بسم الله الرحمن الرحيم
ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة
[ ص: 1654 ] الويل : هو مرتفع على الابتداء ، وسوغ الابتداء به مع كونه نكرة كونه دعاء عليهم ، وخبره لكل همزة لمزة والمعنى : خزي أو عذاب أو هلكة أو واد في جهنم لكل همزة لمزة .
قال أبو عبيدة ، : الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس ، وعلى هذا هما بمعنى . وقال والزجاج أبو العالية ، والحسن ، ومجاهد ، : الهمزة الذي يغتاب الرجل في وجهه ، واللمزة : الذي يغتابه من خلفه . وعطاء بن أبي رباح
وقال قتادة عكس هذا .
وروي عن قتادة ، ومجاهد أيضا أن اللمزة : الذي يغتاب الناس في أنسابهم .
وروي عن مجاهد أيضا أن الهمزة : الذي يهمز الناس بيده ، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه .
وقال : يهمزهم بلسانه ويلمزهم بعينه . سفيان الثوري
وقال ابن كيسان : الهمزة : الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ ، واللمزة : الذي يكسر عينه على جليسه ويشير بيده وبرأسه وبحاجبه ، والأول أولى ، ومنه قول : زياد الأعجم
تدلي بود إذا لاقيتني كذبا وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه
وقول الآخر :إذا لقيتك عن سخط تكاشرني وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه
ومن همزنا رأسه تهشما
وقيل أصل الهمز واللمز : الضرب والدفع ، يقال : همزه يهمزه همزا ، ولمزه يلمزه لمزا : إذا دفعه وضربه ، ومنه قول الشاعر :ومن همزنا عزه تبركعا على استه زوبعة أو زوبعا
وبناء " فعلة " يدل على الكثرة ، فيه دلالة على أنه يفعل ذلك كثيرا ، وأنه قد صار ذلك عادة له ، ومثله ضحكة ولعنة .
قرأ الجمهور همزة لمزة بضم أولهما وفتح الميم فيهما .
وقرأ ، الباقر بسكون الميم فيهما . والأعرج
وقرأ أبو وائل ، والنخعي ، " والأعمش " والآية تعم كل من كان متصفا بذلك ، ولا ينافيه نزولها على سبب خاص ، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ويل للهمزة اللمزة
الذي جمع مالا وعدده الموصول بدل من كل ، أو في محل نصب على الذم ، وهذا أرجح ؛ لأن البدل يستلزم أن يكون المبدل منه في حكم الطرح ، وإنما وصفه سبحانه بهذا الوصف لأنه يجري مجرى السبب ، والعلة في الهمز واللمز ، وهو إعجابه بما جمع من المال وظنه أنه الفضل ، فلأجل ذلك يستقصر غيره .
قرأ الجمهور جمع مخففا .
وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، بالتشديد . والكسائي
وقرأ الجمهور وعدده بالتشديد ، وقرأ الحسن ، والكلبي ، ونصر بن عاصم ، وأبو العالية بالتخفيف ، والتشديد في الكلمتين يدل على التكثير وهو جمع الشيء بعد الشيء وتعديده مرة بعد أخرى .
قال الفراء : معنى عدده أحصاه .
وقال : وعدده لنوائب الدهور . الزجاج
يقال أعددت الشيء وعددته : إذا أمسكته .
قال : أحصى عدده . السدي
وقال الضحاك : أعد ماله لمن يرثه .
وقيل : المعنى : فاخر بكثرته وعدده ، والمقصود ذمه على جمع المال وإمساكه وعدم إنفاقه في سبيل الخير . وقيل : المعنى على قراءة التخفيف في عدده : أنه جمع عشيرته وأقاربه .
قال المهدوي : من خفف وعدده فهو معطوف على المال : أي وجمع عدده .
وجملة يحسب أن ماله أخلده مستأنفة لتقرير ما قبلها ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال : أي يعمل عمل من يظن أن ماله يتركه حيا مخلدا لا يموت .
وقال عكرمة : يحسب أن ماله يزيد في عمره ، والإظهار في موضع الإضمار للتقريع والتوبيخ .
وقيل هو تعريض بالعمل الصالح ، وأنه الذي يخلد صاحبه في الحياة الأبدية ، لا المال .
كلا ردع له عن ذلك الحسبان : أي ليس الأمر على ما يحسبه هذا الذي جمع المال وعدده ، واللام في لينبذن في الحطمة جواب قسم محذوف : أي ليطرحن في النار وليلقين فيها .
قرأ الجمهور لينبذن وقرأ علي والحسن ، ، ومحمد بن كعب ونصر بن عاصم ، ومجاهد ، وحميد ، وابن محيصن : " لينبذان " بالتثنية : أي لينبذ هو وماله في النار .
وقرأ الحسن أيضا : " لينبذن " : أي لينبذن ماله في النار .
وما أدراك ما الحطمة هذا الاستفهام للتهويل والتفظيع حتى كأنها ليست مما تدركه العقول وتبلغه الأفهام .
ثم بينها سبحانه فقال : نار الله الموقدة أي هي نار الله الموقدة بأمر الله سبحانه ، وفي إضافتها إلى الاسم الشريف تعظيم لها وتفخيم ، وكذلك في وصفها بالإيقاد : وسميت حطمة لأنها تحطم كل ما يلقى فيها وتهشمه ، ومنه :
إنا حطمنا بالقضيب مصعبا يوم كسرنا أنفه ليغضبا
التي تطلع على الأفئدة أي يخلص حرها إلى القلوب فيعلوها ويغشاها ، وخص الأفئدة مع كونها تغشى جميع أبدانهم لأنها محل العقائد الزائغة ، أو لكون الألم إذا وصل إليها مات صاحبها : أي إنهم في حال من يموت وهم لا يموتون .
وقيل معنى تطلع على الأفئدة أنها تعلم بمقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب ، وذلك بأمارات عرفها الله بها .
إنها عليهم مؤصدة أي مطبقة مغلقة كما تقدم بيانه في سورة البلد ، يقال أصدت الباب : إذا أغلقته ، ومنه قول قيس بن الرقيات :
إن في القصر لو دخلنا غزالا مصيبا موصدا عليه الحجاب
أو في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف : أي هم في عمد ، أو صفة لمؤصدة : أي مؤصدة بعمد ممددة .
قال مقاتل : أطبقت الأبواب عليهم ثم شدت بأوتاد من حديد ، فلا يفتح عليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح .
ومعنى كون العمد ممددة : أنها مطولة ، وهي أرسخ من القصيرة .
وقيل العمد أغلال [ ص: 1655 ] في جهنم ، وقيل القيود .
قال قتادة : المعنى هم في عمد يعذبون بها ، واختار هذا : قرأ الجمهور في عمد بفتح العين والميم . ابن جرير
قيل هو اسم جمع لعمود .
وقيل جمع له .
قال الفراء : هي جمع لعمود كأديم وأدم
وقال أبو عبيدة : هي جمع عماد وقرأ حمزة ، ، والكسائي وأبو بكر بضم العين والميم جمع عمود .
قال الفراء : هما جمعان صحيحان لعمود .
واختار أبو عبيد ، وأبو حاتم قراءة الجمهور .
قال الجوهري : العمود عمود البيت : وجمع القلة أعمدة ، وجمع الكثرة عمد وعمد ، وقرئ بهما .
قال أبو عبيدة : العمود كل مستطيل من خشب أو حديد .
وقد أخرج ، سعيد بن منصور ، وابن أبي الدنيا ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن أنه سئل عن قوله : ابن عباس ويل لكل همزة لمزة قال : هو المشاء بالنميمة ، المفرق بين الجمع ، المغري بين الإخوان .
وأخرج عنه ابن جرير ويل لكل همزة قال : طعان لمزة قال : مغتاب .
وأخرج ، عبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر عنه أيضا في قوله : إنها عليهم مؤصدة قال : مطبقة في عمد ممددة قال : عمد من نار .
وأخرج عن ابن أبي حاتم قال : هي الأدهم . ابن مسعود
وأخرج عن ابن أبي حاتم قال : الأبواب هي الممددة . ابن عباس
وأخرج عنه في الآية قال : أدخلهم في عمد فمدت عليهم في أعناقهم فشدت بها الأبواب . ابن جرير