قال النحاس : الجن المفعول الأول ، وشركاء المفعول الثاني كقوله تعالى : وجعلكم ملوكا [ المائدة : 20 ] وجعلت له مالا ممدودا [ المدثر : 12 ] وأجاز الفراء : أن يكون الجن بدلا من شركاء ومفسرا له .
وأجاز رفع الجن بمعنى هم الجن ، كأنه قيل : من هم ؟ فقيل : الجن ، وبالرفع قرأ الكسائي يزيد بن أبي قطيب وأبو حيان ، وقرئ بالجر على إضافة شركاء إلى الجن للبيان .
والمعنى : أنهم جعلوا شركاء لله فعبدوهم كما عبدوه ، وعظموهم كما عظموه .
وقيل : المراد بالجن هاهنا الملائكة لاجتنانهم : أي استتارهم ، وهم الذين قالوا : الملائكة بنات الله ، وقيل : نزلت في الزنادقة الذين قالوا : إن الله تعالى وإبليس أخوان ، فالله خالق الناس والدواب ، وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب .
وروي ذلك عن الكلبي ، ويقرب من هذا قول المجوس ، فإنهم قالوا : للعالم صانعان هما الرب سبحانه والشيطان .
وهكذا القائلون : كل خير من النور ، وكل شر من الظلمة ، وهم المانوية .
قوله : وخلقهم جملة حالية بتقدير قد : أي وقد علموا أن الله خلقهم ، أو خلق ما جعلوه شريكا لله .
قوله : " وخرقوا له بنين وبنات " قرأ نافع بالتشديد على التكثير ، لأن المشركين ادعوا أن الملائكة بنات الله ، والنصارى ادعوا أن المسيح ابن الله ، واليهود ادعوا أن عزيرا ابن الله ، فكثر ذلك [ ص: 439 ] من كفرهم فشدد الفعل لمطابقة المعنى .
وقرأ الباقون بالتخفيف .
وقرئ حرفوا من التحريف : أي زوروا .
قال أهل اللغة : معنى خرقوا اختلقوا وافتعلوا وكذبوا ، يقال : اختلق الإفك واخترقه وخرقه ، أو أصله من خرق الثوب : إذا شقه : أي اشتقوا له بنين وبنات .
قوله : بغير علم متعلق بمحذوف هو حال : أي كائنين بغير علم ، بل قالوا ذلك عن جهل خالص ، ثم بعد حكاية هذا الضلال البين والبهت الفظيع من جعل الجن شركاء لله ، وإثبات بنين وبنات له نزه الله نفسه ، فقال : سبحانه وتعالى عما يصفون وقد تقدم الكلام في معنى سبحانه .
ومعنى تعالى : تباعد وارتفع عن قولهم الباطل الذي وصفوه به .
قوله : بديع السماوات والأرض أي مبدعهما ، فكيف يجوز أن يكون له ولد وقد جاء البديع : بمعنى المبدع كالسميع بمعنى المسمع كثيرا ، ومنه قول عمرو بن معدي كرب :
أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع
أي المسمع ، وقيل : هو من إضافة الصفة المشبهة إلى الفاعل ، والأصل بديع سماواته وأرضه .وأجاز خفضه على النعت لله . الكسائي
والظاهر أن رفعه على تقدير مبتدأ محذوف ، أو على أنه مبتدأ وخبره أنى يكون له ولد وقيل : هو مرفوع على أنه فاعل تعالى ، وقرئ بالنصب على المدح ، والاستفهام في أنى يكون له ولد للإنكار والاستبعاد : أي من كان هذا وصفه ، وهو أنه خالق السماوات والأرض وما فيهما كيف يكون له ولد ؟ وهو من جملة مخلوقاته ، وكيف يتخذ ما يخلقه ولدا ، ثم بالغ في نفي الولد ، فقال : ولم تكن له صاحبة أي كيف يكون له ولد والحال أنه لم تكن له صاحبة ، والصاحبة إذا لم توجد استحال وجود الولد ، وجملة وخلق كل شيء لتقرير ما قبلها ، لأن من كان خالقا لكل شيء استحال منه أن يتخذ بعض مخلوقاته ولدا وهو بكل شيء عليم لا تخفى عليه من مخلوقاته خافية .
والإشارة بقوله : ذلكم إلى الأوصاف السابقة ، وهو في موضع رفع على الابتداء وما بعده خبره ، وهو الاسم الشريف ، و الله ربكم بدلا من اسم الإشارة ، وكذلك لا إله إلا هو خالق كل شيء خبر المبتدأ ، ويجوز ارتفاع خالق على إضمار مبتدأ ، وأجاز الكسائي النصب فيه والفراء فاعبدوه أي من كانت هذه صفاته فهو الحقيق بالعبادة ، فاعبدوه ولا تعبدوا غيره ممن ليس له من هذه الصفات العظيمة شيء .
قوله : لا تدركه الأبصار الأبصار : جمع بصر ، وهو الحاسة ، وإدراك الشيء عبارة عن الإحاطة به .
قال : أي لا تبلغ كنه حقيقته ، فالمنفي هو هذا الإدراك لا مجرد الرؤية . الزجاج
فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواترا لا شك فيه ولا شبهة ، ولا يجهله إلا من يجهل السنة المطهرة جهلا عظيما ، وأيضا قد تقرر في علم البيان والميزان أن رفع الإيجاب الكلي سلب جزئي ، فالمعنى لا تدركه بعض الأبصار وهي أبصار الكفار ، هذا على تسليم أن نفي الإدراك يستلزم نفي الرؤية ، فالمراد به هذه الرؤية الخاصة ، والآية من سلب العموم لا من عموم السلب ، والأول تخلفه الجزئية ، والتقدير : لا تدركه كل الأبصار بل بعضها ، وهي أبصار المؤمنين .
والمصير إلى أحد الوجهين متعين لما عرفناك من تواتر الرؤية في الآخرة ، واعتضادها بقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة [ القيامة : 22 ] الآية .
قوله : وهو يدرك الأبصار أي يحيط بها ويبلغ كنهها لا تخفى عليه منها خافية ، وخص الأبصار ليجانس ما قبله .
وقال : في هذا دليل على أن الخلق لا يدركون الأبصار : أي لا يعرفون كيفية حقيقة البصر وما الشيء الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه انتهى الزجاج وهو اللطيف أي الرفيق بعباده : يقال لطف فلان بفلان : أي رفق به ، واللطف في العمل الرفق فيه ، واللطف من الله التوفيق والعصمة ، وألطفه بكذا : إذا أبره : والملاطفة : المبارة ، هكذا قال الجوهري وابن فارس ، و الخبير المختبر بكل شيء بحيث لا يخفى عليه شيء .
وقد أخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ، في قوله : ابن عباس ، وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم قال : والله خلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم قال : تخرصوا .
وأخرج عنه في قوله : ابن أبي حاتم ، وخرقوا قال : جعلوا .
وأخرج ، عبد بن حميد وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ، مجاهد قال : كذبوا .
وأخرج ، عبد بن حميد عن وابن أبي حاتم ، قتادة ، نحوه .
وأخرج ، ابن أبي حاتم والعقيلي وابن عدي وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله : لا تدركه الأبصار قال : لو أن الإنس والجن والملائكة والشياطين منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفا واحدا ما أحاطوا بالله أبدا .
قال الذهبي : هذا حديث منكر انتهى .
وفي إسناده وهو ضعيف . عطية العوفي
وأخرج الترمذي ، ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن قال : رأى ابن عباس ، محمد ربه قال عكرمة : فقلت له أليس الله يقول : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار قال : لا أم لك ذاك نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء ، وفي لفظ : إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر .
وأخرج عنه قال : لا يحيط بصر أحد بالله . ابن جرير ،
وأخرج أبو الشيخ ، والبيهقي في كتاب الرؤية عن الحسن في قوله : لا تدركه الأبصار قال : في الدنيا .
وأخرج ، ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مثله . إسماعيل بن علية