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد ، وعطاء بن أبي رباح ، وعكرمة مولى ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم . وطاوس
وكذلك في الكوفة أصحاب ، [ ص: 473 ] وعلماء أهل ابن مسعود المدينة في التفسير مثل الذي أخذ عنه ابنه زيد بن أسلم ، عبد الرحمن بن زيد ، انتهى . ومالك بن أنس
فمن المبرزين منهم مجاهد . قال الفضل بن ميمون : سمعت مجاهدا يقول : عرضت القرآن على ثلاثين مرة . ابن عباس
وعنه أيضا قال : عرضت المصحف على ثلاث عرضات أقف عند كل آية منه ، وأسأله عنها فيم نزلت ؟ وكيف كانت ؟ . ابن عباس
وقال : كان أعلمهم بالتفسير خصيف مجاهد .
وقال النووي : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به .
قال ابن تيمية : ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعي وغيرهما من أهل العلم . والبخاري
قلت : وغالب ما أورده في تفسيره عنه ، وما أورده فيه عن الفريابي أو غيره قليل جدا . ابن عباس
ومنهم . قال سعيد بن جبير : خذوا التفسير عن أربعة : عن سفيان الثوري سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك .
وقال قتادة : كان أربعة ، كان أعلم التابعين أعلمهم بالمناسك ، وكان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالتفسير ، وكان سعيد بن جبير عكرمة أعلمهم بالسير ، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام .
[ ص: 474 ] ومنهم . قال عكرمة مولى ابن عباس : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من الشعبي عكرمة .
وقال : سمعت سماك بن حرب عكرمة يقول : لقد فسرت ما بين اللوحين .
وقال عكرمة : كان يجعل في رجلي الكبل ، ويعلمني القرآن والسنن . ابن عباس
وأخرج عن ابن أبي حاتم ، سماك قال : قال عكرمة : كل شيء أحدثكم في القرآن فهو عن . ابن عباس
ومنهم الحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطاء بن أبي سلمة الخراساني ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبو العالية ، والضحاك بن مزاحم ، وعطية العوفي ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، ومرة الهمداني ، وأبو مالك ، ويليهم الربيع بن أنس ، في آخرين . فهؤلاء قدماء المفسرين ، وغالب أقوالهم تلقوها عن الصحابة . وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم
ثم بعد هذه الطبقة ألفت تفاسير تجمع أقوال الصحابة والتابعين ، كتفسير سفيان بن عيينة ، ووكيع بن الجراح ، وشعبة بن الحجاج ، ويزيد بن هارون ، وعبد الرزاق ، وآدم بن أبي إياس ، وإسحاق بن راهويه ، وروح بن عبادة ، وعبد بن حميد ، وسنيد ، وآخرين . وأبي بكر بن أبي شيبة ،
وبعدهم ، ابن جرير الطبري وكتابه أجل التفاسير وأعظمها ، ثم ابن أبي حاتم ، وابن ماجه ، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبو الشيخ ابن حيان ، وابن المنذر في آخرين ، وكلها مسندة إلى الصحابة والتابعين وأتباعهم ، وليس فيها غير ذلك إلا فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض ، والإعراب والاستنباط فهو يفوقها بذلك . ابن جرير ،
ثم ألف في التفسير خلائق فاختصروا الأسانيد ، ونقلوا الأقوال بترا فدخل من هنا الدخيل ، والتبس الصحيح بالعليل ، ثم صار كل من يسنح له قول يورده ، ومن يخطر بباله [ ص: 475 ] شيء يعتمده ، ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ، ظانا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ، ومن يرجع إليهم في التفسير ، حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى : غير المغضوب عليهم ولا الضالين نحو عشرة أقوال وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وجميع الصحابة والتابعين ، وأتباعهم ، حتى قال : لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين . ابن أبي حاتم
ثم . صنف بعد ذلك قوم برعوا في علوم ، فكان كل منهم يقتصر في تفسيره على الفن الذي يغلب عليه
فالنحوي تراه ليس له هم إلا الإعراب ، وتكثير الأوجه المحتملة فيه ، ونقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافياته ، كالزجاج ، والواحدي في البسيط ، وأبي حيان في البحر والنهر .
والإخباري ليس له شغل إلا القصص واستيفاءها ، والإخبار عمن سلف ، سواء كانت صحيحة أو باطلة كالثعلبي .
والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه من باب الطهارة إلى أمهات الأولاد ، وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا تعلق لها بالآية ، والجواب عن أدلة المخالفين كالقرطبي .
وصاحب العلوم العقلية خصوصا الإمام فخر الدين قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبهها ، وخرج من شيء إلى شيء حتى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد للآية .
قال أبو حيان في البحر : جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير ، ولذلك قال بعض العلماء : فيه كل شيء إلا التفسير .
والمبتدع ليس له قصد إلا تحريف الآيات وتسويتها على مذهبه الفاسد ، بحيث إنه متى لاح له شاردة من بعيد اقتنصها ، أو وجد موضعا له فيه أدنى مجال سارع إليه .
قال البلقيني : استخرجت من الكشاف اعتزالا بالمناقيش من قوله تعالى في تفسير : فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز [ آل عمران : 185 ] . وأي فوز أعظم من دخول الجنة ! أشار به إلى عدم الرؤية .
[ ص: 476 ] والملحد فلا تسأل عن كفره وإلحاده في آيات الله ، وافترائه على الله ما لم يقله ، كقول بعضهم في : إن هي إلا فتنتك [ الأعراف : 155 ] . ما على العباد أضر من ربهم . وكقوله في سحرة موسى ما قال ، وقول الرافضة في : يأمركم أن تذبحوا بقرة [ البقرة : 67 ] . ما قالوا . وعلى هذا وأمثاله يحمل ما أخرجه أبو يعلى وغيره عن حذيفة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن في أمتي قوما يقرءون القرآن ينثرونه نثر الدقل ، يتأولونه على غير تأويله .
فإن قلت : فأي التفاسير ترشد إليه وتأمر الناظر أن يعول عليه ؟
قلت : أبي جعفر بن جرير الطبري الذي أجمع العلماء المعتبرون على أنه لم يؤلف في التفسير مثله . تفسير الإمام
قال النووي في تهذيبه : كتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله . ابن جرير
وقد شرعت في تفسير جامع لجميع ما يحتاج إليه من التفاسير المنقولة ، والأقوال المقولة ، والاستنباطات والإشارات ، والأعاريب واللغات ، ونكت البلاغة ، ومحاسن البدائع ، وغير ذلك بحيث لا يحتاج معه إلى غيره أصلا ، وسميته ب " مجمع البحرين ومطلع البدرين " وهو الذي جعلت هذا الكتاب مقدمة له ، والله أسأل أن يعين على إكماله بمحمد وآله .