وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم [ ص: 535 ]
الخطاب بقوله : واذكروا إذ أنتم قليل للمهاجرين : أي اذكروا وقت قلتكم ، و مستضعفون خبر ثان للمبتدأ ، والأرض : هي أرض مكة ، والخطف : الأخذ بسرعة ، والمراد بالناس : مشركو قريش ، وقيل : فارس والروم ، " فآواكم " يقال : آوى إليه بالمد وبالقصر بمعنى : انضم إليه ، فالمعنى : ضمكم الله إلى المدينة أو إلى الأنصار وأيدكم بنصره أي قواكم بالنصر في مواطن الحرب التي منها يوم بدر ، أو قواكم بالملائكة يوم بدر ورزقكم من الطيبات التي من جملتها الغنائم لعلكم تشكرون ، أي : إرادة أن تشكروا هذه النعم التي أنعم بها عليكم .
والخون أصله كما في الكشاف : النقص ، كما أن الوفاء التمام ، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء ، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان ، وقيل : معناه : الغدر وإخفاء الشيء ، ومنه قوله - تعالى - : يعلم خائنة الأعين ( غافر : 19 ) نهاهم الله عن أن يخونوه بترك شيء مما افترضه عليهم ، أو يخونوا رسوله بترك شيء مما أمنهم عليه ، أو بترك شيء مما سنه لهم ، أو يخونوا شيئا من الأمانات التي اؤتمنوا عليها ، وسميت أمانات لأنه يؤمن معها من منع الحق ، مأخوذة من الأمن ، وجملة " وأنتم تعلمون " في محل نصب على الحال : أي وأنتم تعلمون أن ذلك الفعل خيانة فتفعلون الخيانة عن عمد ، أو أنتم من أهل العلم لا من أهل الجهل .
ثم قال : واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة لأنهم سبب الوقوع في كثير من الذنوب ، فصاروا من هذه الحيثية محنة يختبر الله بها عباده ، وإن كانوا من حيثية أخرى زينة الحياة الدنيا كما في الآية الأخرى : وأن الله عنده أجر عظيم فآثروا حقه على أموالكم وأولادكم ليحصل لكم ما عنده من الأجر المذكور .
وقد أخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله : واذكروا إذ أنتم قليل قال : كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا ، وأشقاه عيشا ، وأجوعه بطونا ، وأعراه جلودا ، وأبينه ضلالة ، من عاش عاش شقيا ، ومن مات منهم ردي في النار ، يؤكلون ولا يأكلون ، لا والله ما نعلم قبيلا من حاضري الأرض يومئذ كان أشر منزلا منهم ، حتى جاء الله بالإسلام ، فمكن به في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلهم به ملوكا على رقاب الناس ، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا لله نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشكر ، وأهل الشكر في مزيد من الله - عز وجل - .
وأخرج ابن المنذر ، عن في قوله : ابن جريج يتخطفكم الناس قال : في الجاهلية بمكة فآواكم إلى الإسلام .
وأخرج عبد الرزاق ، ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن وهب في قوله : يتخطفكم الناس قال : الناس إذ ذاك فارس والروم .
وأخرج أبو الشيخ ، وأبو نعيم ، والديلمي في مسند الفردوس ، عن ابن عباس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس قيل : يا رسول الله ومن الناس ؟ قال : أهل فارس .
وأخرج ، ابن جرير ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن ، في قوله : فآواكم قال : إلى السدي الأنصار بالمدينة وأيدكم بنصره قال : يوم بدر .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن جابر بن عبد الله أن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا ، فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان إن محمدا يريدكم فخذوا حذركم ، فأنزل الله : ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول الآية .
وأخرج ، سعيد بن منصور ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، قال : نزلت هذه الآية لا تخونوا الله والرسول في أبي لبابة بن عبد المنذر ، سألوه يوم قريظة ما هذا الأمر ؟ فأشار إلى حلقه أنه الذبح فنزلت .
قال أبو لبابة : ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله .
وأخرج ، سنيد ، عن وابن جرير نحوه بأطول منه . الزهري
وأخرج ، عن عبد بن حميد الكلبي ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا لبابة إلى قريظة وكان حليفا لهم ، فأومأ بيده أنه الذبح فنزلت .
وأخرج أبو الشيخ ، عن في هذه الآية أنها نزلت في السدي ، أبي لبابة ونسختها الآية التي في " براءة " وآخرون اعترفوا بذنوبهم ( التوبة : 102 ) .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس ، لا تخونوا الله قال : بترك فرائضه والرسول بترك سننه وارتكاب معصيته وتخونوا أماناتكم يقول : لا تنقصوها ، والأمانة : الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد .
وأخرج ، عن ابن جرير قال : نزلت هذه الآية في قتل المغيرة بن شعبة عثمان ، ولعل مراده أن من جملة ما يدخل تحت عمومها قتل عثمان .
وأخرج أبو الشيخ ، عن في الآية قال : هو الإخلال بالسلاح في المغازي ، ولعل مراده أن هذا مما يندرج تحت عمومها . يزيد بن أبي حبيب
وأخرج ، ابن جرير ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قال : ما منكم من أحد إلا وهو يشتمل على فتنة ؛ لأن الله يقول : ابن مسعود إنما أموالكم وأولادكم فتنة فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مضلات الفتن .
وأخرج هؤلاء ، عن ابن زيد في الآية قال : فتنة الاختبار اختبرهم ، وقرأ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ( الأنبياء : 35 ) .