[ ص: 526 ] كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون
كما أخرجك ربك من بيتك بالحق . قوله :
قال : الكاف في موضع نصب ، أي : الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، أي : مثل إخراج ربك ، والمعنى : امض لأمرك في الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا ؛ لأن بعض الصحابة قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جعل لكل من أتى بأسير شيئا قال : بقي أكثر الناس بغير شيء ، فموضع الكاف نصب كما ذكرنا ، وبه قال الزجاج الفراء وقال أبو عبيدة : هو قسم : أي والذي أخرجك ، فالكاف بمعنى الواو ، وما بمعنى الذي .
وقال : المعنى أولئك هم المؤمنون حقا كما أخرجك ربك . الأخفش سعيد بن مسعدة
وقال عكرمة المعنى : أطيعوا الله ورسوله كما أخرجك ربك ، وقيل " كما أخرجك " متعلق بقوله " لهم درجات " أي هذا الوعد للمؤمنين حق في الآخرة كما أخرجك ربك من بيتك بالحق الواجب له ، فأنجز وعدك ، وظفرك بعدوك ، وأوفى لك ، ذكره النحاس واختاره ، وقيل : الكاف في " كما " كاف التشبيه على سبيل المجازاة كقول القائل لعبده : كما وجهتك إلى أعدائي فاستضعفوك وسألت مددا فأمددتك وقويتك وأزحت علتك ، فخذهم الآن فعاقبهم ، وقيل : إن الكاف في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذه الحال كحال إخراجك يعني أن حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب ، ذكره صاحب الكشاف ، و " بالحق " متعلق بمحذوف ، والتقدير : إخراجا متلبسا بالحق الذي لا شبهة فيه ، وجملة وإن فريقا من المؤمنين لكارهون في محل نصب على الحال : أي كما أخرجك في حال كراهتهم لذلك ؛ لأنه لما وعدهم الله إحدى الطائفتين ، إما العير أو النفير ، رغبوا في العير لما فيها من الغنيمة والسلامة من القتال كما سيأتي بيانه .
وجملة يجادلونك في الحق بعدما تبين إما في محل نصب على أنها حال بعد حال ، أو مستأنفة جواب سؤال مقدر ، ومجادلتهم لما ندبهم إلى إحدى الطائفتين ، وفات العير وأمرهم بقتال النفير ولم يكن معهم كثير أهبة ، لذلك شق عليهم وقالوا : لو أخبرتنا بالقتال لأخذنا العدة وأكملنا الأهبة ، ومعنى " في الحق " أي في القتال بعدما تبين لهم أنك لا تأمر بالشيء إلا بإذن الله ، أو بعد ما تبين لهم أن الله وعدهم بالظفر بإحدى الطائفتين ، وأن العير إذا فاتت ظفروا بالنفير ، و " بعد " ظرف ل " يجادلونك " ، وما مصدرية أي يجادلونك بعدما تبين الحق لهم .
قوله : كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون الكاف في محل نصب على الحال من الضمير في " لكارهون " ، أي : حال كونهم في شدة فزعهم من القتال يشبهون حال من يساق ليقتل وهو مشاهد لأسباب قتله ، ناظر إليها لا يشك فيها .
وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم الظرف منصوب بفعل مقدر ، أي واذكروا وقت وعد الله إياكم إحدى الطائفتين ، وأمرهم بتذكير الوقت مع أن المقصود ذكر ما فيه من الحوادث لقصد المبالغة ، والطائفتان : هما العير والنفير ، وإحدى هو ثاني مفعولي " يعد " ، و " أنها لكم " بدل منه بدل اشتمال ، ومعناه : أنها مسخرة لكم وأنكم تغلبونها وتغنمون منها وتصنعون بها ما شئتم من قتل وأسر وغنيمة ، لا يطيقون لكم دفعا ، ولا يملكون لأنفسهم منكم ضرا ولا نفعا ، وفي هذه الجملة تذكير لهم بنعمة من النعم التي أنعم الله بها عليهم . قوله :
قوله " وتودون " معطوف على يعدكم من جملة الحوادث التي أمروا بذكر وقتها أن غير ذات الشوكة من الطائفتين ، وهي طائفة العير تكون لكم دون ذات الشوكة ، وهي طائفة النفير .
قال أبو عبيدة : أي غير ذات الحد .
والشوكة : السلاح ، والشوكة : النبت الذي له حد ، ومنه رجل شائك السلاح : أي حديد السلاح ، ثم يقلب فيقال : شاكي السلاح ، فالشوكة مستعارة من واحدة الشوك ، والمعنى : وتودون أن تظفروا بالطائفة التي ليس معها سلاح ، وهي طائفة العير لأنها غنيمة صافية عن كدر القتال إذ لم يكن معها من يقوم بالدفع عنها .
قوله " ويريد الله أن يحق الحق بكلماته " معطوف على تودون وهو من جملة ما أمروا بذكر وقته : أي ويريد الله غير ما تريدون وهو أن يحق الحق بإظهاره لما قضاه من ظفركم بذات الشوكة ، وقتلهم لصناديدهم ، وأسر كثير منهم ، واغتنام ما غنمتم من أموالهم التي أجلبوا بها عليكم وراموا دفعكم بها ، والمراد بالكلمات : الآيات التي أنزلها في محاربة ذات الشوكة ، ووعدكم منه بالظفر بها ويقطع دابر الكافرين الدابر الآخر ، وقطعه عبارة عن الاستئصال والمعنى : ويستأصلهم جميعا .
قوله : ليحق الحق ويبطل الباطل هذه الجملة علة لما يريده الله : أي أراد ذلك ، أو يريد ذلك ليظهر الحق ويرفعه ويبطل الباطل ويضعه ، أو اللام متعلقة بمحذوف : أي فعل ذلك ليحق الحق ، وقيل : متعلق بـ " يقطع " ، وليس في هذه الجملة تكرير لما قبلها لأن الأولى لبيان التفاوت فيما بين الإرادتين ، وهذه لبيان الحكمة الداعية إلى ذلك ، والعلة المقتضية له ، والمصلحة المترتبة عليه . وإحقاق الحق إظهاره ، وإبطال الباطل إعدامه ، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ( الأنبياء : 18 ) ومفعول " ولو كره المجرمون " محذوف ، أي ولو كرهوا أن يحق الحق ويبطل الباطل ، والمجرمون هم المشركون من قريش أو جميع طوائف الكفار .
وقد أخرج ، ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن قال : أبي أيوب الأنصاري بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال : ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا ، فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتعاد ، ففعلنا فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر فأخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدتنا ، فسر بذلك وحمد الله وقال : عدة [ ص: 527 ] أصحاب طالوت ، فقال : ما ترون في قتال القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم ، فقلنا : يا رسول الله ، لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم ، إنما خرجنا للعير ، ثم قال : ما ترون في قتال القوم ؟ ، فقلنا مثل ذلك ، فقال المقداد : لا تقولوا كما قال قوم موسى لموسى : فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون [ المائدة 24 ] فأنزل الله : كما أخرجك ربك إلى قوله : وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين ، إما القوم وإما العير ، طابت أنفسنا ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم إني أنشدك وعدك ، فقال : يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل من أن يشير عليه ، إن الله أجل وأعظم من أن تنشده وعده فقال : يا ابن رواحة لأنشدن الله وعده ، فإن الله لا يخلف الميعاد ، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوه القوم فانهزموا ، فأنزل الله ابن رواحة وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [ الأنفال : 17 ] فقتلنا وأسرنا ، فقال عمر : يا رسول الله ما أرى أن يكون لك أسرى فإنما نحن داعون مؤلفون ، فقلنا : يا معشر الأنصار إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا ، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ فقال : ادعوا لي عمر ، فدعي له فقال : إن الله قد أنزل علي ما كان لنبي أن يكون له أسرى [ الأنفال : 67 ] الآية وفي إسناده قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن وفيه مقال معروف . ابن لهيعة ،
وأخرج في المصنف ابن أبي شيبة وابن مردويه ، عن عن أبيه عن جده قال : محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال : كيف ترون ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله بلغنا أنهم كذا وكذا ثم خطب الناس فقال : كيف ترون ؟ فقال عمر مثل قول أبي بكر ، ثم خطب الناس فقال : كيف ترون ؟ فقال : يا رسول الله إيانا تريد ، فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ، ولئن سرت حتى تأتي سعد بن معاذ برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك ولا نكونن كالذين قالوا لموسى : فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ( المائدة : 24 ) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون ، ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره ، فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له ، فصل حبال من شئت ، واقطع حبال من شئت ، وعاد من شئت وسالم من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، فنزل القرآن على قول سعد كما أخرجك ربك من بيتك بالحق إلى قوله : ويقطع دابر الكافرين وإنما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الغنيمة مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال .
وأخرج ، ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق قال : كذلك يجادلونك في خروج القتال .
وأخرج ، ابن جرير ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن في قوله : السدي ، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق قال : خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر وإن فريقا من المؤمنين لكارهون قال : لطلب المشركين يجادلونك في الحق بعدما تبين أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به .
وأخرج ، ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن الضحاك ، في قوله : وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم قال : هي عير أبي سفيان ود أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن العير كانت لهم وأن القتال صرف عنهم .
وأخرج ، عن عبد بن حميد قتادة ويقطع دابر الكافرين أي شأفتهم .
ووقعة بدر قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير والتاريخ مستوفاة فلا نطيل بذكرها .