فصل قسمان : ظاهر مصرح به ، وكامن لا ذكر للمثل فيه . أمثال القرآن
[ ص: 273 ] فمن أمثلة الأول مثلهم كمثل الذي استوقد نارا [ البقرة : 17 - 20 ] . الآيات ضرب فيها للمنافقين مثلين : مثلا بالنار ومثلا بالمطر . قوله تعالى :
أخرج وغيره من طريق ابن أبي حاتم علي بن أبي طلحة ، عن قال : هذا مثل ضربه الله للمنافقين كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء ، فلما ماتوا سلبهم الله العز كما سلب صاحب النار ضوءه ابن عباس وتركهم في ظلمات يقول : في عذاب أو كصيب هو المطر ضرب مثله في القرآن فيه ظلمات يقول : ابتلاء ورعد وبرق تخويف يكاد البرق يخطف أبصارهم يقول : يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين كلما أضاء لهم مشوا فيه [ البقرة : 19 - 20 ] . يقول : كلما أصاب المنافقون في الإسلام عزا اطمأنوا ، فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله : ومن الناس من يعبد الله على حرف [ الحج : 11 ] . الآية .
ومنها أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها [ الرعد : 17 ] . الآية . قوله تعالى :
أخرج من طريق ابن أبي حاتم علي ، عن قال : هذا مثل ضربه الله ، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها ، ابن عباس فأما الزبد فيذهب جفاء . وهو الشك وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض [ الرعد : 17 ] . وهو اليقين كما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النار ، كذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك .
وأخرج عن عطاء قال : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر .
وأخرج عن قتادة قال : هذه ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد ، يقول : كما اضمحل هذا الزبد فصار جفاء لا ينتفع به ، ولا ترجى بركته كذلك يضمحل الباطل عن أهله ، وكما مكث هذا الماء في الأرض فأمرعت وربت بركته ، وأخرجت نباتها ، وكذلك الذهب والفضة حين أدخل النار فأذهب خبثه ، كذلك يبقى الحق لأهله ، وكما اضمحل خبث هذا الذهب والفضة حين أدخل في النار كذلك يضمحل الباطل عن أهله .
ومنها والبلد الطيب [ الأعراف : 85 ] . الآية ، أخرج قوله تعالى : من طريق ابن أبي حاتم علي عن قال : هذا مثل ضربه الله للمؤمن يقول : هو طيب وعمله طيب كما أن البلد الطيب ثمرها طيب ، والذي خبث ضرب مثلا للكافر كالبلد السبخة المالحة والكافر هو الخبيث وعمله خبيث . ابن عباس
[ ص: 274 ] ومنها أيود أحدكم أن تكون له جنة الآية [ البقرة : 226 ] . قوله تعالى :
أخرج عن البخاري قال : قال ابن عباس يوما لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فيمن ترون هذه الآية نزلت : عمر بن الخطاب أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب قالوا : الله أعلم . فغضب عمر فقال : قولوا نعلم أو لا نعلم . فقال : في نفسي منها شيء فقال : يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك ، قال ابن عباس : ضربت مثلا لعمل قال ابن عباس عمر : أي عمل ؟ قال : لرجل غني عمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله . ابن عباس
وأما الكامنة ، فقال الماوردي : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول : سمعت أبي يقول : سألت فقلت : إنك تخرج الحسين بن الفضل ، فهل تجد في كتاب الله : ( أمثال العرب والعجم من القرآن ) قال : نعم في أربعة مواضع قوله تعالى : خير الأمور أوساطها لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك [ البقرة : 68 ] . وقوله تعالى والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما [ الفرقان : 67 ] . وقوله تعالى : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط [ الإسراء : 29 ] . وقوله تعالى : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا [ الإسراء : 110 ] .
قلت : فهل تجد في كتاب الله ( ) قال : نعم في موضعين من جهل شيئا عاداه بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه [ يونس : 39 ] . و وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم [ الأحقاف : 11 ] . قلت : فهل تجد في كتاب الله : ( احذر شر من أحسنت إليه ) قال : نعم وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله [ التوبة : 74 ] . قلت : فهل تجد في كتاب الله : ( ليس الخبر كالعيان ) قال في قوله تعالى : أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي [ البقرة : 260 ] . قلت فهل تجد : ( ) قال : في قوله تعالى : في الحركات البركات ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة [ النساء : 100 ] . قلت : فهل تجد : ( ) قال : في قوله تعالى : كما تدين تدان من يعمل سوءا يجز به [ النساء : 123 ] .
[ ص: 275 ] قلت : فهل تجد فيه قولهم : ( قال : حين تقلي تدري ) وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا [ الفرقان : 42 ] . قلت : فهل تجد فيه : قال : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل [ يوسف : 64 ] . قلت : فهل تجد فيه : قال : من أعان ظالما سلط عليه كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير [ الحج : 4 ] . قلت : فهل تجد فيه قولهم : قال : قال تعالى : لا تلد الحية إلا حية ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا [ نوح : 27 ] . قلت : فهل تجد فيه : قال : للحيطان آذان وفيكم سماعون لهم [ التوبة : 47 ] . قلت : فهل تجد فيه : قال : الجاهل مرزوق والعالم محروم من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا [ مريم : 75 ] . قلت : فهل تجد فيه : قال : الحلال لا يأتيك إلا قوتا والحرام لا يأتيك إلا جزافا إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم [ الأعراف : 163 ] .