nindex.php?page=treesubj&link=28914وأما مؤكدات الفعلية فأنواع :
أحدها : قد فإنها حرف تحقيق وهو معنى التأكيد ، وإليه أشار
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=101ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ( آل عمران : 101 ) معناه حصل له الهدى لا محالة .
وحكى
الجوهري عن
الخليل أنه لا يؤتى بها في شيء إلا إذا كان السامع متشوقا إلى سماعه ، كقولك لمن يتشوق سماع قدوم زيد : قد قدم زيد ، فإن لم يكن ، لم يحسن المجيء بها ، بل تقول : قام زيد .
وقال بعض النحاة في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=89ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ( الإسراء : 89 ) وفي قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=65ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ( البقرة : 65 ) قد في الجملة الفعلية المجاب بها القسم ، مثل إن واللام في الاسمية المجاب بها في إفادة التأكيد .
وتدخل على الماضي ؛ نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قد أفلح من زكاها ( الشمس : 9 ) .
[ ص: 515 ] والمضارع ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ( الأنعام : 33 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=64قد يعلم ما أنتم عليه ( النور : 64 ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : دخلت قد لتوكيد العلم .
ويرجع ذلك لتوكيد الوعيد ، وبهذا يجاب عن قولهم : إنما تفيد التعليل مع المضارع .
وقال
ابن أبان : تفيد مع المستقبل التعليل في وقوعه أو متعلقه ، فالأولى كقولك : زيد قد يفعل كذا ، وليس ذلك منه بالكثير ، والثاني ؛ كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=64قد يعلم ما أنتم عليه ( النور : 64 ) المعنى - والله أعلم - أقل معلوماته ما أنتم عليه .
ثانيها : السين التي للتنفيس ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=137فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ( البقرة : 137 ) معنى السين أن ذلك كائن لا محالة ، وإن تأخر إلى حين .
وجرى عليه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فقال في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71أولئك سيرحمهم الله ( التوبة : 71 ) السين تفيد وجود الرحمة لا محالة ، فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد ، في قولك : سأنتقم منك يوما ؛ يعني أنك لا تفوتني ، وإن تبطأت ، ونحوه :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=96سيجعل لهم الرحمن ودا ( مريم : 96 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5ولسوف يعطيك ربك فترضى ( الضحى : 5 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=152سوف يؤتيهم أجورهم ( النساء : 152 ) لكن قال في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5ولسوف يعطيك ربك فترضى معنى الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير أن العطاء كائن لا محالة ، وإن تأخر .
وقد اعترض عليه بأن وجود الرحمة مستفاد من الفعل لا من السين ، وبأن الوجوب المشار إليه بقوله : لا محالة لا إشعار للسين به . وأجيب بوجهين :
[ ص: 516 ] أحدهما : أن السين موضوعة للدلالة على الوقوع مع التأخر ، فإذا كان المقام ليس مقام تأخير لكونه بشارة تمحضت لإفادة الوقوع ، وتحقيق الوقوع يصل إلى درجة الوجوب . وفيه نظر لأن ذلك يستفاد من المقام لا من السين .
والثاني : أن السين يحصل بها ترتيب الفائدة ؛ لأنها تفيد أمرين الوعيد والإخبار بطرقه ، وأنه متراخ ، فهو كالإخبار بالشيء مرتين ؛ ولا شك أن الإخبار بالشيء وتعيين طرقه مؤذن بتحققه عند المخبر به .
ثالثا : النون الشديدة وهي بمنزلة ذكر الفعل ثلاث مرات ، وبالخفيفة ، فهي بمنزلة ذكره مرتين .
قيل : وهذان النونان لتأكيد الفعل في مقابلة تأكيد الاسم بأن واللام ؛ ولم يقع في القرآن التأكيد بالخفيفة إلا في موضعين :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=32وليكونن من الصاغرين ( يوسف : 32 ) ، وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لنسفعن بالناصية ( العلق : 15 ) .
ولما لم يتجاوز الثلاثة في تأكيد الأسماء ، فكذلك لم يتجاوزها في تأكيد الأفعال ، قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=17فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ( الطارق : 17 ) لم يزد على ثلاثة : مهل وأمهل ، ورويدا ، كلها بمعنى واحد ، وهن : فعلان ، واسم فعل .
رابعا : ( لن ) لتأكيد النفي كإن في تأكيد الإثبات ، فتقول : لا أبرح ، فإذا أردت تأكيد النفي ، قلت : لن أبرح .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : هي جواب لمن قال : سيفعل ، يعني والسين للتأكيد فجوابها كذلك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : لن تدل على استغراق النفي في الزمن المستقبل ، بخلاف لا وكذا قال في المفصل : لن لتأكيد ما تعطيه ، لا من نفي المستقبل ،
[ ص: 517 ] وبني على ذلك مذهب الاعتزال في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني ( الأعراف : 143 ) قال : هو دليل عن نفي الرؤية في الدنيا والآخرة ؛ وهذا الاستدلال حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين في الشامل عن
المعتزلة ورد عليهم بقوله - تعالى -
لليهود :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94فتمنوا الموت إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95ولن يتمنوه أبدا ( البقرة : 94 و 95 ) ثم أخبر عن عامة الكفرة أنهم يتمنون الآخرة ، فيقولون :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=27ياليتها كانت القاضية ( الحاقة : 27 ) يعني الموت .
ومنهم من قال : لا تنفي الأبد ، ولكن إلى وقت ، بخلاف قول
المعتزلة ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28914النفي بلا أطول من النفي بلن ؛ لأن آخرها ألف ، وهو حرف يطول فيه النفس ، فناسب طول المدة بخلاف لن ، ولذلك قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني ( الأعراف : 143 ) وهو مخصص بدار الدنيا .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار ( الأنعام : 103 ) وهو مستغرق لجميع أزمنة الدنيا والآخرة ، وعلل بأن الألفاظ تشاكل المعاني ، ولذلك اختصت لا بزيادة مدة .
وهذا ألطف من رأي
المعتزلة ، ولهذا أشار
ابن الزملكاني في التبيان بقوله : لا تنفي ما بعد ، ولن تنفي ما قرب ، وبحسن المذهبين أولوا الآيتين : قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95ولن يتمنوه أبدا ( البقرة : 95 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=7ولا يتمنونه أبدا ( الجمعة : 7 ) .
ووجه القول الثاني أن ( لا يتمنونه ) جاء بعد الشرط في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=6إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت ( الجمعة : 6 ) وحرف الشرط يعم كل الأزمنة ،
[ ص: 518 ] فقوبل بـ " لا " ليعمم ما هو جواب له ، أي زعموا ذلك في وقت ما قيل لهم : تمنوا الموت ، وأما
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95ولن يتمنوه ( البقرة : 95 ) فجاء بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة ( البقرة : 94 ) أي إن كانت لكم الدار الآخرة ، فتمنوا الموت الآن ، استعجالا للسكون في دار الكرامة التي أعدها الله لأوليائه وأحبائه . وعلى وفق هذا القول جاء قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني ( الأعراف : 143 ) .
قلت : والحق أن
nindex.php?page=treesubj&link=28914لا ولن لمجرد النفي عن الأفعال المستقبلة ، والتأبيد وعدمه يؤخذان من دليل خارج ، ومن احتج على التأبيد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ( البقرة : 24 ) وبقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73لن يخلقوا ذبابا ( الحج : 73 ) عورض بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فلن أكلم اليوم إنسيا ( مريم : 26 ) ولو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم ، وبقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95ولن يتمنوه أبدا ( البقرة : 95 ) ولو كانت للتأبيد لكان ذكر الأبد تكريرا ، والأصل عدمه ، وبقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=91لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ( طه : 91 ) لا يقال : هي مقيدة فلم تفد التأبيد ، والكلام عند الإطلاق ؛ لأن الخصم يدعي أنها موضوعة لذلك ، فلم تستعمل في غيره . وقد استعملت لا للاستغراق الأبدي في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36لا يقضى عليهم فيموتوا ( فاطر : 36 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255لا تأخذه سنة ولا نوم ( البقرة : 255 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255ولا يئوده حفظهما ( البقرة : 255 ) ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ( الأعراف : 40 ) وغيره مما هو للتأبيد ، وقد استعملت فيه " لا " دون " لن " ؛ فهذا يدل على أنها لمجرد النفي ، والتأبيد يستفاد من دليل آخر .
nindex.php?page=treesubj&link=28914وَأَمَّا مُؤَكِّدَاتُ الْفِعْلِيَّةِ فَأَنْوَاعٌ :
أَحَدُهَا : قَدْ فَإِنَّهَا حَرْفُ تَحْقِيقٍ وَهُوَ مَعْنَى التَّأْكِيدِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=101وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( آلِ عِمْرَانَ : 101 ) مَعْنَاهُ حَصَلَ لَهُ الْهُدَى لَا مَحَالَةَ .
وَحَكَى
الْجَوْهَرِيُّ عَنِ
الْخَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُؤْتَى بِهَا فِي شَيْءٍ إِلَّا إِذَا كَانَ السَّامِعُ مُتَشَوِّقًا إِلَى سَمَاعِهِ ، كَقَوْلِكَ لِمَنْ يَتَشَوَّقُ سَمَاعَ قُدُومِ زَيْدٍ : قَدْ قَدِمَ زَيْدٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ، لَمْ يَحْسُنِ الْمَجِيءُ بِهَا ، بَلْ تَقُولُ : قَامَ زَيْدٌ .
وَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=89وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ( الْإِسْرَاءِ : 89 ) وَفِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=65وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ( الْبَقَرَةِ : 65 ) قَدْ فِي الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا الْقَسَمُ ، مِثْلُ إِنَّ وَاللَّامِ فِي الِاسْمِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا فِي إِفَادَةِ التَّأْكِيدِ .
وَتَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي ؛ نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=9قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ( الشَّمْسِ : 9 ) .
[ ص: 515 ] وَالْمُضَارِعِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ( الْأَنْعَامِ : 33 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=64قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ( النُّورِ : 64 ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : دَخَلَتْ قَدْ لِتَوْكِيدِ الْعِلْمِ .
وَيَرْجِعُ ذَلِكَ لِتَوْكِيدِ الْوَعِيدِ ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : إِنَّمَا تُفِيدُ التَّعْلِيلَ مَعَ الْمُضَارِعِ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبَانٍ : تُفِيدُ مَعَ الْمُسْتَقْبَلِ التَّعْلِيلَ فِي وُقُوعِهِ أَوْ مُتَعَلِّقِهِ ، فَالْأُولَى كَقَوْلِكَ : زَيْدٌ قَدْ يَفْعَلُ كَذَا ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ بِالْكَثِيرِ ، وَالثَّانِي ؛ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=64قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ( النُّورِ : 64 ) الْمَعْنَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَقَلُّ مَعْلُومَاتِهِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ .
ثَانِيهَا : السِّينُ الَّتِي لِلتَّنْفِيسِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=137فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( الْبَقَرَةِ : 137 ) مَعْنَى السِّينِ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ إِلَى حِينٍ .
وَجَرَى عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ( التَّوْبَةِ : 71 ) السِّينُ تُفِيدُ وُجُودَ الرَّحْمَةِ لَا مَحَالَةَ ، فَهِيَ تُؤَكِّدُ الْوَعْدَ كَمَا تُؤَكِّدُ الْوَعِيدَ ، فِي قَوْلِكَ : سَأَنْتَقِمُ مِنْكَ يَوْمًا ؛ يَعْنِي أَنَّكَ لَا تَفُوتَنِي ، وَإِنْ تَبَطَّأْتُ ، وَنَحْوُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=96سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ( مَرْيَمَ : 96 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ( الضُّحَى : 5 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=152سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ( النِّسَاءِ : 152 ) لَكِنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى مَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَ حَرْفَيِ التَّأْكِيدِ وَالتَّأْخِيرِ أَنَّ الْعَطَاءَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ .
وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وُجُودَ الرَّحْمَةِ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْفِعْلِ لَا مِنَ السِّينِ ، وَبِأَنَّ الْوُجُوبَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ : لَا مَحَالَةَ لَا إِشْعَارَ لِلسِّينِ بِهِ . وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ :
[ ص: 516 ] أَحَدُهُمَا : أَنَّ السِّينَ مَوْضُوعَةٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْوُقُوعِ مَعَ التَّأَخُّرِ ، فَإِذَا كَانَ الْمَقَامُ لَيْسَ مَقَامَ تَأْخِيرٍ لِكَوْنِهِ بِشَارَةً تَمَحَّضَتْ لِإِفَادَةِ الْوُقُوعِ ، وَتَحْقِيقِ الْوُقُوعِ يَصِلُ إِلَى دَرَجَةِ الْوُجُوبِ . وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنَ الْمَقَامِ لَا مِنَ السِّينِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ السِّينَ يَحْصُلُ بِهَا تَرْتِيبُ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ أَمْرَيْنِ الْوَعِيدُ وَالْإِخْبَارُ بِطُرُقِهِ ، وَأَنَّهُ مُتَرَاخٍ ، فَهُوَ كَالْإِخْبَارِ بِالشَّيْءِ مَرَّتَيْنِ ؛ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِالشَّيْءِ وَتَعْيِينَ طُرُقِهِ مُؤْذِنٌ بِتَحَقُّقِهِ عِنْدَ الْمُخْبِرِ بِهِ .
ثَالِثًا : النُّونُ الشَّدِيدَةُ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِ الْفِعْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَبِالْخَفِيفَةِ ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ ذَكْرِهِ مَرَّتَيْنِ .
قِيلَ : وَهَذَانَ النُّونَانِ لِتَأْكِيدِ الْفِعْلِ فِي مُقَابَلَةِ تَأْكِيدِ الِاسْمِ بِأَنَّ وَاللَّامِ ؛ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ التَّأْكِيدُ بِالْخَفِيفَةِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=32وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ ( يُوسُفَ : 32 ) ، وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=15لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ( الْعَلَقِ : 15 ) .
وَلَمَّا لَمْ يُتَجَاوَزِ الثَّلَاثَةُ فِي تَأْكِيدِ الْأَسْمَاءِ ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَتَجَاوَزْهَا فِي تَأْكِيدِ الْأَفْعَالِ ، قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=17فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ( الطَّارِقِ : 17 ) لَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثَةٍ : مَهَّلَ وَأَمْهِلْ ، وَرُوَيْدًا ، كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَهُنَّ : فِعْلَانِ ، وَاسْمُ فِعْلٍ .
رَابِعًا : ( لَنْ ) لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَإِنَّ فِي تَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ ، فَتَقُولُ : لَا أَبْرَحُ ، فَإِذَا أَرَدْتَ تَأْكِيدَ النَّفْيِ ، قُلْتَ : لَنْ أَبْرَحَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : هِيَ جَوَابٌ لِمَنْ قَالَ : سَيَفْعَلُ ، يَعْنِي وَالسِّينُ لِلتَّأْكِيدِ فَجَوَابُهَا كَذَلِكَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : لَنْ تَدُلَّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ ، بِخِلَافِ لَا وَكَذَا قَالَ فِي الْمُفَصَّلِ : لَنْ لِتَأْكِيدِ مَا تُعْطِيهِ ، لَا مِنْ نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ ،
[ ص: 517 ] وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي ( الْأَعْرَافِ : 143 ) قَالَ : هُوَ دَلِيلٌ عَنْ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؛ وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ عَنِ
الْمُعْتَزِلَةِ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -
لِلْيَهُودِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ( الْبَقَرَةِ : 94 وَ 95 ) ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ عَامَّةِ الْكَفَرَةِ أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ الْآخِرَةَ ، فَيَقُولُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=27يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ( الْحَاقَّةِ : 27 ) يَعْنِي الْمَوْتَ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا تَنْفِي الْأَبَدَ ، وَلَكِنْ إِلَى وَقْتٍ ، بِخِلَافِ قَوْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28914النَّفْيَ بِلَا أَطْوَلُ مِنَ النَّفْيِ بِلَنْ ؛ لِأَنَّ آخِرَهَا أَلِفٌ ، وَهُوَ حَرْفٌ يَطُولُ فِيهِ النَّفَسُ ، فَنَاسَبَ طُولُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ لَنْ ، وَلِذَلِكَ قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي ( الْأَعْرَافِ : 143 ) وَهُوَ مُخَصَّصٌ بِدَارِ الدُّنْيَا .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ( الْأَنْعَامِ : 103 ) وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ لِجَمِيعِ أَزْمِنَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْأَلْفَاظَ تُشَاكِلُ الْمَعَانِيَ ، وَلِذَلِكَ اخْتُصَّتْ لَا بِزِيَادَةِ مُدَّةٍ .
وَهَذَا أَلْطَفُ مِنْ رَأْيِ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَلِهَذَا أَشَارَ
ابْنُ الزَّمْلِكَانِيُّ فِي التِّبْيَانِ بِقَوْلِهِ : لَا تَنْفِي مَا بَعُدَ ، وَلَنْ تَنْفِي مَا قَرُبَ ، وَبِحُسْنِ الْمَذْهَبَيْنِ أَوَّلُوا الْآيَتَيْنِ : قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ( الْبَقَرَةِ : 95 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=7وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا ( الْجُمُعَةِ : 7 ) .
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنْ ( لَا يَتَمَنَّوْنَهُ ) جَاءَ بَعْدَ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=6إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ( الْجُمُعَةِ : 6 ) وَحَرْفُ الشَّرْطِ يَعُمُّ كُلَّ الْأَزْمِنَةِ ،
[ ص: 518 ] فَقُوبِلَ بِـ " لَا " لِيُعَمَّمَ مَا هُوَ جَوَابٌ لَهُ ، أَيْ زَعَمُوا ذَلِكَ فِي وَقْتِ مَا قِيلَ لَهُمْ : تَمَنَّوُا الْمَوْتَ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ ( الْبَقَرَةِ : 95 ) فَجَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً ( الْبَقَرَةِ : 94 ) أَيْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ ، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ الْآنَ ، اسْتِعْجَالًا لِلسُّكُونِ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَحِبَّائِهِ . وَعَلَى وَفْقِ هَذَا الْقَوْلِ جَاءَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي ( الْأَعْرَافِ : 143 ) .
قُلْتُ : وَالْحَقُّ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28914لَا وَلَنْ لِمُجَرَّدِ النَّفْيِ عَنِ الْأَفْعَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ، وَالتَّأْبِيدُ وَعَدَمُهُ يُؤْخَذَانِ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ ، وَمَنِ احْتَجَّ عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ( الْبَقَرَةِ : 24 ) وَبِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=73لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا ( الْحَجِّ : 73 ) عُورِضَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=26فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ( مَرْيَمَ : 26 ) وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّأْبِيدِ لَمْ يُقَيَّدْ مَنْفِيُّهَا بِالْيَوْمِ ، وَبِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ( الْبَقَرَةِ : 95 ) وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّأْبِيدِ لَكَانَ ذِكْرُ الْأَبَدِ تَكْرِيرًا ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ، وَبُقُولِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=91لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ( طه : 91 ) لَا يُقَالُ : هِيَ مُقَيَّدَةٌ فَلَمْ تُفِدِ التَّأْبِيدَ ، وَالْكَلَامُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ يَدَّعِي أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِذَلِكَ ، فَلَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ . وَقَدِ اسْتُعْمِلَتْ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ الْأَبَدِيِّ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ( فَاطِرٍ : 36 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ( الْبَقَرَةِ : 255 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ( الْبَقَرَةِ : 255 ) ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ( الْأَعْرَافِ : 40 ) وَغَيْرُهُ مِمَّا هُوَ لِلتَّأْبِيدِ ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَتْ فِيهِ " لَا " دُونَ " لَنْ " ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِمُجَرَّدِ النَّفْيِ ، وَالتَّأْبِيدُ يُسْتَفَادُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ .