وهي مكية . قال القرطبي : بالإجماع إلا أن فرقة قالت ونكتب ما قدموا وآثارهم [ يس : 12 ] نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وسيأتي بيان ذلك .
وأخرج ابن الضريس ، والنحاس ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن قال : سورة يس نزلت ابن عباس بمكة . وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله .
وأخرج الدارمي ، ، والترمذي ومحمد بن نصر ، والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ، من قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات وقلب القرآن يس قال إن لكل شيء قلبا ، الترمذي بعد إخراجه : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ، وفي إسناده حميد بن عبد الرحمن هارون أبو محمد ، وهو شيخ مجهول ، وفي الباب عن أبي بكر ، ولا يصح لضعف إسناده .
وأخرج البزار من حديث قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : أبي هريرة ، ثم قال بعد إخراجه : لا نعلم رواه إلا إن لكل شيء قلبا ، وقلب القرآن يس زيد عن حميد : يعني عن زيد بن الحباب حميد المكي مولى آل علقمة .
وأخرج الدارمي ، وأبو يعلى ، في الأوسط ، والطبراني وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أبي هريرة من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له في تلك الليلة قال ابن كثير : إسناده جيد .
وأخرج ، ابن حبان والضياء عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : جندب بن عبد الله . من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له
وإسناده في صحيح هكذا : حدثنا ابن حبان محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف ، حدثنا الوليد بن شجاع بن الوليد الكوبي ، حدثنا أبي ، حدثنا زياد بن خيثمة ، حدثنا عن محمد بن جحادة الحسن عن قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فذكره . جندب بن عبد الله
وأخرج أحمد ، وأبو داود ، ، والنسائي ، وابن ماجه ومحمد بن نصر ، ، وابن حبان ، والطبراني والحاكم ، والبيهقي في الشعب عن أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : معقل بن يسار . وقد ذكر له يس قلب القرآن ، لا يقرؤها عبد يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له ما تقدم من ذنبه ، فاقرءوها على موتاكم أحمد إسنادين : أحدهما فيه مجهول ، والآخر ذكر فيه عن أبي عثمان وقال : وليس بالنهدي عن أبيه ، عن معقل .
وأخرج ، سعيد بن منصور والبيهقي عن أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : حسان بن عطية . من قرأ يس فكأنما قرأ القرآن عشر مرات
وأخرج ابن الضريس ، وابن مردويه والخطيب ، والبيهقي عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : أبي بكر الصديق ، تعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة ، تكابد عنه بلوى الدنيا والآخرة ، وتدفع عنه أهاويل الآخرة ، وتدعى الدافعة والقاضية ، تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة ، من قرأها عدلت عشرين حجة ، ومن سمعها عدلت له ألف دينار في سبيل الله ، ومن كتبها ثم شربها أدخلت جوفه ألف دواء وألف نور وألف يقين وألف بركة وألف رحمة ونزعت عنه كل غل وداء سورة يس تدعى في التوراة المعممة قال البيهقي : تقرب به عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني عن سليمان بن رافع الجندي ، وهو منكر .
قلت : وهذا الحديث هو الذي تقدمت الإشارة من الترمذي إلى ضعف إسناده ، ولا يبعد أن يكون موضوعا ، فهذه الألفاظ كلها منكرة بعيدة عن كلام من أوتي جوامع الكلم ، وقد ذكره الثعلبي من حديث عائشة ، وذكره الخطيب من حديث أنس ، وذكر نحوه الخطيب من حديث علي بأخصر منه .
وأخرج البزار عن قال : قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في سورة يس : ابن عباس لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي . وإسناده هكذا : قال حدثنا ، حدثنا سلمة بن شبيب إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فذكره . ابن عباس
وأخرج ، الطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : من داوم على قراءة يس كل ليلة ثم مات مات شهيدا .
وأخرج الدارمي عن قال : من قرأ يس حين يصبح أعطي يسر يومه حتى يمسي ، ومن قرأها في صدر ليلته أعطي يسر ليلته حتى يصبح . ابن عباس
بسم الله الرحمن الرحيم
يس ( 1 ) والقرآن الحكيم ( 2 ) إنك لمن المرسلين ( 3 ) على صراط مستقيم ( 4 ) تنزيل العزيز الرحيم ( 5 ) لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون ( 6 ) لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ( 7 ) إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ( 8 ) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ( 9 ) وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ( 10 ) إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم ( 11 ) إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ( 12 )
[ ص: 1218 ] قوله : 1 يس قرأ الجمهور بسكون النون ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، وحفص ، وقالون ، بإدغام النون في الواو الذي بعدها ، وقرأ وورش عيسى بن عمر بفتح النون ، وقرأ ، ابن عباس وابن أبي إسحاق ، ونصر بن عاصم بكسرها ، فالفتح على البناء أو على أنه مفعول فعل مقدر تقديره : اتل يس ، والكسر على البناء أيضا كجير ، وقيل : الفتح والكسر للفرار من التقاء الساكنين .
وأما وجه قراءة الجمهور بالسكون للنون فلكونها مسرودة على نمط التعديد فلا حظ لها من الإعراب .
وقرأ هارون الأعور ، ومحمد بن السميفع ، والكلبي بضم النون على البناء كمنذ وحيث وقط ، وقيل : على أنها خبر مبتدأ محذوف أي : هذه يس ، ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث .
واختلف في معنى هذه اللفظة ، فقيل : معناها يا رجل ، أو يا إنسان .
قال : الوقف على يس حسن لمن قال هو افتتاح للسورة ، ومن قال : معناه يا رجل ، لم يقف عليه . ابن الأنباري
وقال وغيره : هو اسم من أسماء سعيد بن جبير محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - دليله إنك لمن المرسلين ومنه قول السعد الحميري :
يا نفس لا تمحضي بالنصح جاهدة على المودة إلا آل ياسين
ومنه قوله : سلام على إل ياسين " [ الصافات : 130 ] أي : على آل محمد ، وسيأتي في الصافات ما المراد بـ " إل ياسين " .
قال الواحدي : قال والمفسرون : يريد يا إنسان : يعني ابن عباس محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وقال أبو بكر الوراق : معناه يا سيد البشر .
وقال مالك : هو اسم من أسماء الله - تعالى - ، وروى ذلك عنه أشهب .
وحكى عن أبو عبد الرحمن السلمي أن معناه يا سيد . جعفر الصادق
وقال كعب : هو قسم أقسم الله به ، ورجح أن معناه يا الزجاج محمد .
واختلفوا هل هو عربي أو غير عربي ؟ فقال سعيد بن جبير وعكرمة : حبشي .
وقال الكلبي : سرياني تكلمت به العرب فصار من لغتهم . وقال : هو بلغة الشعبي طيئ . وقال الحسن : هو بلغة كلب . وقد تقدم في طه وفي مفتتح سورة البقرة ما يغني عن التطويل هاهنا .
والقرآن الحكيم بالجر على أنه مقسم به ابتداء .
وقيل : هو معطوف على يس على تقدير كونه مجرورا بإضمار القسم .
قال النقاش : لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - تعظيما له وتمجيدا ، والحكيم المحكم الذي لا يتناقض ولا يتخالف ، أو الحكيم قائله . لم يقسم الله لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا
وجواب القسم إنك لمن المرسلين وهذا رد على من أنكر رسالته من الكفار بقولهم : لست مرسلا [ الرعد : 43 ] .
وقوله : هذا صراط مستقيم خبر آخر لإن أي : إنك على صراط مستقيم ، والصراط المستقيم : الطريق القيم الموصل إلى المطلوب .
قال : على طريقة الأنبياء الذين تقدموك ، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال . الزجاج
تنزيل العزيز الرحيم قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ، وأبو بكر برفع " تنزيل " على أنه خبر مبتدأ محذوف أي : هو تنزيل ، ويجوز أن يكون خبرا لقوله يس إن جعل اسما للسورة ، وقرأ الباقون بالنصب على المصدرية أي : نزل الله ذلك تنزيل العزيز الرحيم .
والمعنى : إنك يا محمد تنزيل العزيز الرحيم ، والأول أولى .
وقيل : هو منصوب على المدح على قراءة من قرأ بالنصب ، وعبر - سبحانه - عن المنزل بالمصدر مبالغة حتى كأنه نفس التنزيل ، وقرأ أبو حيوة ، ، والترمذي وأبو جعفر يزيد بن القعقاع ، وشيبة " تنزيل " بالجر على النعت للقرآن أو البدل منه .
واللام في لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم يجوز أن تتعلق بـ ( تنزيل ) ، أو بفعل مضمر يدل عليه ( من المرسلين ) أي : أرسلناك لتنذر ، و " ما " في ما أنذر آباؤهم هي النافية أي : لم ينذر آباؤهم ، ويجوز أن تكون موصولة أو موصوفة أي : لتنذر قوما الذي أنذره آباؤهم ، أو لتنذرهم عذابا أنذره آباؤهم ، ويجوز أن تكون مصدرية أي : إنذار آبائهم ، وعلى القول بأنها نافية يكون المعنى : ما أنذر آباؤهم برسول من أنفسهم ، ويجوز أن يراد ما أنذر آباؤهم الأقربون لتطاول مدة الفترة ، وقوله : فهم غافلون متعلق بنفي الإنذار على الوجه الأول أي : لم ينذر آباؤهم فهم بسبب ذلك غافلون ، وعلى الوجوه الآخرة متعلق بقوله : ( لتنذر ) ، أي : فهم غافلون عما أنذرنا به آباءهم ، وقد ذهب أكثر أهل التفسير إلى أن المعنى على النفي ، وهو الظاهر من النظم لترتيب ( فهم غافلون ) على ما قبله .
واللام في قوله : لقد حق القول على أكثرهم هي الموطئة للقسم أي : والله لقد حق القول على أكثرهم ، ومعنى حق : ثبت ووجب ، القول أي : العذاب على أكثرهم أي : أكثر أهل مكة ، أو أكثر الكفار على الإطلاق ، أو أكثر كفار العرب ، وهم من مات على الكفر وأصر عليه طول حياته فيتفرع قوله : فهم لا يؤمنون على ما قبله بهذا الاعتبار أي : لأن الله - سبحانه - قد علم منهم الإصرار على ما هم فيه من الكفر والموت عليه ، وقيل : المراد بالقول المذكور هنا هو قوله - سبحانه - : فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك [ ص : 84 85 ] .
وجملة إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا تقرير لما قبلها مثلت حالهم بحال الذين غلت أعناقهم فهي أي : الأغلال منتهية إلى الأذقان فلا يقدرون عند ذلك على الالتفات ولا يتمكنون من عطفها ، وهو معنى قوله : فهم مقمحون أي : رافعون رءوسهم غاضون أبصارهم .
قال الفراء : المقمح : الغاض بصره بعد رفع رأسه ، ومعنى الإقماح رفع الرأس وغض البصر ، يقال : أقمح البعير رأسه وقمح : إذا رفع رأسه ولم يشرب الماء . والزجاج
قال الأزهري : أراد الله أن أيديهم لما غلت عند أعناقهم رفعت الأغلال إلى أذقانهم ورءوسهم صعداء ، فهم مرفوعو الرءوس برفع الأغلال إياها .
وقال قتادة : معنى مقمحون : مغلولون ، والأول أولى ، ومنه قول الشاعر :
ونحن على جوانبها قعود نغض الطرف كالإبل القماح
[ ص: 1219 ] قال : قيل : للكانونين شهرا قماح ، لأن الإبل إذا وردت الماء رفعت رءوسها لشدة البرد ، وأنشد قول الزجاج أبي زيد الهذلي :
فتى ما ابن الأغر إذا شتونا وحب الزاد في شهري قماح
قال أبو عبيدة : قمح البعير إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب .
وقال أبو عبيدة أيضا : هو مثل ضربه الله لهم في امتناعهم عن الهدى كامتناع المغلول ، كما يقال : فلان حمار أي : لا يبصر الهدى ، وكما قال الشاعر :
لهم عن الرشد أغلال وأقياد
وقال الفراء : هذا ضرب مثل أي : حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله ، وهو كقوله : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك [ الإسراء : 29 ] وبه قال الضحاك .
وقيل : الآية إشارة إلى ما يفعل بقوم في النار من وضع الأغلال في أعناقهم كما قال - تعالى - : إذ الأغلال في أعناقهم [ غافر : 71 ] وقرأ " إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا " قال ابن عباس أي : في أيديهم . الزجاج
قال النحاس : وهذه القراءة تفسير ولا يقرأ بما خالف المصحف .
قال : وفي الكلام حذف على قراءة الجماعة ، التقدير : إنا جعلنا في أعناقهم وفي أياديهم أغلالا فهي إلى الأذقان ، فلفظ ( هي ) كناية عن الأيدي لا عن الأعناق ، والعرب تحذف مثل هذا ، ونظيره سرابيل تقيكم الحر [ النحل : 81 ] وتقديره : وسرابيل تقيكم البرد ، لأن ما وقى من الحر وقى من البرد ، لأن الغل إذا كان في العنق فلابد أن يكون في اليد ، ولا سيما وقد قال الله فهي إلى الأذقان فقد علم أنه يراد به الأيدي فهم مقمحون أي : رافعو رءوسهم لا يستطيعون الإطراق ، لأن من غلت يداه إلى ذقنه ارتفع رأسه .
وروي عن أنه قرأ " إنا جعلنا في أيديهم أغلالا " وعن ابن عباس أنه قرأ " إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا " كما روي سابقا من قراءة ابن مسعود . ابن عباس
وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا أي : منعناهم عن الإيمان بموانع فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان ، كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد ، والسد بضم السين وفتحها لغتان ، ومن هذا المعنى في الآية قول الشاعر :
ومن الحوادث لا أبا لك أنني ضربت علي الأرض بالأسداد
لا أهتدي فيها لموضع تلعة بين العراق وبين أرض مراد
فأغشيناهم أي : غطينا أبصارهم فهم بسبب ذلك لا يبصرون أي : لا يقدرون على إبصار شيء .
قال الفراء : فألبسنا أبصارهم غشاوة أي : عمى فهم لا يبصرون سبيل الهدى ، وكذا قال قتادة : إن المعنى لا يبصرون الهدى .
وقال : لا يبصرون السدي محمدا حين ائتمروا على قتله .
وقال الضحاك : وجعلنا من بين أيديهم سدا أي : الدنيا ومن خلفهم سدا أي : الآخرة فأغشيناهم فهم لا يبصرون أي : عموا عن البعث ، وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا .
وقيل : ما بين أيديهم الآخرة وما خلفهم الدنيا ، قرأ الجمهور بالغين المعجمة أي : غطينا أبصارهم ، فهو على حذف مضاف .
وقرأ ، ابن عباس ، وعمر بن عبد العزيز والحسن ، ، ويحيى بن يعمر وأبو رجاء ، وعكرمة بالغين المهملة من العشا وهو ضعف البصر . ومنه ومن يعش عن ذكر الرحمن [ الزخرف : 36 ] .
وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون أي : إنذارك إياهم وعدمه سواء .
قال أي : من أضله الله هذا الإضلال لم ينفعه الإنذار . إنما ينفع الإنذار من ذكر في قوله : الزجاج إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب أي : اتبع القرآن ، وخشي الله في الدنيا ، وجملة لا يؤمنون مستأنفة مبينة لما قبلها من الاستواء ، أو في محل نصب على الحال ، أو بدل ، و بالغيب في محل نصب على الحال من الفاعل أو المفعول فبشره بمغفرة وأجر كريم أي : بشر هذا الذي اتبع الذكر ، وخشي الرحمن بالغيب بمغفرة عظيمة وأجر كريم أي : حسن ، وهو الجنة .
ثم أخبر - سبحانه - بإحيائه الموتى فقال : إنا نحن نحيي الموتى أي : نبعثهم بعد الموت .
وقال الحسن ، والضحاك أي : نحييهم بالإيمان بعد الجهل ، والأول أولى .
ثم توعدهم بكتب آثارهم فقال : ونكتب ما قدموا أي : أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة وآثارهم أي : ما أبقوه من الحسنات التي لا ينقطع نفعها بعد الموت : كمن سن سنة حسنة أو نحو ذلك ، أو السيئات التي تبقى بعد موت فاعلها : كمن سن سنة سيئة .
قال مجاهد وابن زيد : ونظيره قوله : علمت نفس ما قدمت وأخرت [ الانفطار : 5 ] وقوله : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر [ القيامة : 13 ] وقيل : المراد بالآية آثار المشائين إلى المساجد ، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين .
قال النحاس : وهو أولى ما قيل في الآية ; لأنها نزلت في ذلك .
ويجاب عنه بأن الاعتبار بعموم الآية لا بخصوص سببها ، وعمومها يقتضي كتب جميع آثار الخير والشر ، ومن الخير تعليم العليم ، وتصنيفه ، والوقف على القرب ، وعمارة المساجد والقناطر .
ومن الشر ابتداع المظالم ، وإحداث ما يضر بالناس ، ويقتدي به أهل الجور ، ويعملون عليه من مكس أو غيره ، ولهذا قال - سبحانه - : وكل شيء أحصيناه في إمام مبين أي : وكل شيء من أعمال العباد وغيرها كائنا ما كان في إمام مبين أي : كتاب مقتدى به موضح لكل شيء .
قال مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد : أراد اللوح المحفوظ ، وقالت فرقة : أراد صحائف الأعمال .
قرأ الجمهور ونكتب على البناء للفاعل . وقرأ زر ومسروق على البناء للمفعول .
وقرأ الجمهور كل شيء أحصيناه بنصب كل على الاشتغال . وقرأ أبو السمأل بالرفع على الابتداء .
وقد أخرج ابن مردويه عن ، ابن مسعود في قوله يس قالا : يا وابن عباس محمد .
وأخرج ، ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، من طرق عن وابن أبي حاتم في قوله : يس قال : يا إنسان . ابن عباس
وأخرج عن عبد بن حميد الحسن ، والضحاك وعكرمة مثله .
وأخرج ابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل عن قال : " ابن عباس كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقرأ في المسجد فيجهر بالقراءة ، حتى [ ص: 1220 ] تأذى به ناس من قريش ، حتى قاموا ليأخذوه ، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم ، وإذا هم عمي لا يبصرون ، فجاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فقالوا : ننشدك الله والرحم يا محمد ، قال : ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيهم قرابة ، فدعا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى ذهب ذلك عنهم ، فنزلت يس والقرآن الحكيم إلى قوله : أم لم تنذرهم لا يؤمنون قال : فلم يؤمن من ذلك النفر أحد " وفي الباب روايات في سبب نزول ذلك هذه الرواية أحسنها وأقربها إلى الصحة .
وأخرج عنه قال : الأغلال ما بين الصدر إلى الذقن ابن أبي حاتم فهم مقمحون كما تقمح الدابة باللجام .
وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في قوله : وجعلنا من بين أيديهم سدا الآية قال : كانوا يمرون على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا يرونه .
وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال : اجتمعت قريش بباب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ينتظرون خروجه ليؤذوه ، فشق ذلك عليه ، فأتاه جبريل بسورة يس وأمره بالخروج عليهم ، فأخذ كفا من تراب وخرج وهو يقرؤها ويذر التراب على رءوسهم ، فما رأوه حتى جاز ، فجعل أحدهم يلمس رأسه فيجد التراب ، وجاء بعضهم فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا ننتظر محمدا ، فقال : لقد رأيته داخلا المسجد ، قال : قوموا فقد سحركم .
وأخرج عبد الرزاق ، وحسنه ، والترمذي ، والبزار ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن قال : كان أبي سعيد الخدري بنو سلمة في ناحية من المدينة ، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد ، فأنزل الله : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم فدعاهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فقال : . إنه يكتب آثاركم ، ثم قرأ عليهم الآية فتركوا
وأخرج ، الفريابي وأحمد في الزهد ، ، وعبد بن حميد ، وابن ماجه ، وابن جرير وابن المنذر ، وابن مردويه عن نحوه . ابن عباس
وفي صحيح مسلم وغيره من حديث جابر قال : " إن بني سلمة أرادوا أن يبيعوا ديارهم ويتحولوا قريبا من المسجد ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم " .