قال القرطبي : في قول الجميع .
وأخرج ابن الضريس ، والنحاس ، وابن مردويه ، والبيهقي عن قال : نزلت ابن عباس بمكة سورة " تبارك " الملك .
وأخرج أحمد ، وأبو داود ، ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن الضريس والحاكم وصححه وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي هريرة تبارك الذي بيده الملك قال إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له الترمذي : هذا حديث حسن .
وأخرج في الأوسط الطبراني وابن مردويه ، والضياء في المختارة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تبارك الذي بيده الملك . سورة في القرآن خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة
وأخرج الترمذي ، والحاكم وصححه وابن مردويه وابن نصر والبيهقي في الدلائل عن ابن [ ص: 1510 ] عباس قال : . ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر ، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر
قال الترمذي بعد إخراجه : هذا حديث غريب من هذا الوجه .
وأخرج ابن مردويه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تبارك " هي المانعة من عذاب القبر ابن مسعود وأخرجه أيضا عن وصححه النسائي والحاكم .
وأخرج ابن مردويه عن ، رافع بن خديج أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وأبي هريرة ، وهي ثلاثون آية جملة واحدة ، وهي المانعة في القبور سورة تبارك وأخرج أنزلت علي في مسنده عبد بن حميد ، والطبراني والحاكم ، وابن مردويه عن أنه قال لرجل : ألا أتحفك بحديث تفرح به ؟ قال : بلى ، قال : اقرأ ابن عباس تبارك الذي بيده الملك وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك ، فإنها المنجية والمجادلة تجادل يوم القيامة عند ربها لقارئها ، وتطلب له أن ينجيه الله من عذاب النار ، وينجو بها صاحبها من عذاب القبر .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي .
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير
تبارك الذي بيده الملك تبارك تفاعل من البركة ، والبركة النماء والزيادة ، وقيل : تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين ، وقيل : دام فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه . قوله :
وقال الحسن : تبارك : تقدس ، وصيغة التفاعل للمبالغة ، واليد مجاز عن القدرة والاستيلاء ، والملك هو ملك السماوات والأرض في الدنيا والآخرة ، فهو يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ويرفع من يشاء ويضع من يشاء ، وقيل : المراد بالملك ملك النبوة ، والأول أولى ؛ لأن الحمل على العموم أكثر مدحا وأبلغ ثناء ، ولا وجه للتخصيص وهو على كل شيء قدير أي : بليغ القدرة لا يعجزه شيء من الأشياء يتصرف في ملكه كيف يريد من إنعام وانتقام ورفع ووضع وإعطاء ومنع .
الذي خلق الموت والحياة الموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته له ، والحياة تعلق الروح بالبدن واتصاله به ، وقيل : هي ما يصح بوجوده الإحساس ، وقيل : ما يوجب كون الشيء حيا ، وقيل : المراد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة .
وقدم الموت على الحياة لأن أصل الأشياء عدم الحياة ، والحياة عارضة لها ، وقيل : لأن الموت أقرب إلى القهر .
وقال مقاتل : خلق الموت يعني النطفة والمضغة والعلقة ، والحياة يعني خلقه إنسانا وخلق الروح فيه ، وقيل : خلق الموت على صورة كبش لا يمر على شيء إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس لا تمر بشيء إلا حيي ، قاله مقاتل ، والكلبي .
وقد ورد في التنزيل : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم [ السجدة : 11 ] وقوله : ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة [ الأنفال : 50 ] وقوله : توفته رسلنا وقوله : الله يتوفى الأنفس حين موتها [ الزمر : 42 ] وغير ذلك من الآيات ليبلوكم أيكم أحسن عملا اللام متعلقة بـ " خلق " ، أي : خلق الموت والحياة ليعاملكم معاملة من يختبركم أيكم أحسن عملا ، فيجازيكم على ذلك ، وقيل : المعنى : ليبلوكم أيكم أكثر للموت ذكرا وأشد منه خوفا ، وقيل ، أيكم أسرع إلى طاعة الله ، وأروع عن محارم الله .
وقال : اللام متعلق بخلق الحياة ، لا بخلق الموت . الزجاج
وقال أيضا الزجاج : إن قوله : والفراء ليبلوكم لم يقع على " أي " لأن فيما بين البلوى و " أي " إضمار فعل كما تقول : بلوتكم لأنظر أيكم أطوع ، ومثله قوله : سلهم أيهم بذلك زعيم [ القلم : 40 ] أي سلهم ثم انظر أيهم ، " فأيكم " في الآية مبتدأ وخبره " أحسن " ؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل لجميع أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبيح لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصد الأصلي من الابتلاء هو ظهور كمال إحسان المحسنين وهو العزيز أي الغالب الذي لا يغالب الغفور لمن تاب وأناب .
الذي خلق سبع سماوات طباقا الموصول يجوز أن يكون تابعا للعزيز الغفور نعتا أو بيانا أو بدلا ، وأن يكون منقطعا عنه على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو منصوب على المدح ، و " طباقا " صفة لسبع سماوات ، أي : بعضها فوق بعض ، وهو جمع طبق نحو جبل وجبال ، أو جمع طبقة نحو رحبة ورحاب ، أو مصدر طابق ، يقال : طابق مطابقة وطباقا ، ويكون على هذا الوجه الوصف بالمصدر للمبالغة أو على حذف مضاف ، أي : ذات طباق ، ويجوز أن يكون منتصبا على المصدرية بفعل محذوف أي طوبقت طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت هذه الجملة صفة ثانية لسبع سماوات أو مستأنفة لتقرير ما قبلها ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح له ، ومن مزيدة لتأكيد النفي .
قرأ الجمهور من تفاوت وقرأ وأصحابه ابن مسعود وحمزة ، " 2 تفوت " مشددا بدون ألف وهما لغتان : كالتعاهد والتعهد ، والتحامل والتحمل ، والمعنى على القراءتين : ما ترى في خلق الرحمن من تناقض ولا تباين ولا اعوجاج ولا تخالف ، بل هي مستوية مستقيمة دالة على خالقها ، وإن [ ص: 1511 ] اختلفت صورها وصفاتها فقد اتفقت من هذه الحيثية والكسائي فارجع البصر هل ترى من فطور الفطور : الشقوق والصدوع والخروق ، أي اردد طرفك حتى يتضح لك ذلك بالمعاينة .
أخبر أولا بأنه لا تفاوت في خلقه ، ثم أمر ثانيا بترديد البصر في ذلك لزيادة التأكيد وحصول الطمأنينة .
قال مجاهد ، والضحاك : الفطور الشقوق جمع فطر : وهو الشق .
وقال قتادة : هل ترى من خلل .
وقال : هل ترى من خروق ، وأصله من التفطر والانفطار ، وهو التشقق والانشقاق ، ومنه قول الشاعر : السدي
بنى لكم بلا عمد سماء وزينها فما فيها فطور
وقول الآخر :شققت القلب ثم رددت فيه هواك فليم فالتأم الفطور
ووجه الأمر بتكرير النظر على هذه الصفة أنه قد لا يرى ما يظنه من العيب في النظرة الأولى ولا في الثانية .
ولهذا قال أولا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ثم قال ثانيا فارجع البصر ثم قال ثالثا ثم ارجع البصر كرتين فيكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة وأقطع للمعذرة ينقلب إليك البصر خاسئا أي : يرجع إليك البصر ذليلا صاغرا على أن يرى شيئا من ذلك ، وقيل : معنى خاسئا : مبعدا مطرودا عن أن يبصر ما التمسه من العيب ، يقال : خسأت الكلب ، أي : أبعدته وطردته .
قرأ الجمهور " ينقلب " بالجزم جوابا للأمر .
وقرأ في رواية بالرفع على الاستئناف الكسائي وهو حسير أي : كليل منقطع .
قال ، أي : وقد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللا ، وهو فعيل بمعنى فاعل من الحسور ، وهو الإعياء ، يقال : حسر بصره يحسر حسورا ، أي : كل وانقطع ، ومنه قول الشاعر : الزجاج
نظرت إليها بالمحصب من منى فعاد إلي الطرف وهو حسير
وقيل : إن الضمير في قوله : وجعلناها راجع إلى المصابيح على حذف مضاف أي : شهبها ، وهي نارها المقتبسة منها ، لا هي أنفسها لقوله : إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب [ الصافات : 10 ] ووجه هذا أن المصابيح التي زين الله بها السماء الدنيا لا تزول ولا يرجم بها ، كذا قال أبو علي الفارسي جوابا لمن سأله : كيف تكون المصابيح زينة وهي رجوم ؟ قال القشيري : وأمثل من قوله هذا أن نقول : هي زينة قبل أن يرجم بها الشياطين .
قال قتادة : لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها في البر والبحر ، فمن تكلم فيها بغير ذلك فقد تكلم فيما لا يعلم وتعدى وظلم ، وقيل : معنى الآية : وجعلناها ظنونا لشياطين الإنس ، وهم المنجمون خلق الله النجوم وأعتدنا لهم عذاب السعير أي : وأعتدنا للشياطين في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب عذاب السعير ، أي : عذاب النار ، والسعير : أشد الحريق ، يقال سعرت النار فهي مسعورة .
وللذين كفروا بربهم من كفار بني آدم ، أو من كفار الفريقين عذاب جهنم قرأ الجمهور برفع عذاب على أنه مبتدأ وخبره للذين كفروا .
وقرأ الحسن ، والضحاك ، بنصبه عطفا على والأعرج عذاب السعير ، وبئس المصير ما يصيرون إليه ، وهو جهنم .
إذا ألقوا فيها أي : طرحوا فيها كما يطرح الحطب في النار سمعوا لها شهيقا أي : صوتا كصوت الحمير عند أول نهيقها ، وهو أقبح الأصوات ، وقوله " لها " في محل نصب على الحال أي : كائنا لها ، لأنه في الأصل صفة ، فلما قدمت صارت حالا .
وقال عطاء : الشهيق هو من الكفار عند إلقائهم في النار ، وجملة وهي تفور في محل نصب على الحال ، أي : والحال أنها تغلي بهم غليان المرجل ، ومنه قول حسان :
تركتم قدركم لا شيء فيه وقدر العير حامية تفور
قال ابن قتيبة : تكاد تنشق غيظا على الكفار .
قرأ الجمهور تميز بتاء واحدة مخففة ، والأصل تتميز بتاءين .
وقرأ طلحة بتاءين على الأصل .
وقرأ البزي عن ابن كثير بتشديدها بإدغام إحدى التاءين في الأخرى .
وقرأ الضحاك : " تمايز " بالألف وتاء واحدة والأصل تتمايز ، وقرأ : " تميز " من ماز يميز ، والجملة في محل نصب على الحال ، أو في محل رفع على أنها خبر آخر لمبتدأ ، وجملة زيد بن علي كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها مستأنفة لبيان حال أهلها ، أو في محل نصب على الحال من فاعل " تميز " ، والفوج الجماعة من الناس ، أي : كلما ألقي في جهنم جماعة من الكفار سألهم خزنتها من الملائكة سؤال توبيخ وتقريع ألم يأتكم في الدنيا نذير ينذركم هذا اليوم ويحذركم منه .
وجملة قالوا بلى قد جاءنا نذير مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل : [ ص: 1512 ] فماذا قالوا بعد هذا السؤال ، فقال : قالوا بلى قد جاءنا نذير فأنذرنا وخوفنا وأخبرنا بهذا اليوم فكذبنا ذلك النذير وقلنا ما نزل الله من شيء من الأشياء على ألسنتكم إن أنتم إلا في ضلال كبير أي : في ذهاب عن الحق وبعد عن الصواب ، والمعنى أنه قال : كل فوج من تلك الأفواج حاكيا لخزنة جهنم ما قاله لمن أرسل إليه : ما أنتم أيها الرسل فيما تدعون أن الله نزل عليكم آيات تنذرونا بها - إلا في ذهاب عن الحق وبعد عن الصواب كبير لا يقادر قدره .
ثم حكى عنهم مقالة أخرى قالوها بعد تلك المقالة فقال : وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير أي : لو كنا نسمع ما خاطبنا به الرسل ، أو نعقل شيئا من ذلك ما كنا في عداد أهل النار ، ومن جملة من يعذب بالسعير ، وهم الشياطين كما سلف .
قال : لو كنا نسمع سمع من يعي أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل النار . الزجاج
فلما اعترفوا هذا الاعتراف قال الله سبحانه : فاعترفوا بذنبهم الذي استحقوا به عذاب النار ، وهو الكفر وتكذيب الأنبياء فسحقا لأصحاب السعير أي : فبعدا لهم من الله ومن رحمته .
وقال ، سعيد بن جبير وأبو صالح : هو واد في جهنم يقال له السحق .
قرأ الجمهور فسحقا بإسكان الحاء .
وقرأ ، الكسائي وأبو جعفر بضمها ، وهما لغتان ، مثل السحت والرعب .
قال ، الزجاج وأبو علي الفارسي : فسحقا منصوب على المصدر ، أي : أسحقهم الله سحقا .
قال أبو علي الفارسي : وكان القياس إسحاقا فجاء المصدر على الحذف ، واللام في لأصحاب السعير للبيان كما في هيت لك [ يوسف : 23 ] .
وقد أخرج عن عبد بن حميد في قوله : ابن عباس سبع سماوات طباقا قال : بعضها فوق بعض .
وأخرج ابن المنذر ، عنه في قوله : وابن أبي حاتم ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت قال : ما تفوت بعضه بعضا تفاوتا مفرقا .
وأخرج ، ابن جرير ، وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا في قوله : من تفاوت قال : من تشقق ، وفي قوله : هل ترى من فطور قال : شقوق ، وفي قوله : خاسئا قال : ذليلا وهو حسير كليل .
وأخرج عنه أيضا . ابن جرير
قال : الفطور الوهي .
وأخرج ابن المنذر عنه أيضا من فطور قال : من تشقق أو خلل ، وفي قوله : ينقلب إليك البصر قال : يرجع إليك خاسئا قال : صاغرا وهو حسير قال : معيي ولا يرى شيئا .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا خاسئا قال : ذليلا وهو حسير قال : عيي مرتجع .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ابن عباس تكاد تميز قال : تتفرق .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا تكاد تميز قال : يفارق بعضها بعضا .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، عنه أيضا وابن أبي حاتم فسحقا قال : بعدا .