[ ص: 474 ] التقسيم الثالث
: ينقسم إلى مفرد ومركب
والمركب أن ينزع من أمور مجموع بعضها إلى بعض ؛ كقوله تعالى : كمثل الحمار يحمل أسفارا ( الجمعة : 5 ) فالتشبيه مركب من أحوال الحمار ؛ وذلك أن حمل الأسفار التي هي أوعية العلم ، وخزائن ثمرة العقول ، ثم لا يحسن ما فيها ، ولا يفرق بينها وبين سائر الأحمال التي ليست من العلم في شيء ، فليس له مما يحمل حظ سوى أنه يثقل عليه ويتعبه .
وقوله : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ( العنكبوت : 41 ) .
وقوله : واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء ( الكهف : 45 ) قال بعضهم : شبه الدنيا بالماء ، ووجه الشبه أمران :
أحدهما : أن الماء إذا أخذت منه فوق حاجتك تضررت ، وإن أخذت قدر الحاجة انتفعت به ، فكذلك الدنيا .
وثانيهما : أن الماء إذا أطبقت كفك عليه لتحفظه لم يحصل فيه شيء ، فكذلك الدنيا ، وليس المراد تشبيهها بالماء وحده ، بل المراد تشبيهه بهجة الدنيا في قلة البقاء والدوام بأنيق النبات الذي يصير بعد تلك البهجة والغضاضة والطراوة إلى ما ذكر .
ومن تشبيه المفرد بالمركب قوله : مثل نوره كمشكاة النور : 35 ) فإنه سبحانه أراد تشبيه نوره الذي يلقيه في قلب المؤمن ، ثم مثله بمصباح ؛ ثم لم يقنع بكل مصباح ؛ بل بمصباح اجتمعت فيه أسباب الإضاءة ؛ بوضعه في مشكاة ؛ وهي الطاقة غير النافذة ؛ وكونها لا تنفذ لتكون أجمع للتبصر ، وقد جعل فيها مصباح في داخل زجاجة ، فيه الكوكب الدري في صفائها ، ودهن المصباح من أصفى الأدهان وأقواها وقودا ؛ لأنه من زيت شجر في أوسط الزجاج لا شرقية ولا غربية فلا تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار بل تصيبها أعدل إصابة .
[ ص: 475 ] وهذا مثل ضربه الله للمؤمن ، ثم ضرب للكافر مثلين : أحدهما : كسراب بقيعة ( النور : 39 ) والثاني كظلمات في بحر لجي ( النور : 40 ) شبه في الأول ما يعلمه من لا يقدر الإيمان المعتبر بالأعمال التي يحسبها بقيعة ، ثم يخيب أمله ، بسراب يراه الكافر بالمشاهدة ، وقد غلبه عطش يوم القيامة ، فيجيئه فلا يجده ماء ، ويجد زبانية الله عنده ، فيأخذونه فيلقونه إلى جهنم .