وفيه مباحث :
الأول : في حقيقته
وهو نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب آخر ؛ تطرية واستدرارا للسامع ، وتجديدا لنشاطه ، وصيانة لخاطره من الملال والضجر بدوام الأسلوب الواحد على سمعه ، كما قيل :
لا يصلح النفس إن كانت مصرفة إلا التنقل من حال إلى حال
قال حازم في " منهاج البلغاء " وهم يسأمون الاستمرار على ضمير متكلم أو ضمير مخاطب ، فينتقلون من الخطاب إلى الغيبة ، وكذلك أيضا يتلاعب المتكلم بضميره ، فتارة يجعله ياء على جهة الإخبار عن نفسه ، وتارة يجعله كافا أو تاء ، فيجعل نفسه مخاطبا ، وتارة يجعله هاء فيقيم نفسه مقام الغائب ، فلذلك كان الكلام المتوالي فيه ضمير المتكلم والمخاطب لا يستطاب ؛ وإنما يحسن الانتقال من بعضها إلى بعض ، وهو نقل معنوي لا [ ص: 381 ] لفظي ، وشرطه أن يكون الضمير في المتنقل إليه عائدا في نفس الأمر إلى الملتفت عنه ؛ ليخرج نحو : أكرم زيدا وأحسن إليه ، فضمير " أنت " الذي هو في ( أكرم ) غير الضمير في " إليه " .واعلم أن للتكلم والخطاب والغيبة مقامات ، والمشهور أن الالتفات هو الانتقال من أحدها إلى الآخر بعد التعبير بالأول .
وقال السكاكي : إما ذلك وإما التعبير بأحدهما فيما حقه التعبير بغيره .