: إن ، وأن ، ولا ، وما ، ومن ، والباء ، واللام ، بمعنى أنها تأتي في بعض الموارد زائدة ; لا أنها لازمة للزيادة . وحروف الزيادة سبعة
ثم ليس المراد حصر الزوائد فيها ، فقد زادوا الكاف وغيرها ; بل المراد أن الأكثر في الزيادة أن تكون بها .
[ ص: 152 ] فأما ( إن ) الخفيفة فتطرد زيادتها مع ما النافية ، كقول امرئ القيس :
حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموا فما إن من حديث ولا صال
أي : فما حديث ، فزاد " إن " للتوكيد ، قال الفراء : إن الخفيفة زائدة فجمعوا بينها وبين ما النافية ; تأكيدا للنفي ، فهو بمنزلة تكرارها ، فهو عند الفراء من التأكيد اللفظي ، وعند من التأكيد المعنوي . سيبويهوقيل : قوله تعالى : ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ( الأحقاف : 26 ) أنها زائدة .
وقيل : نافية ; والأصل " في الذي ما مكناكم فيه " بدليل : مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ( الأنعام : 6 ) وكأنه إنما عدل عن " ما " لئلا تتكرر فيثقل اللفظ .
ووهم حيث زعم أنها تزاد بعد " لما " الإيجابية ; وإنما تلك في " أن " المفتوحة . ابن الحاجب ;
وأما أن المفتوحة فتزاد بعد لما الظرفية ، كقوله تعالى : ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم ( العنكبوت : 33 ) ، وإنما حكموا بزيادتها لأن لما ظرف زمان ومعناها وجود الشيء لوجود غيره ، وظروف الزمان غير المتمكنة لا تضاف إلى المفرد ، و " أن " المفتوحة تجعل الفعل بعدها في تأويل المفرد ، فلم تبق " لما " مضافة إلى الجمل ; فلذلك حكم بزيادتها .
وجعل الأخفش من زيادتها قوله تعالى : وما لنا ألا نتوكل على الله ( إبراهيم : 12 ) ، [ ص: 153 ] وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله ( البقرة : 246 ) ، وقيل : بل هي مصدرية ، والأصل : " وما لنا في ألا نفعل كذا " فليست زائدة ; لأنها عملت النصب في المضارع .
وأما " ما " فتزاد بعد خمس كلمات من حروف الجر ; فتزاد بعد " من " و " عن " غير كافة لهما عن العمل ، وتزاد بعد الكاف ، ورب ، والباء ، كافة تارة وغير كافة أخرى .
فأما الكافة إما أن تكف عن عمل النصب والرفع ، وهي المتصلة بإن وأخواتها ، نحو : إنما الله إله واحد ( النساء : 171 ) كأنما يساقون إلى الموت ( الأنفال : 6 ) وجعلوا منها إنما يخشى الله من عباده العلماء ( فاطر : 28 ) ويحتمل أن تكون موصولة بمعنى " الذي " و " العلماء " خبر ، والعائد مستتر في يخشى ، وأطلقت " ما " على جماعة العقلاء ، كما في قوله تعالى : أو ما ملكت أيمانكم ( النساء : 3 ) .
وإما أن تكف عن عمل الجر ; كقوله تعالى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ( الأعراف : 138 ) ، وقيل : بل موصولة ; أي : " كالذي هو لهم آلهة " .
وغير الكافة تقع بعد الجازم ; نحو : وإما ينزغنك ( الأعراف : 200 ) ، أيا ما تدعوا ( الإسراء : 110 ) ، أينما تكونوا ( النساء : 78 ) .
وبعد الخافض حرفا كان نحو : فبما رحمة من الله ( آل عمران : 159 ) فبما نقضهم ميثاقهم ( المائدة : 13 ) ، عما قليل ( المؤمنون : 40 ) ، مما خطيئاتهم ( نوح : 25 ) ، أو اسما ، نحو : أيما الأجلين قضيت ( القصص : 28 ) .
وتزاد بعد أداة الشرط ; جازمة كانت ، نحو : أينما تكونوا يدرككم الموت ( النساء : 78 ) أو غير جازمة نحو : حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم ( فصلت : 20 ) .
[ ص: 154 ] وبين المتبوع وتابعه ; نحو : مثلا ما بعوضة ( البقرة : 26 ) ، قال : " ما " حرف زائد للتوكيد عند جميع الزجاج البصريين " .
انتهى .
ويؤيده سقوطها في قراءة و " بعوضة " بدل ، وقيل : " ما " اسم نكرة صفة لـ " مثلا " ، أو بدل و " بعوضة " عطف بيان . ابن مسعود
وقيل : في قوله : فقليلا ما يؤمنون ( البقرة : 88 ) بأنها زائدة لمجرد تقوية الكلام ; نحو : فبما رحمة ( آل عمران : 159 ) وقليلا في معنى النفي ، أو لإفادة التقليل كما في نحو أكلت أكلا ما ، وعلى هذا فيكون " فقليلا بعد قليل .
" وأما " لا " فتزاد مع الواو بعد النفي ، كقوله تعالى : ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ( فصلت : 34 ) ; لأن " استوى " من الأفعال التي تطلب اسمين ; أي : لا تليق بفاعل واحد ; نحو : " اختصم " ، فعلم أن " لا " زائدة ، وقيل : دخلت في السيئة لتحقق أنه لا تساوي الحسنة السيئة ولا السيئة الحسنة .
وتزاد بعد " أن " المصدرية كقوله : لئلا يعلم أهل الكتاب ( الحديد : 29 ) أي : ليعلم ; ولولا تقدير الزيادة لانعكس المعنى ، فزيدت " لا " لتوكيد النفي .
قاله . ابن جني
واعترضه ابن ملكون : " بأنه ليس هناك نفي حتى تكون هي مؤكدة له " ورد عليه : " بأن هنا ما معناه النفي " وهو ما وقع عليه العلم من قوله : الشلوبين ألا يقدرون على شيء ( الحديد : 29 ) [ ص: 155 ] ويكون هذا من وقوع النفي على العلم ، والمراد ما وقع عليه العلم ; كقوله : " ما علمت أحدا يقول ذلك إلا زيدا " فأبدلت من الضمير الذي في " يقول " ما بعد " إلا " وإن كان البدل لا يكون إلا في النفي ، فكما كان النفي هنا واقعا على العلم وحكم لما وقع عليه العلم بحكمه ، كذلك يكون تأكيد النفي أيضا على ما وقع عليه العلم ، ويحكم للعلم بحكم النفي ، فيدخل على العلم توكيد النفي ، والمراد تأكيد نفي ما دخل عليه العلم .
وإذا كانوا قد زادوا " لا " في الموجب المعنى لما توجه عليه فعل منفي في المعنى ; كقوله تعالى : ما منعك ألا تسجد ( الأعراف : 12 ) المعنى " أن تسجد " فزاد " لا " تأكيدا للنفي المعنوي الذي تضمنه " منعك " ، فكذلك تزاد لا في العلم الموجب ; توكيدا للنفي الذي تضمنه الموجه عليه .
قال : وأما زيادة لا في قوله : الشلوبين لئلا يعلم أهل الكتاب ( الحديد : 29 ) فشيء متفق عليه ، وقد نص عليه ولا يمكن أن تحمل الآية إلا على زيادة ( لا ) فيها ; لأن ما قبله من الكلام وما بعده يقتضيه . سيبويه ،
ويدل عليه قراءة ابن عباس وعاصم والحميدي : ( ليعلم أهل الكتاب ) وقرأ ابن مسعود : ( لكي يعلم ) وهاتان القراءتان تفسير لزيادتها ، وسبب النزول يدل على ذلك أيضا ، وهو أن المشركين كانوا يقولون : إن الأنبياء منا ، وكفروا مع ذلك بهم ; فأنزل الله تعالى : وابن جبير لئلا يعلم أهل الكتاب ( الحديد : 29 ) الآية .
[ ص: 156 ] ومنه ما منعك ألا تسجد ( الأعراف : 12 ) بدليل الآية الأخرى : ما منعك أن تسجد ( ص : 75 ) ، وليس المعنى : ما منعك من ترك السجود ؟ فإنه ترك ، فلا يستقيم التوبيخ عليه .
وقيل : ليست بزائدة من وجهين : أحدهما : أن التقدير ما دعاك إلى ألا تسجد ; لأن الصارف عن الشيء داع إلى تركه ، فيشتركان في كونهما من أسباب عدم الفعل .
الثاني : أن التقدير ما منعك من ألا تسجد ، وهذا أقرب مما قبله ; لأن فيه إبقاء المنع على أصله ، وعدم زيادتها أولى ; لأن حذف حرف الجر مع " أن " كثير كثرة لا تصل إلى المجاز والزيادة في درجته .
قالوا : وفائدة زيادتها تأكيد الإثبات ; فإن وضع " لا " نفي ما دخلت عليه ، فهي معارضة للإثبات ، ولا يخفى أن حصول الحكم مع المعارض أثبت مما إذا لم يعترضه المعارض ، أو أسقط معنى ما كان من شأنه أن يسقط .
ومنه : ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني ( طه : 92 - 93 ) .
وقيل : وقد تزاد قبل القسم نحو : فلا أقسم برب المشارق والمغارب ( المعارج : 40 ) فلا أقسم بمواقع النجوم ( الواقعة : 75 ) لا أقسم بيوم القيامة ( القيامة : 1 ) أي : أقسم بثبوتها .
وضعف في الأخيرة بأنها وقعت صدرا ، بخلاف ما قبلها ، لوقوعها بين الفاء ومعطوفها .
وقيل : زيدت توطئة لنفي الجواب ; أي : لا أقسم بيوم القيامة فلا يتركون سدى .
ورد بقوله تعالى : لا أقسم بهذا البلد ( البلد : 1 ) الآيات ، فإن جوابه مثبت ، وهو : لقد خلقنا الإنسان في كبد ( البلد : 4 ) .
وقيل : غير زائدة .
[ ص: 157 ] وقيل : هي رد لكلام قد تقدم من الكفار ، فإن القرآن كله كالسورة الواحدة ، فيجوز أن يكون الادعاء في سورة والرد عليهم في أخرى ، فيجوز الوقف على " لا " هذه .
واختلف في قوله تعالى : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به ( الأنعام : 151 ) .
فقيل : زائدة ليصح المعنى ; لأن المحرم الشرك .
وقيل : نافية أو ناهية .
وقيل : الكلام تم عند قوله : حرم ربكم ( الأنعام : 151 ) ثم ابتدأ عليكم ألا تشركوا به ( الأنعام : 151 ) .
وقوله تعالى : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( الأنعام : 109 ) فيمن فتح الهمزة فقيل : " لا " زائدة ، وإلا لكان عذرا للكفار .
ورده بأنها نافية في قراءة الكسر ، فيجب ذلك في قراءة الفتح . الزجاج
وقيل : نافية ، وحذف المعطوف ; أي : وأنهم يؤمنون .
وقوله تعالى : وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ( الأنبياء : 95 ) .
وقيل : " لا " زائدة ، والمنع ممتنع على أهل قرية قدرنا إهلاكهم لكفرهم أنهم لا يرجعون عن الكفر إلى قيام الساعة .
وعلى هذا فـ " حرام " خبر مقدم وجوبا ; لأن المخبر عنه " أن وصلتها " .
وقوله تعالى : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ( آل عمران : 79 - 80 ) [ ص: 158 ] على قراءة من نصب ( يأمركم ) عطفا على ( يؤتيه ) فـ " لا " زائدة مؤكدة لمعنى النفي السابق .
وقيل : عطف على ( يقول ) والمعنى : ما كان لبشر أن ينصبه الله للدعاء إلى عبادته وترك الأنداد ، ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادا له ، ويأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا .
وقيل : ليست زائدة ; لأنه عليه الصلاة والسلام كان ينهى قريشا عن عبادة الملائكة ، وأهل الكتاب عن عبادة عزير وعيسى ، فلما قالوا له : أنتخذك ربا ؟ قيل لهم : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة ثم يأمر الناس بعبادته وينهاهم عن عبادة الملائكة والأنبياء .
وأما " من " فإنها تزاد في الكلام الوارد بعد نفي أو شبهه ; نحو : وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ( الأنعام : 59 ) ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ( الملك : 3 ) ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ( المؤمنون : 271 ) .
وجوز الأخفش زيادتها مطلقا محتجا بنحو قوله تعالى : ولقد جاءك من نبإ المرسلين ( الأنعام : 34 ) يغفر لكم من ذنوبكم ( نوح : 4 ) يحلون فيها من أساور من ذهب ( الحج : 23 ، الكهف : 31 ) ويكفر عنكم من سيئاتكم ( البقرة : 271 ) .
وأما ما في نحو قوله تعالى : فبما رحمة من الله لنت لهم ( آل عمران : 159 ) وقوله : فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ( المائدة : 13 ) فـ " ما " في هذين الموضعين زائدة ، إلا أن فيها فائدة جليلة ، وهي أنه لو قال : " فبرحمة من الله لنت لهم وبنقضهم لعناهم " جوزنا أن اللين واللعن كانا للسببين المذكورين ولغير ذلك ، فلما أدخل ( ما ) في الموضوعين قطعنا بأن اللين لم يكن إلا للرحمة ، وأن اللعن لم يكن إلا لأجل نقض الميثاق .
وأما الباء فتزاد في الفاعل ; نحو : " كفى بالله " ، أي : كفى الله ، ونحو : " أحسن بزيد " إلا أنها في التعجب لازمة ، ويجوز حذفها في فاعل كفى بالله شهيدا ( الرعد : 43 ) وكفى بنا حاسبين ( الأنبياء : 47 ) [ ص: 159 ] وإنما هو " كفى الله " و " كفانا " .
وقال : " دخلت لتضمن " كفى " معنى اكتفى ; وهو حسن " . الزجاج
وفي المفعول نحو : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( البقرة : 195 ) ; لأن الفعل يتعدى بنفسه بدليل قوله : وألقينا فيها رواسي ( الحجر : 19 ) ونحو : وهزي إليك بجذع النخلة ( مريم : 25 ) ألم يعلم بأن الله يرى ( العلق : 14 ) فليمدد بسبب إلى السماء ( الحج : 15 ) ، ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ( الحج : 25 ) فطفق مسحا بالسوق والأعناق ( ص : 33 ) أي : يمسح السوق مسحا .
وقيل في الأول : ضمن " تلقوا " معنى " تفضوا " .
وقيل : المعنى : لا تلقوا أنفسكم بسبب أيديكم ; كما يقال : لا تفسد أمرك برأيك .
وقيل : في قوله تعالى : تنبت بالدهن ( المؤمنون : 20 ) إن الباء زائدة ; والمراد : تنبت الدهن .
وفي المبتدأ ، وهو قليل ; ومنه عند سيبويه : بأييكم المفتون ( ن : 6 ) .
وقال أبو الحسن : " ( بأيكم ) متعلق باستقرار محذوف مخبر عنه بالمفتون ، ثم اختلف فقيل : ( المفتون ) مصدر بمعنى الفتنة ، وقيل : الباء ظرفية ، أي : ( في أيكم الجنون ) .
وفي خبر المبتدأ نحو : جزاء سيئة بمثلها ( يونس : 27 ) وقال أبو الحسن : " الباء زائدة " بدليل قوله في موضع آخر : وجزاء سيئة سيئة مثلها ( الشورى : 40 ) .
وفي خبر ليس ; كقوله تعالى : أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ( القيامة : 40 ) أليس الله بكاف عبده ( الزمر : 36 ) .
[ ص: 160 ] وقال ابن عصفور في " المقرب " : وتزاد في نادر كلام لا يقاس عليه ، كقوله تعالى : بقادر على أن يحيي الموتى ( القيامة : 40 ) انتهى .
ومراده الآية التي أولها : أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر ( الأحقاف : 33 ) ولذا صرح به ابن أبي الربيع في القراءتين .
ويدل على الزيادة الآية التي في الإسراء : أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه ( الآية : 99 ) .
وزعم ابن النحاس أنه أراد الآية الأولى ; أعني قوله : أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ( القيامة : 40 ) فاعتذر عنه بأنه إنما قال ذلك ، وإن كان في خبر ليس ; لأن " ليس " هنا بدخول الهمزة عليها لم يبق معناها من النفي ، فصار الكلام تقريرا ، ويعني بقوله : " في نادر " في القياس لا في الاستعمال .
وأما اللام فتزاد معترضة بين الفعل ومفعوله ; كقوله :
وملكت ما بين العراق ويثرب ملكا أجار لمسلم ومعاهد
واختلف في قوله تعالى : يريد الله ليبين لكم ويهديكم ( النساء : 26 ) وأمرنا لنسلم لرب العالمين ( الأنعام : 71 ) فقيل : زائدة ، وقيل : للتعليل ، والمفعول محذوف ; أي : يريد الله التبيين وليبين لكم ويهديكم ; أي : فيجمع لكم بين الأمرين .
وقال في قوله تعالى : الزمخشري وأمرت لأن أكون أول المسلمين ( الآية : 12 ) في سورة الزمر : لك أن تجعل اللام مزيدة مثلها في : " أردت لأن أفعل " ولا تزاد إلا مع " أن " خاصة دون الاسم الصريح ، كأنها زيدت عوضا من ترك الأصل إلى ما يقوم مقامه ، كما أتت السين في " أسطاع " - يعني بقطع الهمزة - عوضا من ترك الأصل الذي هو " أطوع " والدليل على هذا مجيئه بغير لام في قوله تعالى : وأمرت لأن أكون أول المسلمين ( الزمر : 12 ) انتهى .
وزيادتها في : " أردت لأن أفعل " لم يذكره أكثر النحويين ; وإنما تعرضوا لها في إعراب : يريد الله ليبين لكم ( النساء : 26 ) .
وتزاد لتقوية العامل الضعيف إما لتأخره نحو : هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ( الأعراف : 154 ) ونحو إن كنتم للرؤيا تعبرون ( يوسف : 43 ) .
أو لكونه فرعا في العمل نحو : مصدقا لما معهم ( البقرة : 91 ) ، فعال لما يريد ( البروج : 16 ) نزاعة للشوى ( المعارج : 16 ) .
[ ص: 162 ] وقيل : منه ( إن هذا عدو لك ولزوجك ) وقيل : بل يتعلق بمستقر محذوف صفة لعدو ، وهي للاختصاص .
وقد اجتمع التأخر والفرعية ، في نحو : وكنا لحكمهم شاهدين ( الأنبياء : 78 ) .
وأما قوله تعالى : نذيرا للبشر ( المدثر : 36 ) ، فإن كان نذيرا بمعنى المنذر فهو مثل : فعال لما يريد ( البروج : 16 ) وإن كان بمعنى الإنذار فاللام مثلها في " سقيا لزيد " .
وقد تجيء اللام للتوكيد بعد النفي ، وتسمى لام الجحود ، وتقع بعد كان مثل : وما كان الله ليعذبهم ( الأنفال : 33 ) اللام لتأكيد النفي ، كالباء الداخلة في خبر ليس ، ومعنى قولهم : " إنها للتأكيد " أنك إذا قلت : " ما كنت أضربك " بغير لام ، جاز أن يكون الضرب مما يجوز كونه : فإذا قلت : " ما كنت لأضربك " فاللام جعلته بمنزلة ما لا يكون أصلا .
وقد تأتي مؤكدة في موضع ، وتحذف في آخر ; لاقتضاء المقام ذلك .
ومن أمثلته قوله تعالى : ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ( المؤمنون : 15 - 16 ) فإنه سبحانه أكد إثبات الموت الذي لا ريب فيه تأكيدين ، وأكد إثبات البعث الذي أنكروه تأكيدا واحدا ، وكان المتبادر العكس ; لأن التأكيد إنما يكون حيث الإنكار لكن في النظم وجوه : أحدها : أن البعث لما قامت البراهين القطعية عليه صار المنكر له كالمنكر للبدهيات ; فلم يحتج إلى تأكيد ، وأما الموت فإنه وإن أقروا به لكن لما لم يعلموا ما بعده نزلوا منزلة من لم يقر به ; فاحتاج إلى تأكيد ذلك ; لأنه قد ينزل المنكر كغير المنكر إذا كان معه ما لو تأمله ارتدع من الإنكار .
ولما ظهر على المخاطبين من التمادي في الغفلة والإعراض عن العمل [ ص: 163 ] لما بعده ، والانهماك في الدنيا ، وهي من أمارات إنكار الموت ، فلهذا قال : " ميتون " ولم يقل : " تموتون " وإنما أكد إثبات البعث الذي أنكروه تأكيدا واحدا ; لظهور أدلته المزيلة للإنكار ، إذا تأملوا فيها ، ولهذا قيل : " تبعثون " على الأصل ، وهو الاستقبال بخلاف تموتون .
الثاني : أن دخول اللام على " ميتون " أحق ; لأنه تعالى يرد على الدهرية القائلين ببقاء النوع الإنساني خلفا عن سلف ، وقد أخبر تعالى عن البعث في مواضع من القرآن وأكده ، وكذب منكره ; كقوله : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ( التغابن : 7 ) قاله الشيخ تاج الدين بن الفركاح .
الثالث : أنه لما كان العطف يقتضي الاشتراك في الحكم استغني به عن إعادة لفظ اللام ; وكأنه قيل : " لتبعثون " ، واستغني بها في الثاني لذكرها في الأول .
الرابع : قال : بولغ في تأكيد الموت ; تنبيها للإنسان أن يكون الموت نصب عينيه ، ولا يغفل عن ترقبه ، فإن مآله إليه ; فكأنه أكدت جملته ثلاث مرات لهذا المعنى ; لأن الإنسان في الدنيا يسعى فيها غاية السعي ; كأنه مخلد ، ولم يؤكد جملة البعث إلا بـ " إن " ; لأنه أبرز بصورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع ، ولا يقبل إنكارا . الزمخشري
[ ص: 164 ] قلت : هذه الأجوبة من جهة المعنى ، وأما الصناعة فتوجب ما جاءت الآية الشريفة عليه ، وهو حذف اللام في ( تبعثون ) ; لأن اللام تخلص المضارع للحال ، فلا يجاء به مع يوم القيامة ; لأنه مستقبل ، ولأن تبعثون عامل في الظرف المستقبل .
وأما قوله : وإن ربك ليحكم بينهم ( النحل : 124 ) فيمكن تأويلها بتقدير عامل .
ونظير هذا آية الواقعة ; وهي قوله سبحانه : لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( الآية : 65 ) وقال سبحانه في الماء : لو نشاء جعلناه أجاجا ( الواقعة : 70 ) بغير لام ، والفرق بينهما من أربعة أوجه .
أحدها : أن صيرورة الماء ملحا أسهل وأكثر من جعل الحرث حطاما ; إذ الماء العذب يمر بالأرض السبخة فيصير ملحا ، فالتوعد به لا يحتاج إلى تأكيد ، وهذا كما أن الإنسان إذا توعد عبده بالضرب بعصا ونحوه لم يحتج إلى توكيد ، وإذا توعد بالقتل احتاج إلى تأكيد .
والثاني : إن جعل الحرث حطاما قلب للمادة والصورة ، وجعل الماء أجاجا قلب للكيفية فقط ، وهو أسهل وأيسر .
الثالث : أن " لو " لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعليق الجزاء بالشرط أتى باللام علما على ذلك ، ثم حذف الثاني للعلم بها ; لأن الشيء إذا علم لم يبال بإسقاطه عن اللفظ ويساوي لشهرته حذفه وإثباته ، مع ما في حذفه من خفة اللفظ ورشاقته ; لأن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة يغني عن ذكرها ثانيا .
الرابع : أن اللام أدخلت في آية المطعوم للدلالة على أنه يقدم على أمر المشروب ، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب ، من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعا للمطعوم ، ولهذا قدمت في آية المطعوم على آية المشروب ، ذكرها والذي قبله . الزمخشري
[ ص: 165 ] ومن ذلك في قوله تعالى : حذف اللام يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ( الأنفال : 1 ) وإثباتها بعد قوله : فأن لله خمسه وللرسول ( الأنفال : 41 ) الآية ، والجواب أنك إذا عطفت على مجرور .