فصل .
. شرف علم التفسير
وأما شرفه فلا يخفى ، قال تعالى : يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا [ البقرة : 269 ] . .
[ ص: 431 ] أخرج وغيره ، من طريق ابن أبي حاتم عن ابن أبي طلحة ، في قوله تعالى : ابن عباس يؤتي الحكمة قال : المعرفة بالقرآن ، ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله .
وأخرج ابن مردويه ، من طريق جويبر ، عن الضحاك ، عن مرفوعا : ابن عباس ، يؤتي الحكمة قال : القرآن .
قال : يعني تفسيره ، فإنه قد قرأه البر والفاجر . ابن عباس
وأخرج عن ابن أبي حاتم : أبي الدرداء يؤتي الحكمة قال : قراءة القرآن والفكرة فيه .
وأخرج مثله ، عن ابن جرير مجاهد ، وأبي العالية ، وقتادة .
وقال تعالى : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [ العنكبوت : 43 ] . أخرج عن ابن أبي حاتم ، قال : ما مررت بآية في كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنتني ، لأني سمعت الله يقول : عمرو بن مرة ، وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .
وأخرج أبو عبيد ، عن الحسن قال : ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن تعلم فيم أنزلت وما أراد بها .
وأخرج في فضائل القرآن من طريق أبو ذر الهروي عن سعيد بن جبير ، قال : الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره ، كالأعرابي يهذ الشعر هذا . ابن عباس
وأخرج البيهقي وغيره من حديث مرفوعا : أبي هريرة أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه .
[ ص: 432 ] وأخرج عن ابن الأنباري ، قال : لأن أعرب آية من القرآن أحب إلي من أن أحفظ آية . أبي بكر الصديق
وأخرج أيضا عن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو أني أعلم إذا سافرت أربعين ليلة أعربت آية من كتاب الله لفعلت . عبد الله بن بريدة
وأخرج أيضا من طريق الشعبي ، قال : قال عمر : من قرأ القرآن فأعربه ، كان له عند الله أجر شهيد .
قلت : معنى هذه الآثار عندي إرادة البيان والتفسير ، لأن إطلاق الإعراب على الحكم النحوي اصطلاح حادث ، ولأنه كان في سليقتهم لا يحتاجون إلى تعلمه .
ثم رأيت ابن النقيب جنح إلى ما ذكرته ، وقال : ويجوز أن يكون المراد الإعراب الصناعي ، وفيه بعد .
وقد يستدل له بما أخرجه في الطيوريات من حديث السلفي مرفوعا : ابن عمر أعربوا القرآن يدلكم على تأويله وقد أجمع العلماء أن التفسير من فروض الكفايات ، وأجل العلوم الثلاثة الشرعية .
قال الأصبهاني : أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان . بيان ذلك أن شرف الصناعة إما بشرف موضوعها مثل الصياغة ، فإنها أشرف من الدباغة ، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة ، وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة . وإما بشرف غرضها مثل صناعة الطب ، فإنها أشرف من صناعة الكناسة ، لأن غرض الطب إفادة الصحة ، وغرض الكناسة تنظيف المستراح . تفسير القرآن
وإما لشدة الحاجة إليها كالفقه ، فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب ، إذ ما من واقعة في الكون في أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه ، لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين ، بخلاف الطب فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات . إذا عرف ذلك من الجهات الثلاث . فصناعة التفسير قد حازت الشرف
أما من جهة الموضوع فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة ، [ ص: 433 ] ومعدن كل فضيلة ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، لا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه .
وأما من جهة الغرض : فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى ، والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى .
وأما من جهة شدة الحاجة : فلأن كل كمال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي ، مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى .