فصل
، وهو بمعنى الاستخبار . من أقسام الإنشاء الاستفهام ، وهو طلب الفهم
وقيل : الاستخبار ما سبق أولا ، ولم يفهم حق الفهم ، فإذا سألت عنه ثانيا كان استفهاما ، حكاه ابن فارس في فقه اللغة ، وأدواته : الهمزة ، وهل ، وما ، ومن ، وأي ، وكم ، وكيف ، وأين ، وأنى ، ومتى ، وأيان . ومرت في الأدوات .
وقال ابن مالك في المصباح : وما عدا الهمزة نائب عنها ، ولكونه طلب ارتسام صورة ما في الخارج في الذهن ، لزم أن لا يكون حقيقة إلا إذا صدر من شاك مصدق بإمكان الإعلام ، فإن غير الشاك إذا استفهم يلزم منه تحصيل الحاصل ، وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت عنه فائدة الاستفهام .
وقال بعض الأئمة : وما جاء في القرآن على لفظ الاستفهام فإنما يقع في خطاب الله على معنى أن المخاطب عنده علم ذلك الإثبات أو النفي حاصل .
وقد تستعمل صيغة الاستفهام في غيره مجازا ، وألف في ذلك العلامة شمس الدين بن الصائغ كتابا سماه " روض الأفهام في أقسام الاستفهام " قال فيه : قد توسعت العرب فأخرجت الاستفهام عن حقيقته لمعان ، أو أشربته تلك المعاني ، ولا يختص التجوز في ذلك بالهمزة ، خلافا للصفار .
الأول : الإنكار : والمعنى فيه على النفي وما بعده منفي ؛ ولذلك تصحبه ( إلا ) كقوله : فهل يهلك إلا القوم الفاسقون [ الأحقاف : 35 ] .
وهل نجازي إلا الكفور [ سبإ : 17 ] ، وعطف على المنفي في قوله : فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين [ الروم : 29 ] ؛ أي : لا يهدي ، ومنه : أنؤمن لك واتبعك الأرذلون [ الشعراء : 111 ] ، أنؤمن لبشرين مثلنا [ المؤمنون : 47 ] ؛ أي : لا نؤمن أم له البنات ولكم البنون [ الطور : 39 ] ، ألكم الذكر وله الأنثى [ النجم : 21 ] ؛ أي : لا يكون هذا . أشهدوا خلقهم [ الزخرف : 19 ] ؛ أي : ما شهدوا ذلك .
[ ص: 139 ] وكثيرا ما يصحبه التكذيب ، وهو في الماضي بمعنى لم يكن ، وفي المستقبل بمعنى لا يكون ، نحو : أفأصفاكم ربكم بالبنين [ الإسراء : 40 ] ؛ أي : لم يفعل ذلك . أنلزمكموها وأنتم لها كارهون [ هود : 28 ] ؛ أي : لا يكون هذا الإلزام .
الثاني : التوبيخ : وجعله بعضهم من قبيل الإنكار ، إلا أن الأول إنكار إبطال ، وهذا إنكار توبيخ ، والمعنى على أن ما بعده واقع جدير بأن ينفى ، فالنفي هنا غير قصدي والإثبات قصدي ، عكس ما تقدم ، ويعبر عن ذلك بالتقريع أيضا ، نحو : أفعصيت أمري [ طه : 93 ] ، أتعبدون ما تنحتون [ الصافات : 95 ] ، أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين [ الصافات : 125 ] ، وأكثر ما يقع التوبيخ في أمر ثابت ، ووبخ على فعله كما ذكر ، ويقع على ترك فعل كان ينبغي أن يقع كقوله : أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر [ فاطر : 37 ] ، ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها [ النساء : 97 ] .
الثالث : التقرير : وهو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده .
قال : ولا يستعمل ذلك ب ( هل ) كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام . ابن جني
وقال الكندي : ذهب كثير من العلماء في قوله : هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم [ الشعراء : 72 ، 73 ] ، إلى أن ( هل ) تشارك الهمزة في معنى التقرير أو التوبيخ ، إلا أني رأيت أبا علي أبى ذلك ، وهو معذور ؛ لأن ذلك من قبيل الإنكار .
ونقل أبو حيان عن أن استفهام التقرير لا يكون ب ( هل ) إنما يستعمل فيه الهمزة ، ثم نقل عن بعضهم أن ( هل ) تأتي تقريرا كما في قوله تعالى : سيبويه هل في ذلك قسم لذي حجر [ الفجر : 5 ] ، والكلام مع التقرير موجب ، ولذلك يعطف عليه صريح الموجب ، ويعطف على صريح الموجب .
فالأول : كقوله تعالى : ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك [ الشرح : 1 ، 2 ] ، ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى [ الضحى : 6 ، 7 ] ، ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل [ الفيل : 2 ، 3 ] .
[ ص: 140 ] والثاني : نحو : أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما [ النمل : 84 ] ، على ما قرره الجرجاني من جعلها مثل : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [ النمل : 14 ] .
وحقيقة استفهام التقرير أنه استفهام إنكار ، والإنكار نفي ، وقد دخل على النفي ، ونفي النفي إثبات ، ومن أمثلته : أليس الله بكاف عبده [ الزمر : 36 ] ، ألست بربكم [ الأعراف : 172 ] ، وجعل منه : الزمخشري ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير [ البقرة : 106 ] .
الرابع : التعجب أو التعجيب : نحو : كيف تكفرون بالله [ البقرة : 28 ] ، ما لي لا أرى الهدهد [ النمل : 20 ] ، وقد اجتمع هذا القسم وسابقاه في قوله : أتأمرون الناس بالبر [ البقرة : 44 ] ، قال : الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجب من حالهم . الزمخشري
ويحتمل التعجب والاستفهام الحقيقي : ما ولاهم عن قبلتهم [ البقرة : 142 ] .
الخامس : العتاب : كقوله : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله [ الحديد : 16 ] ، قال : ما كان بين إسلامهم وبين أن عوتبوا بهذه الآية إلا أربع سنين . أخرجه ابن مسعود الحاكم .
ومن ألطفه ما عاتب الله به خير خلقه بقوله : عفا الله عنك لم أذنت لهم [ التوبة : 43 ] ، ولم يتأدب بأدب الله في هذه الآية على عادته في سوء الأدب . الزمخشري
[ ص: 141 ] السادس : التذكير : وفيه نوع اختصار ، كقوله : ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا [ يس : 60 ] ، ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض [ البقرة : 33 ] ، هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه [ يوسف : 89 ] .
السابع : الافتخار : نحو : أليس لي ملك مصر [ الزخرف : 51 ] .
الثامن : التفخيم : نحو : مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها [ الكهف : 49 ] .
التاسع : التهويل والتخويف : نحو : الحاقة ما الحاقة ، القارعة ما القارعة .
العاشر : عكسه ؛ وهو التسهيل والتخفيف ، نحو : وماذا عليهم لو آمنوا [ النساء : 39 ] .
الحادي عشر : التهديد والوعيد ، نحو : ألم نهلك الأولين [ المرسلات : 16 ] .
الثاني عشر : التكثير : نحو : وكم من قرية أهلكناها [ الأعراف : 4 ] .
الثالث عشر : التسوية ؛ وهو الاستفهام الداخل على جملة يصح حلول المصدر محلها ، نحو : سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم [ البقرة : 6 ] .
الرابع عشر : الأمر : نحو : أأسلمتم [ آل عمران : 20 ] ؛ أي : أسلموا فهل أنتم منتهون [ المائدة : 91 ] ؛ أي : انتهوا . أتصبرون [ الفرقان : 20 ] ؛ أي : اصبروا .
الخامس عشر : التنبيه ؛ وهو من أقسام الأمر ، نحو : ألم تر إلى ربك كيف مد الظل [ الفرقان : 45 ] ؛ أي : انظر . ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة [ الحج : 63 ] ، ذكره صاحب الكشاف عن سيبويه ؛ ولذلك رفع الفعل في جوابه ، وجعل منه قوله : فأين تذهبون [ التكوير : 26 ] ، للتنبيه على الضلال ، وكذا : ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه [ البقرة : 130 ] .
السادس عشر : الترغيب ، نحو : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا [ البقرة : 245 ] ، هل أدلكم على تجارة تنجيكم [ الصف : 10 ] .
[ ص: 142 ] السابع عشر : النهي : نحو : أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه [ التوبة : 13 ] ، بدليل : فلا تخشوا الناس واخشون [ المائدة : 44 ] ، ما غرك بربك الكريم [ الانفطار : 6 ] ؛ أي : لا تغتر .
الثامن عشر : الدعاء ؛ وهو كالنهي إلا أنه من الأدنى إلى الأعلى ، نحو : أتهلكنا بما فعل السفهاء [ الأعراف : 155 ] ؛ أي : لا تهلكنا .
التاسع عشر : الاسترشاد : نحو : أتجعل فيها من يفسد فيها [ البقرة : 30 ] .
العشرون : التمني ، نحو : فهل لنا من شفعاء [ الأعراف : 53 ] .
الحادي والعشرون : الاستبطاء : نحو : متى نصر الله [ البقرة : 214 ] .
الثاني والعشرون : العرض ألا تحبون أن يغفر الله لكم [ النور : 22 ] .
الثالث والعشرون : التحضيض : نحو : ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم [ التوبة : 13 ] .
الرابع والعشرون : التجاهل : نحو : أؤنزل عليه الذكر من بيننا [ ص : 8 ] .
الخامس والعشرون : التعظيم ، نحو : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه [ البقرة : 255 ] .
السادس والعشرون : التحقير : نحو : أهذا الذي يذكر آلهتكم [ الأنبياء : 36 ] ، أهذا الذي بعث الله رسولا [ الفرقان : 41 ] ، ويحتمله وما قبله قراءة ( من فرعون ) [ الدخان : 31 ] .
السابع والعشرون : الاكتفاء : نحو : أليس في جهنم مثوى للمتكبرين [ الزمر : 60 ] .
الثامن والعشرون : الاستبعاد : نحو : وأنى له الذكرى [ الفجر : 23 ] .
التاسع والعشرون : الإيناس : نحو : وما تلك بيمينك ياموسى [ طه : 17 ] .
الثلاثون : التهكم والاستهزاء ، نحو : أصلاتك تأمرك [ هود : 87 ] ، ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون [ الصافات : 91 ، 92 ] .
[ ص: 143 ] الحادي والثلاثون : التأكيد لما سبق من معنى أداة الاستفهام قبله كقوله : أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار [ الزمر : 19 ] ، قال الموفق عبد اللطيف البغدادي : أي : من حق عليه كلمة العذاب فإنك لا تنقذه ، فمن للشرط ، والفاء جواب الشرط ، والهمزة في ( أفأنت ) دخلت معادة مؤكدة لطول الكلام ، وهذا نوع من أنواعها .
وقال : الهمزة الثانية هي الأولى ، كررت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد . الزمخشري
الثاني والثلاثون : الإخبار : نحو : أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا [ النور : 50 ] ، هل أتى على الإنسان [ الإنسان : 1 ] .