[ ص: 1598 ] قوله : كلا للردع والزجر عما كانوا عليه .
والتكرير للتأكيد .
وجملة إن كتاب الأبرار لفي عليين مستأنفة لبيان ما تضمنته ، ويجوز أن يكون كلا بمعنى حقا ، والأبرار هم المطيعون ، وكتابهم صحائف حسناتهم .
قال الفراء : عليين ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له ، ووجه هذا أنه منقول من جمع علي من العلو .
قال : هو إعلاء الأمكنة . الزجاج
قال الفراء ، : فأعرب كإعراب الجمع لأنه على لفظ الجمع ولا واحد له من لفظه نحو ثلاثين وعشرين وقنسرين ، قيل هو علم لديوان الخير الذي دون فيه ما عمله الصالحون . والزجاج
وحكى الواحدي عن المفسرين أنه السماء السابعة .
قال الضحاك ، ومجاهد ، وقتادة : يعني السماء السابعة فيها أرواح المؤمنين .
وقال الضحاك : هو سدرة المنتهى ينتهي إليه كل شيء من أمر الله لا يعدوها ، وقيل هو الجنة .
وقال قتادة أيضا : هو فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى ، وقيل إن عليين صفة للملائكة فإنهم في الملأ الأعلى كما يقال فلان في بني فلان : أي في جملتهم .
وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم أي وما أعلمك يا محمد أي شيء عليون ؟ على جهة التفخيم والتعظيم لعليين ، ثم فسره فقال : كتاب مرقوم أي مسطور ، والكلام في هذا كالكلام المتقدم في قوله : وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم .
وجملة يشهده المقربون صفة أخرى ل ( كتاب ) ، والمعنى : أن الملائكة يحضرون ذلك الكتاب المرقوم ، وقيل يشهدون بما فيه يوم القيامة .
قال وهب ، وابن إسحاق : المقربون هنا إسرافيل ، فإذا عمل المؤمن عمل البر صعدت الملائكة بالصحيفة ولها نور يتلألأ في السماوات كنور الشمس في الأرض حتى تنتهي بها إلى إسرافيل فيختم عليها .
ثم ذكر سبحانه حالهم في الجنة بعد ذكر كتابهم فقال : إن الأبرار لفي نعيم أي إن أهل الطاعة لفي تنعم عظيم لا يقادر قدره .
على الأرائك ينظرون الأرائك : الأسرة التي في الحجال ، وقد تقدم أنها لا تطلق الأريكة على السرير إلا إذا كان في حجلة .
قال الحسن : ما كنا ندري ما الأرائك حتى قدم علينا رجل من اليمن ، فزعم أن الأريكة عندهم الحجلة إذا كان فيها سرير .
ومعنى ينظرون أنهم ينظرون إلى ما أعد الله لهم من الكرامات ، كذا قال عكرمة ، ومجاهد وغيرهما .
وقال مقاتل : ينظرون إلى أهل النار ، وقيل ينظرون إلى وجهه وجلاله .
تعرف في وجوههم نضرة النعيم أي إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعمة لما تراه في وجوههم من النور والحسن والبياض والبهجة والرونق ، والخطاب لكل راء يصلح لذلك ، يقال أنضر النبات : إذا أزهر ونور .
قال عطاء : وذلك أن الله زاد في جمالهم وفي ألوانهم ما لا يصفه واصف .
قرأ الجمهور تعرف بفتح الفوقية وكسر الراء ، ونصب ( نضرة ) ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ، ويعقوب ، وشيبة ، وطلحة ، وابن أبي إسحاق بضم الفوقية وفتح الراء على البناء للمفعول ، ورفع " نضرة " بالنيابة .
يسقون من رحيق مختوم قال أبو عبيدة ، والأخفش ، ، والمبرد : الرحيق من الخمر ما لا غش فيه ولا شيء يفسده ، والمختوم الذي له ختام . والزجاج
وقال الخليل : الرحيق أجود الخمر وفي الصحاح الرحيق صفرة الخمر .
وقال مجاهد : هو الخمر العتيقة البيضاء الصافية ، ومنه قول حسان :
يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل
قال مجاهد : مختوم مطين ، كأنه ذهب إلى معنى الختم بالطين ، ويكون المعنى : أنه ممنوع من أن تمسه يد إلى أن يفك ختمه للأبرار .وقال ، سعيد بن جبير : ختامه آخر طعمه ، وهو معنى قوله : وإبراهيم النخعي ختامه مسك أي آخر طعمه ريح المسك إذا رفع الشارب فاه من آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك .
وقيل مختوم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطين ، وكأنه تمثيل لكمال نفاسته وطيب رائحته .
والحاصل أن المختوم والختام إما أن يكون من ختام الشيء وهو آخره أو من ختم الشيء وهو جعل الخاتم عليه كما تختم الأشياء بالطين ونحوه .
قرأ الجمهور ( ختامه ) وقرأ علي ، وعلقمة ، وشقيق ، والضحاك ، ، وطاوس " خاتمه " بفتح الخاء والتاء وألف بينهما . والكسائي
قال علقمة : أما رأيت المرأة تقول للعطار : اجعل خاتمه مسكا : أي آخره ، والخاتم والختام يتقاربان في المعنى ، إلا أن الخاتم الاسم والختام المصدر ، كذا قال الفراء . قال في الصحاح : والختام الطين الذي يختم به ، وكذا قال ابن زيد .
قال : الفرزدق
وبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام
قال البغوي : أصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس فيريده كل واحد لنفسه ، وينفس به على غيره : أي يضن به .
قال عطاء : المعنى فليستبق المستبقون .
وقال : فليتنازع المتنازعون . مقاتل بن سليمان
وقوله : ومزاجه من تسنيم معطوف على ( ختامه مسك ) صفة أخرى لرحيق : أي ومزاج ذلك الرحيق من تسنيم ، وهو شراب ينصب عليهم من علو ، وهو أشرف شراب الجنة ، وأصل التسنيم في اللغة الارتفاع ، فهي عين ماء تجري من علو إلى أسفل ، ومنه [ ص: 1599 ] سنام البعير لعلوه من بدنه ، ومنه تسنيم القبور .
ثم بين ذلك فقال : عينا يشرب بها المقربون وانتصاب عينا على المدح .
وقال : على الحال ، وإنما جاز أن تكون ( عينا ) حالا مع كونها جامدة غير مشتقة لاتصافها بقوله : الزجاج يشرب بها وقال الأخفش : إنها منصوبة بيسقون : أي يسقون عينا ، أو من عين .
وقال الفراء : إنها منصوبة بتسنيم على أنه مصدر مشتق من السنام كما في قوله : أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما [ البلد : 15 ، 14 ] والأول أولى ، وبه قال . المبرد
قيل والباء في ( بها ) زائدة : أي يشربها ، أو بمعنى ( من ) : أي يشرب منها .
قال ابن زيد : بلغنا أنها عين تجري من تحت العرش ، قيل يشرب بها المقربون صرفا ، ويمزج بها كأس أصحاب اليمين .
ثم ذكر سبحانه بعض قبائح المشركين فقال : إن الذين أجرموا وهم كفار قريش ومن وافقهم على الكفر كانوا من الذين آمنوا يضحكون أي كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين ، ويسخرون منهم .
وإذا مروا بهم أي وإذا مر المؤمنون بالكفار وهم في مجالسهم يتغامزون من الغمز ، وهو الإشارة بالجفون والحواجب : أي يغمز بعضهم بعضا ، ويشيرون بأعينهم وحواجبهم ، وقيل يعيرونهم بالإسلام ويعيبونهم به .
وإذا انقلبوا أي الكفار إلى أهلهم من مجالسهم انقلبوا فكهين أي معجبين بما هم فيه متلذذين به ، يتفكهون بذكر المؤمنين والطعن فيهم والاستهزاء بهم والسخرية منهم .
والانقلاب : الانصراف .
قرأ الجمهور " فاكهين " وقرأ حفص ، وابن القعقاع ، ، والأعرج والسلمي فكهين بغير ألف .
قال الفراء : هما لغتان ، مثل طمع وطامع ، وحذر وحاذر .
وقد تقدم بيانه في سورة الدخان أن الفكه : الأشر البطر ، والفاكه : الناعم المتنعم .
وإذا رأوهم أي إذا رأى الكفار المسلمين في أي مكان قالوا إن هؤلاء لضالون في اتباعهم محمدا ، وتمسكهم بما جاء به ، وتركهم التنعم الحاضر ، ويجوز أن يكون المعنى : وإذا رأى المسلمون الكافرين قالوا هذا القول ، والأول أولى .
وجملة وما أرسلوا عليهم حافظين في محل نصب على الحال من فاعل ( قالوا ) : أي قالوا ذلك أنهم لم يرسلوا على المسلمين من جهة الله موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم وأعمالهم .
فاليوم الذين آمنوا المراد باليوم : اليوم الآخر من الكفار يضحكون والمعنى : أن المؤمنين في ذلك اليوم يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مغلوبين قد نزل بهم ما نزل من العذاب ، كما ضحك الكفار منهم في الدنيا .
وجملة على الأرائك ينظرون في محل نصب على الحال من فاعل ( يضحكون ) : أي يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الحال الفظيع ، وقد تقدم تفسير الأرائك قريبا .
قال الواحدي : قال المفسرون : إن أهل الجنة إذا أرادوا نظروا من منازلهم إلى أعداء الله وهم يعذبون في النار ، فضحكوا منهم كما ضحكوا منهم في الدنيا .
وقال أبو صالح : يقال لأهل النار اخرجوا ويفتح لهم أبوابها ، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك ، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم ، فذلك قوله : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون .
هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون الجملة مستأنفة لبيان أنه قد وقع الجزاء للكفار بما كان يقع منهم في الدنيا من الضحك من المؤمنين والاستهزاء بهم ، والاستفهام للتقرير ، وثوب بمعنى أثيب ، والمعنى : هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلونه بالمؤمنين ؟ وقيل الجملة في محل نصب بـ ( ينظرون ) ، وقيل هي على إضمار القول : أي يقول بعض المؤمنين لبعض هل ثوب الكفار ، والثواب ما يرجع على العبد في مقابلة عمله ويطلق على الخير والشر .
وقد أخرج في الزهد ابن المبارك ، وعبد بن حميد وابن المنذر من طريق شمر بن عطية أن سأل ابن عباس عن قوله : كعب الأحبار إن كتاب الأبرار لفي عليين قال : روح المؤمن إذا قبضت عرج بها إلى السماء ، ففتح لها أبواب السماء وتلقاها الملائكة بالبشرى حتى تنتهي بها إلى العرش وتعرج الملائكة ، فيخرج لها من تحت العرش رق فيرقم ويختم ويوضع تحت العرش لمعرفة النجاة لحساب يوم الدين .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم لفي عليين قال : الجنة ، وفي قوله : ابن عباس يشهده المقربون قال : أهل السماء .
وأخرج أحمد ، وأبو داود ، ، والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين
وأخرج ابن المنذر عن في قوله : علي بن أبي طالب نضرة النعيم قال : عين في الجنة يتوضئون منها ويغتسلون فتجري عليهم نضرة النعيم .
وأخرج ، عبد بن حميد ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة وهناد ، وابن المنذر ، والبيهقي في البعث عن في قوله : ابن مسعود يسقون من رحيق مختوم قال : الرحيق الخمر ، والمختوم يجدون عاقبتها طعم المسك .
وأخرج ، ابن أبي شيبة وهناد ، وابن المنذر عنه في قوله : ( مختوم ) قال : ممزوج ( ختامه مسك ) قال : طعمه وريحه .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن في قوله : من رحيق ، قال : خمر ، وقوله : مختوم ، قال : ختم بالمسك . ابن عباس
وأخرج ، الفريابي ، والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن في قوله : ابن مسعود ختامه مسك قال : ليس بخاتم يختم به ، ولكن خلطه مسك ، ألم تر إلى المرأة من نسائكم تقول خلطه من الطيب كذا وكذا .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، والبيهقي عن ختامه مسك قال : هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم ، ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل أصابعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريحها . أبي الدرداء
وأخرج عبد الرزاق ، ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم قال : ابن عباس ، وهو صرف للمتقين [ ص: 1600 ] ويمزج لأصحاب اليمين . تسنيم أشرف شراب أهل الجنة
وأخرج ، ابن المبارك ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة وهناد ، ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ابن مسعود ومزاجه من تسنيم قال : عين في الجنة تمزج لأصحاب اليمين ويشربها المقربون صرفا .
وأخرج ، عبد بن حميد وابن المنذر عن أنه سئل عن قوله : ابن عباس ومزاجه من تسنيم قال : هذا مما قال الله فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [ السجدة : 17 ] .