وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين قوله : وإلى عاد أخاهم هودا أي وأرسلنا إلى قوم عاد أخاهم : أي واحدا من قبيلتهم أو صاحبهم أو سماه أخا لكونه ابن آدم مثلهم وعاد هو من ولد سام بن نوح .
قيل : هو عاد بن عوص بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وهود هو ابن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عوص بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، و هودا عطف بيان قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره .
قد تقدم تفسير هذا قريبا ، والاستفهام في أفلا تتقون للإنكار .
وقد تقدم أيضا تفسير الملأ ، والسفاهة : الخفة والحمق .
وقد تقدم بيان ذلك في البقرة ، نسبوه إلى الخفة والطيش ولم يكتفوا بذلك حتى قالوا إنا لنظنك من الكاذبين مؤكدين لظنهم كذبه فيما ادعاه من الرسالة ، ثم أجاب عليهم بنفي السفاهة عنه ، واستدرك من ذلك بأنه رسول رب العالمين وقد تقدم بيان معنى هذا قريبا .
وكذلك سبق تفسير أبلغكم رسالات ربي وتقدم معنى الناصح ، والأمين : المعروف بالأمانة .
وسبق أيضا تفسير أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم في قصة نوح التي قبل هذه القصة .
قوله : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ذكرهم نعمة من نعم الله عليهم ، وهي أنه جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح : أي جعلهم سكان الأرض التي كانوا فيها ، أو جعلهم ملوكا ، وإذ منصوب باذكر وجعل الذكر للوقت .
والمراد ما كان فيه من الاستخلاف على الأرض لقصد المبالغة ، لأن الشيء إذا كان وقته مستحقا للذكر ، فهو مستحق له بالأولى وزادكم في الخلق بسطة أي طولا في الخلق وعظم جسم زيادة على ما كان عليه آباؤهم في الأبدان .
وقد ورد عن السلف حكايات عن عظم أجرام قوم عاد .
قوله : فاذكروا آلاء الله الآلاء : جمع إلى ومن جملتها نعمة الاستخلاف في الأرض ، والبسطة في الخلق وغير ذلك مما أنعم به عليهم ، وكرر التذكير لزيادة التقرير ، والآلاء النعم لعلكم تفلحون إن تذكرتم ذلك لأن ، ومن شكر فقد أفلح . الذكر للنعمة سبب باعث على شكرها
قوله : قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده هذا استنكار منهم لدعائه إلى عبادة الله وحده دون معبوداتهم التي جعلوها شركاء لله ، وإنما كان هذا مستنكرا عندهم لأنهم وجدوا آباءهم على خلاف ما دعاهم إليه ونذر ما كان يعبد آباؤنا أي نترك الذي كانوا يعبدونه ، وهذا داخل في جملة ما استنكروه .
قوله : فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين هذا استعجال منهم للعذاب الذي كان هود يعدهم به ، لشدة تمردهم على الله ونكوصهم عن طريق الحق وبعدهم عن اتباع الصواب .
فأجابهم بقوله : قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب جعل ما هو متوقع كالواقع تنبيها على تحقق وقوعه ، كما ذكره أئمة المعاني والبيان ، وقيل : معنى وقع : وجب ، والرجس : العذاب ، وقيل : هو هنا الرين على القلب بزيادة الكفر ، ثم استنكر عليهم ما وقع منهم من المجادلة ، فقال : أتجادلونني في أسماء يعني أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها جعلها أسماء ، لأن مسمياتها لا حقيقة لها بل تسميتها بالآلهة باطلة فكأنها معدومة لم توجد بل الموجود [ ص: 483 ] أسماؤها فقط سميتموها أنتم وآباؤكم أي سميتم بها معبوداتكم من جهة أنفسكم أنتم وآباؤكم ولا حقيقة لذلك ما نزل الله بها من سلطان أي من حجة تحتجون بها على ما تدعونه لها من الدعاوى الباطلة ثم توعدهم بأشد وعيد فقال : فانتظروا إني معكم من المنتظرين أي فانتظروا ما طلبتموه من العذاب فإني معكم من المنتظرين له ، وهو واقع بكم لا محالة ونازل عليكم بلا شك .
ثم أخبر الله سبحانه أنه نجى هودا ومن معه من المؤمنين به من العذاب النازل بمن كفر به ولم يقبل رسالته ، وأنه قطع دابر القوم المكذبين : أي استأصلهم جميعا .
وقد تقدم تحقيق معناه ، وجملة وما كانوا مؤمنين معطوفة على كذبوا : أي استأصلنا هؤلاء القوم الجامعين بين التكذيب بآياتنا وعدم الإيمان .
وقد أخرج ابن المنذر ، عن في قوله : ابن عباس ، وإلى عاد أخاهم هودا قال : ليس بأخيهم في الدين ولكنه أخوهم في النسب ؛ لأنه منهم فلذلك جعل أخاهم .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم قال : كانت الربيع بن خيثم عاد ما بين اليمن إلى الشام مثل الذر .
وأخرج عن ابن عساكر ، وهب قال : كان الرجل من عاد ستين ذراعا بذراعهم ، وكان هامة الرجل مثل القبة العظيمة ، وكان عين الرجل لتفرخ فيها السباع ، وكذلك مناخرهم .
وأخرج عن عبد بن حميد ، قتادة ، قال : ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر ذراعا طولا .
وأخرج في نوادر الأصول عن الحكيم الترمذي ، قال : كان الرجل منهم ثمانون باعا ، وكانت البرة فيهم ككلية البقرة ، والرمانة الواحدة يقعد في قشرها عشرة نفر . ابن عباس ،
وأخرج ، ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عنه وزادكم في الخلق بسطة قال : شدة .
وأخرج عبد الله بن أحمد ، في زوائد الزهد عن وابن أبي حاتم ، قال : إن كان الرجل من قوم أبي هريرة عاد ليتخذ المصراع من الحجارة ، لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلوه ، وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها .
وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن في قوله : ابن عباس ، آلاء الله قال : نعم الله ، وفي قوله : رجس قال : سخط .
وأخرج قال : لما أرسل الله الريح على ابن عساكر ، عاد اعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلتذ به الأنفس ، وإنها لتمر بالعادي فتحمله بين السماء والأرض وتدمغه بالحجارة .
وأخرج ابن جرير ، عن وابن أبي حاتم ، ابن زيد في قوله : وقطعنا دابر الذين كذبوا قال : استأصلناهم .
وأخرج في تاريخه البخاري ، وابن جرير ، عن وابن عساكر ، قال : قبر علي بن أبي طالب هود بحضرموت في كثيب أحمر عند رأسه سدرة .
وأخرج عن ابن عساكر ، عثمان بن أبي العاتكة قال : قبلة مسجد دمشق قبر هود .
وأخرج أبو الشيخ ، عن قال : كان عمر أبي هريرة هود أربعمائة سنة واثنتين وسبعين سنة .