الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

                                                                                                                                                                                                                                      الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 1386 ] هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ( 29 )

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام يعني كفار مكة ، ومعنى صدهم عن المسجد الحرام : أنهم منعوهم أن يطوفوا به ويحلوا عن عمرتهم والهدي معكوفا قرأ الجمهور بنصب الهدي عطفا على الضمير المنصوب في ( صدوكم ) ، وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بالجر عطفا على المسجد ، ولا بد من تقدير مضاف : أي : عن نحر الهدي ، وقرئ بالرفع على تقدير : وصد الهدي ، وقرأ الجمهور بفتح الهاء من الهدي وسكون الدال ، وروي عن أبي عمرو ، وعاصم ، بكسر الدال وتشديد الياء ، وانتصاب ( معكوفا ) على الحال من الهدي ، أي : محبوسا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الجوهري عكفه : أي : حبسه ووقفه ، ومنه والهدي معكوفا ومنه الاعتكاف في المسجد وهو الاحتباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عمرو بن العلاء : معكوفا مجموعا ، وقوله : ( أن يبلغ محله ) أي : عن أن يبلغ محله ، أو هو مفعول لأجله ، والمعنى : صدوا الهدي كراهة أن يبلغ محله ، أو هو بدل من الهدي بدل اشتمال ، و ( محله ) منحره ، وهو حيث يحل نحره من الحرم ، وكان الهدي سبعين بدنة ، ورخص الله سبحانه لهم بجعل ذلك الموضع الذي وصلوا إليه وهو الحديبية محلا للنحر . وللعلماء في هذا كلام معروف في كتب الفروع .

                                                                                                                                                                                                                                      ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم يعني المستضعفين من المؤمنين بمكة ، ومعنى : لم تعلموهم لم تعرفوهم ، وقيل : لم تعلموا أنهم مؤمنون أن تطئوهم يجوز أن يكون بدلا من ( رجال ) و ( نساء ) ، ولكنه غلب الذكور ، وأن يكون بدلا من مفعول ( تعلموهم ) ، والمعنى أن تطئوهم بالقتل والإيقاع بهم ، يقال : وطئت القوم : أي أوقعت بهم ، وذلك أنهم لو كسبوا مكة وأخذوها عنوة بالسيف لم يتميز المؤمنون الذين هم فيها من الكفار ، وعند ذلك لا يأمنوا أن يقتلوا المؤمنين فتلزمهم الكفارة وتلحقهم سبة ، وهو معنى قوله : فتصيبكم منهم أي : من جهتهم معرة أي : مشقة بما يلزمهم في قتلهم من كفارة وعيب ، وأصل المعرة : العيب مأخوذة من العر ، وهو الجرب ، وذلك أن المشركين سيقولون : إن المسلمين قد قتلوا أهل دينهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : لولا أن تقتلوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات فتصيبكم منهم معرة : أي : إثم .

                                                                                                                                                                                                                                      وكذا قال الجوهري ، وبه قال ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكلبي ، ومقاتل ، وغيرهما : المعرة كفارة قتل الخطأ كما في قوله فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة [ النساء : 92 ] وقال ابن إسحاق : المعرة غرم الدية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قطرب : المعرة الشدة ، وقيل : الغم ، و بغير علم متعلق بـ أن تطئوهم : أي : غير عالمين ، وجواب لولا محذوف ، والتقدير : لأذن الله لكم أو لما كف أيديكم عنهم ، واللام في ليدخل الله في رحمته من يشاء متعلقة بما يدل عليه الجواب المقدر ، أي ولكن لم يأذن لكم ، أو كف أيديكم ليدخل الله في رحمته بذلك من يشاء من عباده وهم المؤمنون والمؤمنات الذين كانوا في مكة ، فيتمم لهم أجورهم بإخراجهم من بين ظهراني الكفار ويفك أسرهم ، ويرفع ما كان ينزل بهم من العذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : اللام متعلقة بمحذوف غير ما ذكر ، وتقديره : لو قتلتموهم لأدخلهم الله في رحمته ، والأول أولى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن من يشاء عباده ممن رغب في الإسلام من المشركين لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما التزيل : التميز : أي : لو تميز الذين آمنوا من الذين كفروا منهم لعذبنا الذين كفروا ، وقيل التزيل : التفرق : أي : لو تفرق هؤلاء من هؤلاء ، وقيل : لو زال المؤمنون من بين أظهرهم ، والمعاني متقاربة ، والعذاب الأليم هو القتل والأسر والقهر .

                                                                                                                                                                                                                                      والظرف في قوله : إذ جعل الذين كفروا منصوب بفعل مقدر : أي اذكر وقت جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية وقيل : متعلق بـ ( عذبنا ) ، والحمية : الأنفة ، يقال : فلان ذو حمية : أي : ذو أنفة وغضب : أي جعلوها ثابتة راسخة في قلوبهم ، والجعل بمعنى الإلقاء ، وحمية الجاهلية بدل من الحمية .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقاتل بن سليمان ، ومقاتل بن حيان ، قال أهل مكة : قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ويدخلون علينا في منازلنا ، فتتحدث العرب أنهم قد دخلوا علينا على رغم أنفنا ، واللات والعزى لا يدخلونها علينا ، فهذه الحمية هي حمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزهري : حميتهم أنفتهم من الإقرار للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالرسالة .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ الجمهور لو تزيلوا ، وقرأ ابن أبي عبلة ، وأبو حيوة ، وابن عون ( لو تزايلوا ) والتزايل التباين فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين أي أنزل الطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين حيث لم يدخلهم ما دخل أهل الكفر من الحمية ، وقيل : ثبتهم على الرضا والتسليم وألزمهم كلمة التقوى وهي لا إله إلا الله كذا قال الجمهور ، وزاد بعضهم : محمد رسول الله ، وزاد بعضهم : وحده لا شريك له .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزهري : هي " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وذلك أن الكفار لم يقروا بها ، وامتنعوا من كتابتها في كتاب الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله [ ص: 1387 ] - صلى الله عليه وآله وسلم - كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير ، فخص الله بهذه الكلمة المؤمنين وألزمهم بها ، والأول أولى ؛ لأن كلمة التوحيد هي التي يتقى بها الشرك بالله ، وقيل : كلمة التقوى هي الوفاء بالعهد والثبات عليه وكانوا أحق بها وأهلها أي وكان المؤمنون أحق بهذه الكلمة من الكفار والمستأهلين لها دونهم ؛ لأن الله سبحانه أهلهم لدينه وصحبة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                      لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق قال الواحدي : قال المفسرون : إن الله سبحانه أرى نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - في المدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية كأنه هو وأصحابه حلقوا وقصروا ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم سيدخلون مكة عامهم ذلك ، فلما رجعوا من الحديبية ولم يدخلوا مكة قال المنافقون : والله ما حلقنا ، ولا قصرنا ، ولا دخلنا المسجد الحرام ، فأنزل الله هذه الآية ، وقيل : إن الرؤيا كانت بالحديبية ، وقوله ( بالحق ) صفة لمصدر محذوف : أي : صدقا ملتبسا بالحق ، وجواب القسم المحذوف المدلول عليه باللام الموطئة هو قوله : لتدخلن المسجد الحرام أي في العام القابل ، وقوله : إن شاء الله تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد ما يجب أن يقولوه كما في قوله : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله [ الكهف : 24 ، 23 ] قال ثعلب : إن الله استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : كان الله سبحانه علم أنه يموت بعض هؤلاء الذين كانوا معه في الحديبية ، فوقع الاستثناء لهذا المعنى قاله الحسن بن الفضل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معنى إن شاء الله : كما شاء الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عبيدة : " إن " بمعنى إذ : يعني إذ شاء الله حيث أرى رسوله ذلك ، وانتصاب آمنين على الحال من فاعل ( لتدخلن ) ، وكذا محلقين رءوسكم ومقصرين أي : آمنين من العدو ، ومحلقا بعضكم ومقصرا بعضكم ، والحلق والتقصير خاص بالرجال ، والحلق أفضل من التقصير كما يدل على ذلك الحديث الصحيح في استغفاره - صلى الله عليه وآله وسلم - للمحلقين في المرة الأولى والثانية ، والقائل يقول له : وللمقصرين ، فقال في الثالثة وللمقصرين ، وقوله : لا تخافون في محل نصب على الحال ، أو مستأنف ، وفيه زيادة تأكيد لما قد فهم من قوله ( آمنين ) فعلم ما لم تعلموا أي : ما لم تعلموا من المصلحة في الصلح لما في دخولكم في عام الحديبية من الضرر على المستضعفين من المؤمنين ، وهو معطوف على ( صدق ) : أي صدق رسوله الرؤيا ، فعلم ما لم تعلموا به فجعل من دون ذلك فتحا قريبا أي فجعل من دون دخولكم مكة كما أرى رسوله فتحا قريبا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أكثر المفسرين : هو صلح الحديبية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن زيد ، والضحاك : فتح خيبر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزهري : لا فتح في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية .

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد دخل في تلك السنتين في الإسلام مثل من كان قد دخل فيه قبل ذلك بل أكثر ، فإن المسلمين كانوا في سنة ست ، وهي سنة الحديبية ألفا وأربعمائة وكانوا في سنة ثمان عشرة آلاف .

                                                                                                                                                                                                                                      هو الذي أرسل رسوله بالهدى أي : إرسالا ملتبسا بالهدى ودين الحق وهو الإسلام ليظهره على الدين كله أي يعليه على كل الأديان كما يفيده تأكيد الجنس ، وقيل : ليظهر رسوله ، والأول أولى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان ذلك بحمد الله ، فإن دين الإسلام قد ظهر على جميع الأديان ، وانقهر له كل أهل الملل وكفى بالله شهيدا الباء زائدة كما تقدم في غير موضع : أي كفى الله شهيدا على هذا الإظهار الذي وعد المسلمين به وعلى صحة نبوة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                      محمد رسول الله محمد مبتدأ ورسول الله خبره ، أو هو خبر مبتدأ محذوف ورسول الله بدل منه ، وقيل محمد مبتدأ ورسول الله نعت له والذين معه معطوف على المبتدأ وما بعده الخبر ، والأول أولى ، والجملة مبينة لما هو من جملة المشهود به ( والذين معه ) قيل : هم أصحاب الحديبية ، والأولى الحمل على العموم أشداء على الكفار أي : غلاظ عليهم كما يغلظ الأسد على فريسته ، وهو جمع شديد رحماء بينهم أي متوادون متعاطفون ، وهو جمع رحيم ، والمعنى : أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة ، ولمن وافقه الرحمة والرأفة .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ الجمهور برفع أشداء و رحماء على أنه خبر للموصول ، أو خبر لمحمد وما عطف عليه كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن بنصبهما على الحال ، أو المدح ، ويكون الخبر على هذه القراءة تراهم ركعا سجدا أي تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين وعلى قراءة الجمهور هو خبر آخر أو استئناف : أعني قوله ( تراهم ) ، يبتغون فضلا من الله ورضوانا أي يطلبون ثواب الله لهم ورضاه عنهم ، وهذه الجملة خبر ثالث على قراءة الجمهور ، أو في محل نصب على الحال من ضمير ( تراهم ) ، وهكذا سيماهم في وجوههم من أثر السجود السيما العلامة ، وفيها لغتان المد والقصر : أي تظهر علامتهم في جباهم من أثر السجود في الصلاة وكثرة التعبد بالليل والنهار .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الضحاك : إذا سهر الرجل أصبح مصفرا ، فجعل هذا هو السيما .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزهري : مواضع السجود أشد وجوههم بياضا يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد : هو الخشوع والتواضع ، وبالأول - أعني كونه ما يظهر في الجباه من كثرة السجود - قال سعيد بن جبير ، ومالك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن جرير : هو الوقار .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : إذا رأيتهم مرضى وما هم بمرضى ، وقيل : هو البهاء في الوجه وظهور الأنوار عليه ، وبه قال سفيان الثوري : والإشارة بقوله : ذلك إلى ما تقدم من هذه الصفات الجليلة ، وهو مبتدأ وخبره قوله : مثلهم في التوراة أي : وصفهم الذي وصفوا به في التوراة ووصفهم الذي وصفوا به في الإنجيل وتكرير ذكر المثل لزيادة تقريره وللتنبيه على غرابته وأنه جار مجرى الأمثال في الغرابة كزرع أخرج شطأه إلخ ، كلام مستأنف : أي : هم كزرع إلخ ، وقيل : هو تفسير لذلك على أنه إشارة مبهمة لم يرد به ما تقدم من الأوصاف ، وقيل : هو خبر لقوله : ومثلهم في الإنجيل أي ومثلهم في الإنجيل كزرع قال الفراء : فيه وجهان : إن شئت قلت : ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل : يعني كمثلهم في القرآن ، فيكون [ ص: 1388 ] الوقف على الإنجيل ، وإن شئت قلت : ذلك مثلهم في التوراة ، ثم تبتدئ : ومثلهم في الإنجيل كزرع .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ الجمهور شطأه بسكون الطاء ، وقرأ ابن كثير ، وابن ذكوان ، بفتحها ، وقرأ أنس ، ونصر بن عاصم ، ويحيى بن وثاب ( شطاه ) كعصاه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأه الجحدري ، وابن أبي إسحاق ( شطه ) بغير همزة ، وكلها لغات . قال الأخفش ، والكسائي : شطأه : أي : طرفه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : شطأ الزرع فهو مشطئ إذا خرج .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : أخرج شطأه : أي : نباته .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قطرب : الشطأ سوى السنبل .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن الفراء أيضا أنه قال : هو السنبل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الجوهري : شطأ الزرع والنبات والجمع أشطاء ، وقد أشطأ الزرع خرج شطؤه فآزره أي : قواه وأعانه وشده ، قيل : المعنى : إن الشطء قوى الزرع ، وقيل : إن الزرع قوى الشطء ، ومما يدل على أن الشطء خروج النبات قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الشطء على وجه الثرى ومن الأشجار أفنان الثمر

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ الجمهور فآزره بالمد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن ذكوان ، وأبو حيوة ، وحميد بن قيس بالقصر ، وعلى قراءة الجمهور قول امرئ القيس :


                                                                                                                                                                                                                                      بمحنية قد آزر الضال نبتها     مجر جيوش غانمين وخيب

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : آزرت فلانا أزرا إذا قويته .

                                                                                                                                                                                                                                      فاستغلظ أي صار ذلك الزرع غليظا بعد أن كان دقيقا فاستوى على سوقه أي فاستقام على أعواده ، والسوق جمع ساق .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ قنبل سؤقه بالهمزة الساكنة يعجب الزراع أي يعجب هذا الزرع زارعه لقوته وحسن منظره ، وهذا مثل ضربه الله سبحانه لأصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنهم يكونون في الابتداء قليلا ، ثم يزدادون ويكثرون ويقوون كالزرع ، فإنه يكون في الابتداء ضعيفا ثم يقوى حالا بعد حال حتى يغلظ ساقه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : مثل أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - في الإنجيل أنه سيخرج من قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر سبحانه علة تكثيره لأصحاب نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - وتقويته لهم ، فقال : ليغيظ بهم الكفار أي : كثرهم وقواهم ليكونوا غيظا للكافرين ، واللام متعلقة بمحذوف : أي : فعل ذلك ليغيظ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما أي : وعد سبحانه هؤلاء الذين مع محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يغفر ذنوبهم ويجزل أجرهم بإدخالهم الجنة التي هي أكبر نعمة وأعظم منة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أخرج أحمد ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال : نحروا يوم الحديبية سبعين بدنة ، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحسن بن سفيان ، وأبو يعلى ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن قانع ، والبارودي ، والطبراني ، وابن مردويه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال السيوطي بسند جيد عن أبي جمعة حنبذ بن سبع قال : قابلت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أول النهار كافرا ، وقابلت معه آخر النهار مسلما ، وفينا نزلت ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات وكنا تسعة نفر ، سبعة رجال وامرأتان ، وفي رواية عند ابن أبي حاتم : كنا ثلاثة رجال وتسع نسوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم قال : حين ردوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تطئوهم بقتلكم إياهم لو تزيلوا يقول : لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذابا أليما بقتلكم إياهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن سهل بن حنيف أنه قال يوم صفين : اتهموا أنفسكم ، فلقد رأيتنا يوم الحديبية - يعني الصلح الذي كان بين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبين المشركين - ولو نرى قتالا لقاتلنا ، فجاء عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : يا رسول الله ، ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى . قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يا ابن الخطاب ، إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا ، فرجع متغيظا ، فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال : يا أبا بكر ، ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى . قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ؟ قال : يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا ، فنزلت سورة الفتح ، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى عمر فأقرأه إياها ، قال : يا رسول الله ، أفتح هو ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي ، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، وابن جرير ، والدارقطني في الإفراد ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وألزمهم كلمة التقوى قال : لا إله إلا الله وفي إسناده الحسن بن قزعة ، قال الترمذي بعد إخراجه : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه ، وكذا قال أبو زرعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن سلمة بن الأكوع ، مرفوعا مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس نحوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، والدارقطني في الأفراد ، عن المسور بن مخرمة ، ومروان ، نحوه وروي عن جماعة من التابعين نحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق قال : هو دخول محمد البيت والمؤمنين محلقين ومقصرين ، وقد ورد في الدعاء للمحلقين والمقصرين في الصحيحين وغيرهما أحاديث منها ما قدمنا الإشارة إليه ، وهو في الصحيحين من حديث ابن عمر وفيهما من حديث أبي هريرة أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : سيماهم في وجوههم قال : أما إنه ليس الذي يرونه ، ولكنه سيما الإسلام وسمته وخشوعه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس في الآية قال : هو السمت الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير ، وابن مردويه - قال السيوطي بسند حسن - عن أبي بن كعب [ ص: 1389 ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله : سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال : النور يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في تاريخه ، وابن نصر ، عن ابن عباس في الآية قال : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ذلك مثلهم في التوراة يعني : نعتهم مكتوب في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق الله السماوات والأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أنس كزرع أخرج شطأه قال : نباته فروخه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية