وأخرج ابن مردويه عن ، ابن عباس وابن الزبير وعائشة أنها بمكة . نزلت سورة الكوثر
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر
قرأ الجمهور إنا أعطيناك وقرأ الحسن ، وابن محيصن ، وطلحة ، والزعفراني " أنطيناك " بالنون .
قيل هي لغة العرب العاربة .
قال الأعشى :
حباؤك خير حبا الملوك يصان الحلال وتنطي الحلولا
و الكوثر فوعل من الكثرة وصف به للمبالغة في الكثرة ، مثل النوفل من النفل ، والجوهر من الجهر .والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو القدر أو الخطر كوثرا ، ومنه قول الشاعر :
وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا
فالمعنى على هذا : إنا أعطيناك يا محمد الخير الكثير البالغ في الكثرة إلى الغاية .وذهب أكثر المفسرين كما حكاه الواحدي إلى أن الكوثر نهر في الجنة ، وقيل هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم في الموقف . قاله عطاء .
وقال عكرمة : الكوثر النبوة .
وقال الحسن : هو القرآن .
وقال الحسن بن الفضل : هو تفسير القرآن وتخفيف الشرائع .
وقال : هو كثرة الأصحاب والأمة . أبو بكر بن عياش
وقال ابن كيسان : هو الإيثار .
وقيل هو الإسلام ، وقيل رفعة الذكر ، وقيل نور القلب ، وقيل الشفاعة ، وقيل المعجزات ، وقيل إجابة الدعوة ، وقيل لا إله إلا الله ، وقيل الفقه في الدين ، وقيل الصلوات الخمس ، وسيأتي بيان ما هو الحق .
فصل لربك الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والمراد الأمر له صلى الله عليه وسلم بالدوام على إقامة الصلوات المفروضة وانحر البدن التي هي خيار أموال العرب .
قال : إن ناسا كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاته ونحره له . محمد بن كعب
وقال قتادة ، وعطاء ، وعكرمة : المراد صلاة العيد ، ونحر الأضحية .
وقال النحر : وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة حذا النحر قاله . محمد بن كعب
وقيل هو أن يرفع يديه في الصلاة عند التكبيرة إلى حذاء نحره .
وقيل هو أن يستقبل القبلة بنحره قاله الفراء ، والكلبي ، وأبو الأحوص .
قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول نتناحر : أي نتقابل : نحر هذا إلى نحر هذا أي قبالته ، ومنه قول الشاعر :
أبا حكم ما أنت عمرا مجالد وسيد أهل الأبطح المتناحر
و قال : هو انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب ، من قولهم : منازلهم تتناحر : تتقابل . ابن الأعرابي
وروي عن عطاء أنه قال : أمره أن يستوي بين السجدتين جالسا حتى يبدو نحره .
وقال سليمان التميمي : المعنى : وارفع يديك بالدعاء إلى نحرك ، وظاهر الآية الأمر له صلى الله عليه وسلم بمطلق الصلاة ومطلق النحر وأن يجعلهما لله عز وجل لا لغيره ، [ ص: 1660 ] وما ورد في السنة من بيان هذا المطلق بنوع خاص فهو في حكم التقييد له ، وسيأتي إن شاء الله .
إن شانئك هو الأبتر أي إن مبغضك هو المنقطع عن الخير على العموم ، فيعم خيري الدنيا والآخرة ، أو الذي لا عقب له ، أو الذي لا يبقى ذكره بعد موته .
وظاهر الآية العموم ، وأن هذا شأن كل من يبغض النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينافي ذلك كون سبب النزول هو العاص بن وائل ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما مر غيره مرة .
قيل كان أهل الجاهلية إذا مات الذكور من أولاد الرجل قالوا : قد بتر فلان ، فلما مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال : بتر محمد ، فنزلت الآية . وقيل : القائل بذلك عقبة بن أبي معيط . قال أهل اللغة : الأبتر من الرجال : الذي لا ولد له ، ومن الدواب : الذي لا ذنب له ، وكل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر ، وأصل البتر القطع ، يقال بترت الشيء بترا : قطعته .
وقد أخرج ، ابن أبي شيبة وأحمد ، وأبو داود ، ، والنسائي ، وابن جرير وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن أنس قال إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها قال : قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هو نهر أعطانيه ربي في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته كعدد الكواكب ، يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي ، فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك هل تدرون ما الكوثر ؟ . أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه مبتسما فقال : إنه أنزل علي آنفا سورة ، فقرأ
وأخرج أيضا مسلم في صحيحه .
وأخرج ، البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله وقد روي عن دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر ، قلت : ما هذا يا أنس من طرق كلها مصرحة بأن الكوثر هو النهر الذي في الجنة .
وأخرج ، ابن أبي شيبة ، والبخاري ، وابن جرير وابن مردويه عن عائشة أنها سئلت عن قوله : إنا أعطيناك الكوثر قالت : هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم في بطنان الجنة .
وأخرج ابن مردويه عن أنه نهر في الجنة . ابن عباس
وأخرج في الأوسط عن الطبراني حذيفة في قوله : إنا أعطيناك الكوثر قال : نهر في الجنة ، وحسن السيوطي إسناده .
وأخرج ، ابن جرير وابن مردويه عن مرفوعا أسامة بن زيد . أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر ، فقال : أجل وأرضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ
وأخرج ابن مردويه عن عن أبيه عن جده عمرو بن شعيب فهذه الأحاديث تدل على أن الكوثر هو النهر الذي في الجنة ، فيتعين المصير إليها ، وعدم التعويل على غيرها ، وإن كان معنى الكوثر : هو الخير الكثير في لغة أن رجلا قال : يا رسول الله ما الكوثر ؟ قال : هو نهر من أنهار الجنة أعطانيه الله العرب ، فمن فسره بما هو أعم مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو تفسير ناظر إلى المعنى اللغوي .
كما أخرج ، ابن أبي شيبة وأحمد ، وصححه والترمذي ، وابن ماجه ، وابن جرير وابن المنذر ، وابن مردويه عن قال : قال عطاء بن السائب : قال محارب بن دثار في الكوثر : قلت حدثنا عن سعيد بن جبير أنه قال : هو الخير الكثير ، فقال : صدق ، إنه للخير الكثير . ولكن حدثنا ابن عباس قال نزلت ابن عمر إنا أعطيناك الكوثر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل
وأخرج ، البخاري ، وابن جرير والحاكم من طريق أبي بشر عن عن سعيد بن جبير أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه . ابن عباس
قال أبو بشر : قلت : فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ، قال : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه . لسعيد بن جبير
وهذا التفسير من حبر الأمة رضي الله عنه ناظر إلى المعنى اللغوي كما عرفناك ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فسره فيما صح عنه أنه النهر الذي في الجنة ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل . ابن عباس
وأخرج ، ابن أبي حاتم والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن قال : علي بن أبي طالب إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ فقال : إنها ليست بنحيرة ، ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السماوات السبع ، وإن لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله فما استكانوا لربهم وما يتضرعون [ المؤمنون : 76 ] وهو من طريق لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم عن مقاتل بن حيان الأصبغ بن نباتة عن علي .
وأخرج ابن مردويه عن في الآية قال : ابن عباس إن الله أوحى إلى رسوله أن ارفع يديك حذاء نحرك إذا كبرت للصلاة ، فذاك النحر .
وأخرج ، ابن أبي شيبة في تاريخه والبخاري ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم في الأفراد والدارقطني وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن في قوله : علي بن أبي طالب فصل لربك وانحر قال : وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى ثم وضعهما على صدره في الصلاة .
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في سننه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
وأخرج ، ابن أبي حاتم وابن شاهين في سننه وابن مردويه ، والبيهقي عن ابن عباس فصل لربك وانحر قال : إذا صليت فرفعت رأسك من الركوع فاستو قائما .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر عن في الآية قال : الصلاة المكتوبة ، والذبح يوم الأضحى . ابن عباس
وأخرج البيهقي في سننه عنه وانحر قال : يقول واذبح يوم النحر .
وأخرج البزار ، ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم وابن مردويه عن قال : قدم ابن عباس كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش : أنت خير أهل المدينة وسيدهم ، ألا ترى إلى هذا الصابئ [ ص: 1661 ] المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج وأهل السقاية وأهل السدانة ، قال : أنتم خير منه ، فنزلت : إن شانئك هو الأبتر ونزلت ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب [ النساء : 44 ] إلى قوله : فلن تجد له نصيرا [ النساء : 52 ] قال ابن كثير : وإسناده صحيح .
وأخرج ، الطبراني وابن مردويه عن أبي أيوب قال : لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى المشركون بعضهم إلى بعض فقالوا : إن هذا الصابئ قد بتر الليلة فأنزل الله إنا أعطيناك الكوثر إلى آخر السورة .
وأخرج ابن سعد ، من طريق وابن عساكر الكلبي عن أبي صالح عن قال : كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس القاسم ثم زينب ، ثم عبد الله ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية ، فمات القاسم وهو أول ميت من أهله وولده بمكة ، ثم مات عبد الله ، فقال العاص بن وائل السهمي : قد انقطع نسله فهو أبتر ، فأنزل الله إن شانئك هو الأبتر وفي إسناده الكلبي .
وأخرج ، عبد بن حميد وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس إن شانئك هو الأبتر قال : أبو جهل .
وأخرج ، ابن جرير عنه وابن أبي حاتم إن شانئك يقول : عدوك .