nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=28980لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين
ذكر
البغوي وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال :
لم يكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعرف المنافقين حتى نزلت سورة ( براءة ) ، والظاهر أن مراده لم يكن يعرفهم كلهم ويعرف شئونهم بمثل ما في هذه السورة من التفصيل ، كما قال الله له في الذين مردوا على النفاق :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=101لا تعلمهم نحن نعلمهم ( 9 : 101 ) وستأتي في هذا السياق . إذ من المعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28842_30563ذكر المنافقين وبعض صفاتهم وأقوالهم وأفعالهم جاءت في عدة سور نزلت قبل سورة ( براءة ) منها سور المنافقين والأحزاب والنساء والأنفال والقتال والحشر ، وأما سورة ( براءة ) فهي الفاضحة لهم ، والكاشفة لجميع أنواع نفاقهم الظاهرة والباطنة ، وهذه الآيات أول السياق في هذا البيان للتفرقة بينهم وبين المؤمنين في أمر القتال ، ولعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يعلم ذلك إلا بعد نزولها . قال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم هذا نفي للشأن يراد به بيان الواقع في نفسه فلا يلاحظ في الفعل فيه الزمان الحاضر أو المستقبل الذي وضع له المضارع بل يشملهما كما يشمل الماضي ، كما تقول : الصائم لا يغتاب الناس ، والذي يزكي لا يسرق ، أي : هذا شأن كل منهما ، فالمعنى أنه ليس من شأن المؤمنين بالله الذي كتب عليهم القتال ، واليوم الآخر الذي يكون فيه الأجر الأكمل على الأعمال ، ولا من عادتهم أن يستأذنوك أيها الرسول في أمر الجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم إذا عرض المقتضي له ؛ لأن هذا من لوازم الإيمان التي لا تتوقف على الاستئذان
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون [ ص: 405 ] ( 49 : 15 ) وإذا لم يكن من شأنهم أن يستأذنوا في الجهاد بل يقدمون عليه عند وجوبه من غير استئذان لما تقدم آنفا ، بل هم يستعدون له في وقت السلم بإعداد القوة ورباط الخيل من استطاع ذلك منهم ، فهل يكون من شأنهم أن يستأذنوك في التخلف عنه ، بعد إعلان النفير العام له ؟ كلا ، إن أقصى ما قد يقع من بعضهم التثاقل والبطء في مثل هذا السفر البعيد .
ويحتمل أن يكون المعنى : لا يستأذنك هؤلاء المؤمنون في القعود والتخلف كراهة أن يجاهدوا في سبيل الله فإن الجهاد لا يكرهه المؤمن الصادق الذي يرجو الله والدار الآخرة ، ويعلم أن عاقبة الجهاد الفوز بإحدى الحسنيين : الغنيمة والنصر ، أو الشهادة والأجر ، وإنما قد يستأذن صاحب العذر الصحيح منهم ، وهم الذين قبل الله عذرهم ، وأسقط الحرج عنهم في الآيتين ( 91 و 92 ) روى
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920328من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه إلخ . يعني رجلا أعد فرسه رباطا في سبيل الله كلما سمع هيعة أي : صيحة لقتال أو في قتال ، أو فزعة أي : دعوة للإغاثة والنصر فيه طار على فرسه يبتغي القتل والموت في مظانه ، أي : المواضع التي يظن أن يلقى القتل والموت فيها .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44والله عليم بالمتقين له باجتناب ما يسخطه ، وفعل ما يرضيه ونيتهم فيه ، وأنه ليس من شأنهم أن يستأذنوا بالتخلف كراهة للقتال فهو يجزيهم وصفهم ، وقد استنبط من الآية أنه لا ينبغي الاستئذان في أداء شيء من الواجبات ، ولا في الفضائل والفواضل من العادات ، كقرى الضيوف ، وإغاثة الملهوف ، وسائر عمل المعروف ، ويعجبني قول بعض العلماء ما معناه : من قال لك : أتأكل ؟ هل آتيك بكذا من الفاكهة أو الحلوى مثلا ؟ فقل له : لا ، فإنه لو أراد أن يكرمك لما استأذنك .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر هذا تصريح بمفهوم ما سبق ؛ لزيادة تأكيده وتقريره ، وجاء الحصر فيه بـ ( إنما ) التي موضعها ما هو معلوم بالجملة ؛ لأن المعنى قد علم من مفهوم الحصر بالنفي والإثبات الذي قبله . والمعنى : إنما يستأذنك في التخلف عن الجهاد الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ؛ لأنهم يرون بذل المال للجهاد مغرما يفوت عليهم بعض منافعهم به ، ولا يرجون عليه ثوابا كما يرجو المؤمنون ، ويرون الجهاد بالنفس آلاما ومتاعب وتعرضا للقتل الذي ليس بعده حياة عندهم ، فطبيعة كفرهم بالله واليوم الآخر تقتضي كراهتهم للجهاد ، وفرارهم منه ما وجدوا له سبيلا ، بضد ما يقتضيه إيمان المؤمنين كما تقدم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وارتابت قلوبهم أي : وقد وقع لهم الريب والشك في الدين من قبل ، فلم تطمئن
[ ص: 406 ] به قلوبهم ، ولم تذعن له نفوسهم ، وإنما الإيمان هو اليقين المقارن للإذعان وخضوع النفس
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45فهم في ريبهم يترددون متحرين في أمرهم ، مذبذبين في عملهم ، يحسبون كل صيحة عليهم ، فهم يوافقون المؤمنين فيما يسهل أداؤه من عبادات الإسلام ، فإذا عرض لهم ما يشق عليهم فعله ضاقت به صدورهم ، والتمسوا التفصي منه بما استطاعوا من الحيل والمعاذير الكاذبة ، حتى إنه كان يشق عليهم حضور صلاة الفجر والعشاء كما ورد في الصحيح . وسيأتي في بيان فضائحهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ( 57 ) وقد ورد في بعض الروايات أن عدد هؤلاء المنافقين كان تسعة وثلاثين رجلا ، ولعل المراد المستأذنون أو المتخلفون منهم .
روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بآية سورة النور :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم ( 24 : 62 ) والجمهور على أنها محكمة ، وما أرى هذا الرأي يصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؛ فإن سورة النور نزلت قبل هذه السورة بالاتفاق . وموضوع الاستئذان فيها غير موضوعه هنا ، وإلا كانتا متناقضتين ، فآية " براءة " في الاستئذان بالتخلف عن الجهاد ، والقعود عنه بعد النداء بالنفير العام ، وآية " النور " في استئذان من يكون مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أمر جامع كالجمعة والعيدين - وليكن منه الجهاد - ويعرض لأحدهم حاجة يريد قضاءها ، والعودة إلى الجماعة ، فكان بعضهم لا يرى بذلك بأسا كالذين كانوا مجتمعين معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لصلاة الجمعة ، فجاءت العير بالتجارة فانفضوا إليها وتركوه قائما يخطب ليس معه إلا اثنا عشر منهم
أبو بكر وعمر وجابر الذي أخرج الشيخان
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وغيرهم هذا الحديث عنه ، وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عند
ابن مردويه في تفسيره أنه بقي معه سبعة عشر رجلا وسبع نسوة . وفي هذه الحادثة نزلت الآيات التي في آخر سورة الجمعة فصار المؤمنون بعد ذلك لا يخرجون من حضرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحاجة تعرض لهم إلا إذا استأذنوه وأذن لهم ؛ ولهذا قال الله تعالى في آية " براءة " :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله ( 44 ) الآية . والعجب من المفسرين الذين نقلوا هذه الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كيف سكتوا عن بيان هذا ، من سلم منهم القول بالنسخ ومن لم يسلمه ؟ .
وحكى
الرازي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12149أبي مسلم الخراساني في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43لم أذنت لهم أنه ليس فيه ما يدل على أن ذلك الإذن في ماذا ، فيحتمل أن بعضهم استأذن في القعود فأذن له ، ويحتمل أن بعضهم استأذن في الخروج فأذن له ، مع أنه ما كان خروجهم منه صوابا ؛ لأجل أنهم كانوا عيونا للمنافقين على المسلمين ، فكانوا يثيرون الفتن ويبغون الغوائل ؛ فلهذا السبب ما كان خروجهم
[ ص: 407 ] مع الرسول مصلحة . قال القاضي : هذا بعيد ؛ لأن هذه الآية نزلت في غزوة
تبوك على وجه الذم للمتخلفين والمدح للمبادرين ، وأيضا ما بعد هذه الآية يدل على ذم القاعدين وبيان حالهم انتهى ما نقله
الرازي عنه وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14959القاضي عبد الجبار في الرد عليه وكلاهما من
المعتزلة .
وأقول : إن هذا الاحتمال الذي ذكره
أبو مسلم مردود بأن الخروج إلى الجهاد ما كان يحتاج إلى إذن بعد إعلان النفير فيستأذنوا له . وأما كون خروجهم مفسدة فهو صحيح ، وسيأتي النص عليه ( في الآية 47 ) ولكن أولئك المستأذنين لم يكونوا يريدون الخروج كما تقدم ، فكانت المصلحة في عدم الإذن لهم ؛ لينكشف سترهم ، فيعرف النبي والمؤمنون كنه أمرهم ، ويثبت هذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة من الزاد والراحلة وغير ذلك مما يعد لمثل هذا السفر البعيد ، وكانوا مستطيعين لذلك ، ولم يفعلوا كما دلت عليه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم ، الانبعاث : مطاوع البعث وهو إثارة الإنسان أو الحيوان ، وتوجيهه إلى الشيء بقوة ونشاط كبعث الرسل ، أو إزعاج كبعثت البعير فانبعث ، وبعث الله الموتى . والتثبيط : التعويق عن الأمر ، والمنع منه بالتكسيل أو التخذيل ، ولم ترد في التنزيل إلا في هذه الآية . والمعنى : كره الله نفيرهم وخروجهم مع المؤمنين لما سيذكر من ضرره العائق عما أحبه وقدره من نصرهم ، فثبطهم بما أحدث في قلوبهم من الخواطر والمخاوف التي هي مقتضى سنته في تأثير النفاق ، فلم يعدوا للخروج عدته ؛ لأنهم لم يريدوه ، وإنما أرادوا بالاستئذان ستر ما عزموا عليه من العصيان
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46وقيل اقعدوا مع القاعدين في هذا القيل وجوه أحدها : أنه تمثيل لداعية القعود التي هي أثر التثبيط ، وفي معناه أنه أمر قدري تكويني لا خطاب كلامي . والثاني : أنه قول الشيطان بالوسوسة . والثالث : أنه قول بعضهم لبعض . والرابع : أنه حكاية لإذن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم ، وأنه قاله بعبارة تدل على السخط لا على الرضاء . إذ معناه : اقعدوا مع الأطفال والزمنى والعجزة والنساء ، فأخذوه على ظاهره لموافقته لمرادهم .
ويحتج المجبرة ومنهم
الأشعرية على
المعتزلة بهذه الآية ، ويتأولها هؤلاء بأنها لا تنافي وجوب مراعاة المصالح ، وتحسين العقل وتقبيحه ، ومذهبنا في أمثالها أنها بيان لسنة الله تعالى في ترتيب الأعمال الاختيارية ، على ما يبعث عليها من العقائد والصفات النفسية ، وموافقة ذلك هنا لحكمته وعنايته تعالى بأمر المؤمنين ، وذلك توفيق أقدار لأقدار ، في ضمن دائرة الاختيار ، فلا جبر ولا اضطرار للعبد ، ولا وجوب على الرب ، فالحكمة والرحمة وما في شرعه من موافقة المصالح ودرء المفاسد مما يجب له ، ولا يجب عليه شيء إلا ما أوجبه وكتبه على نفسه كالرحمة .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=28980لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ
ذَكَرَ
الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ قَالَ :
لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ ( بَرَاءَةٌ ) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُمْ كُلَّهُمْ وَيَعْرِفُ شُئُونَهُمْ بِمِثْلِ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ التَّفْصِيلِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ لَهُ فِي الَّذِينَ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=101لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ( 9 : 101 ) وَسَتَأْتِي فِي هَذَا السِّيَاقِ . إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28842_30563ذِكْرَ الْمُنَافِقِينَ وَبَعْضِ صِفَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ جَاءَتْ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ ( بَرَاءَةٌ ) مِنْهَا سُوَرُ الْمُنَافِقِينَ وَالْأَحْزَابِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَنْفَالِ وَالْقِتَالِ وَالْحَشْرِ ، وَأَمَّا سُورَةُ ( بَرَاءَةٌ ) فَهِيَ الْفَاضِحَةُ لَهُمْ ، وَالْكَاشِفَةُ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ نِفَاقِهِمُ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ أَوَّلُ السِّيَاقِ فِي هَذَا الْبَيَانِ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَمْرِ الْقِتَالِ ، وَلَعَلَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِهَا . قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ هَذَا نَفْيٌ لِلشَّأْنِ يُرَادُ بِهِ بَيَانُ الْوَاقِعِ فِي نَفْسِهِ فَلَا يُلَاحَظُ فِي الْفِعْلِ فِيهِ الزَّمَانُ الْحَاضِرُ أَوِ الْمُسْتَقْبَلُ الَّذِي وُضِعَ لَهُ الْمُضَارِعُ بَلْ يَشْمَلُهُمَا كَمَا يَشْمَلُ الْمَاضِيَ ، كَمَا تَقُولُ : الصَّائِمُ لَا يَغْتَابُ النَّاسَ ، وَالَّذِي يُزَكِّي لَا يَسْرِقُ ، أَيْ : هَذَا شَأْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ الَّذِي كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالَ ، وَالْيَوْمُ الْآخِرُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْأَجْرُ الْأَكْمَلُ عَلَى الْأَعْمَالِ ، وَلَا مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ إِذَا عَرَضَ الْمُقْتَضِي لَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ الَّتِي لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ ص: 405 ] ( 49 : 15 ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا فِي الْجِهَادِ بَلْ يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُوبِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا ، بَلْ هُمْ يَسْتَعِدُّونَ لَهُ فِي وَقْتِ السِّلْمِ بِإِعْدَادِ الْقُوَّةِ وَرِبَاطِ الْخَيْلِ مَنِ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، فَهَلْ يَكُونُ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوكَ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهُ ، بَعْدَ إِعْلَانِ النَّفِيرِ الْعَامِّ لَهُ ؟ كَلَّا ، إِنَّ أَقْصَى مَا قَدْ يَقَعُ مِنْ بَعْضِهِمُ التَّثَاقُلُ وَالْبُطْءُ فِي مِثْلِ هَذَا السَّفَرِ الْبَعِيدِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : لَا يَسْتَأْذِنُكَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ فِي الْقُعُودِ وَالتَّخَلُّفِ كَرَاهَةَ أَنْ يُجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ الْجِهَادَ لَا يَكْرَهُهُ الْمُؤْمِنُ الصَّادِقُ الَّذِي يَرْجُو اللَّهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، وَيَعْلَمُ أَنَّ عَاقِبَةَ الْجِهَادِ الْفَوْزُ بِإِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ : الْغَنِيمَةِ وَالنَّصْرِ ، أَوِ الشَّهَادَةِ وَالْأَجْرِ ، وَإِنَّمَا قَدْ يَسْتَأْذِنُ صَاحِبُ الْعُذْرِ الصَّحِيحِ مِنْهُمْ ، وَهُمُ الَّذِينَ قَبِلَ اللَّهُ عُذْرَهُمْ ، وَأَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْهُمْ فِي الْآيَتَيْنِ ( 91 و 92 ) رَوَى
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920328مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ إِلَخْ . يَعْنِي رَجُلًا أَعَدَّ فَرَسَهُ رِبَاطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَيْ : صَيْحَةً لِقِتَالٍ أَوْ فِي قِتَالٍ ، أَوْ فَزْعَةً أَيْ : دَعْوَةً لِلْإِغَاثَةِ وَالنَّصْرِ فِيهِ طَارَ عَلَى فَرَسِهِ يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ فِي مَظَانِّهِ ، أَيِ : الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَظُنُّ أَنْ يَلْقَى الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ فِيهَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ لَهُ بِاجْتِنَابِ مَا يُسْخِطُهُ ، وَفِعْلِ مَا يُرْضِيهِ وَنِيَّتِهِمْ فِيهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا بِالتَّخَلُّفِ كَرَاهَةً لِلْقِتَالِ فَهُوَ يَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ، وَقَدِ اسْتَنْبَطَ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الِاسْتِئْذَانُ فِي أَدَاءِ شَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ ، وَلَا فِي الْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ مِنَ الْعَادَاتِ ، كَقِرَى الضُّيُوفِ ، وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ ، وَسَائِرِ عَمَلِ الْمَعْرُوفِ ، وَيُعْجِبُنِي قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَا مَعْنَاهُ : مَنْ قَالَ لَكَ : أَتَأْكُلُ ؟ هَلْ آتِيكَ بِكَذَا مِنَ الْفَاكِهَةِ أَوِ الْحَلْوَى مَثَلًا ؟ فَقُلْ لَهُ : لَا ، فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُكْرِمَكَ لَمَا اسْتَأْذَنَكَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ ؛ لِزِيَادَةِ تَأْكِيدِهِ وَتَقْرِيرِهِ ، وَجَاءَ الْحَصْرُ فِيهِ بِـ ( إِنَّمَا ) الَّتِي مَوْضِعُهَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالْجُمْلَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَدْ عُلِمَ مِنْ مَفْهُومِ الْحَصْرِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ الَّذِي قَبْلَهُ . وَالْمَعْنَى : إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ بَذْلَ الْمَالِ لِلْجِهَادِ مَغْرَمًا يَفُوتُ عَلَيْهِمْ بَعْضُ مَنَافِعِهِمْ بِهِ ، وَلَا يَرْجُونَ عَلَيْهِ ثَوَابًا كَمَا يَرْجُو الْمُؤْمِنُونَ ، وَيَرَوْنَ الْجِهَادَ بِالنَّفْسِ آلَامًا وَمَتَاعِبَ وَتَعَرُّضًا لِلْقَتْلِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ حَيَاةٌ عِنْدَهُمْ ، فَطَبِيعَةُ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تَقْتَضِي كَرَاهَتَهُمْ لِلْجِهَادِ ، وَفِرَارَهُمْ مِنْهُ مَا وَجَدُوا لَهُ سَبِيلًا ، بِضِدِّ مَا يَقْتَضِيهِ إِيمَانُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ أَيْ : وَقَدْ وَقَعَ لَهُمُ الرَّيْبُ وَالشَّكُّ فِي الدِّينِ مِنْ قَبْلُ ، فَلَمْ تَطْمَئِنَّ
[ ص: 406 ] بِهِ قُلُوبُهُمْ ، وَلَمْ تُذْعِنْ لَهُ نُفُوسُهُمْ ، وَإِنَّمَا الْإِيمَانُ هُوَ الْيَقِينُ الْمُقَارِنُ لِلْإِذْعَانِ وَخُضُوعِ النَّفْسِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَرِّينَ فِي أَمْرِهِمْ ، مُذَبْذَبِينَ فِي عَمَلِهِمْ ، يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ، فَهُمْ يُوَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يَسْهُلُ أَدَاؤُهُ مِنْ عِبَادَاتِ الْإِسْلَامِ ، فَإِذَا عَرَضَ لَهُمْ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِعْلُهُ ضَاقَتْ بِهِ صُدُورُهُمْ ، وَالْتَمَسُوا التَّفَصِّيَ مِنْهُ بِمَا اسْتَطَاعُوا مِنَ الْحِيَلِ وَالْمَعَاذِيرِ الْكَاذِبَةِ ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ حُضُورُ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَشَاءِ كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ . وَسَيَأْتِي فِي بَيَانِ فَضَائِحِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ( 57 ) وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ عَدَدَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ كَانَ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْمُسْتَأْذِنُونَ أَوِ الْمُتَخَلِّفُونَ مِنْهُمْ .
رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ سُورَةِ النُّورِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 24 : 62 ) وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ ، وَمَا أَرَى هَذَا الرَّأْيَ يَصِحُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ فَإِنَّ سُورَةَ النُّورِ نَزَلَتْ قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ بِالِاتِّفَاقِ . وَمَوْضُوعُ الِاسْتِئْذَانِ فِيهَا غَيْرُ مَوْضُوعِهِ هُنَا ، وَإِلَّا كَانَتَا مُتَنَاقِضَتَيْنِ ، فَآيَةُ " بَرَاءَةٌ " فِي الِاسْتِئْذَانِ بِالتَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ ، وَالْقُعُودِ عَنْهُ بَعْدَ النِّدَاءِ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ ، وَآيَةُ " النُّورِ " فِي اسْتِئْذَانِ مَنْ يَكُونُ مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ - وَلْيَكُنْ مِنْهُ الْجِهَادُ - وَيَعْرِضُ لِأَحَدِهِمْ حَاجَةٌ يُرِيدُ قَضَاءَهَا ، وَالْعَوْدَةَ إِلَى الْجَمَاعَةِ ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا كَالَّذِينِ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ مَعَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ ، فَجَاءَتِ الْعِيرُ بِالتِّجَارَةِ فَانْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوهُ قَائِمًا يَخْطُبُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ مِنْهُمْ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَجَابِرٌ الَّذِي أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ ، وَفِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ
ابْنِ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ بَقِيَ مَعَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَسَبْعُ نِسْوَةٍ . وَفِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ نَزَلَتِ الْآيَاتُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فَصَارَ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ حَضْرَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ لَهُمْ إِلَّا إِذَا اسْتَأْذَنُوهُ وَأَذِنَ لَهُمْ ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةِ " بَرَاءَةٌ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ( 44 ) الْآيَةَ . وَالْعَجَبُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ نَقَلُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ كَيْفَ سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ هَذَا ، مَنْ سَلَّمَ مِنْهُمُ الْقَوْلَ بِالنَّسْخِ وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ ؟ .
وَحَكَى
الرَّازِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12149أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِذْنَ فِي مَاذَا ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَأْذَنَ فِي الْقُعُودِ فَأَذِنَ لَهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَأْذَنَ فِي الْخُرُوجِ فَأَذِنَ لَهُ ، مَعَ أَنَّهُ مَا كَانَ خُرُوجُهُمْ مِنْهُ صَوَابًا ؛ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا عُيُونًا لِلْمُنَافِقِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَكَانُوا يُثِيرُونَ الْفِتَنَ وَيَبْغُونَ الْغَوَائِلَ ؛ فَلِهَذَا السَّبَبِ مَا كَانَ خُرُوجُهُمْ
[ ص: 407 ] مَعَ الرَّسُولِ مَصْلَحَةً . قَالَ الْقَاضِي : هَذَا بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ لِلْمُتَخَلِّفِينَ وَالْمَدْحِ لِلْمُبَادِرِينَ ، وَأَيْضًا مَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ الْقَاعِدِينَ وَبَيَانِ حَالِهِمُ انْتَهَى مَا نَقَلَهُ
الرَّازِيُّ عَنْهُ وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14959الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَكِلَاهُمَا مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ .
وَأَقُولُ : إِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ الَّذِي ذَكَرَهُ
أَبُو مُسْلِمٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الْجِهَادِ مَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ بَعْدَ إِعْلَانِ النَّفِيرِ فَيَسْتَأْذِنُوا لَهُ . وَأَمَّا كَوْنُ خُرُوجِهِمْ مَفْسَدَةً فَهُوَ صَحِيحٌ ، وَسَيَأْتِي النَّصُّ عَلَيْهِ ( فِي الْآيَةِ 47 ) وَلَكِنَّ أُولَئِكَ الْمُسْتَأْذِنِينَ لَمْ يَكُونُوا يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَكَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ لَهُمْ ؛ لِيَنْكَشِفَ سَتْرُهُمْ ، فَيَعْرِفُ النَّبِيُّ وَالْمُؤْمِنُونَ كُنْهَ أَمْرِهِمْ ، وَيُثْبِتُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً مِنَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ لِمِثْلِ هَذَا السَّفَرِ الْبَعِيدِ ، وَكَانُوا مُسْتَطِيعِينَ لِذَلِكَ ، وَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ ، الِانْبِعَاثُ : مُطَاوِعُ الْبَعْثِ وَهُوَ إِثَارَةُ الْإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ ، وَتَوْجِيهُهُ إِلَى الشَّيْءِ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ كَبَعْثِ الرُّسُلِ ، أَوْ إِزْعَاجٍ كَبَعَثْتُ الْبَعِيرَ فَانْبَعَثَ ، وَبَعَثَ اللَّهُ الْمَوْتَى . وَالتَّثْبِيطُ : التَّعْوِيقُ عَنِ الْأَمْرِ ، وَالْمَنْعُ مِنْهُ بِالتَّكْسِيلِ أَوِ التَّخْذِيلِ ، وَلَمْ تَرِدْ فِي التَّنْزِيلِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ . وَالْمَعْنَى : كَرِهَ اللَّهُ نَفِيرَهُمْ وَخُرُوجَهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَا سَيُذْكَرُ مِنْ ضَرَرِهِ الْعَائِقِ عَمَّا أَحَبَّهُ وَقَدَّرَهُ مِنْ نَصْرِهِمْ ، فَثَبَّطَهُمْ بِمَا أَحْدَثَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْخَوَاطِرِ وَالْمَخَاوِفِ الَّتِي هِيَ مُقْتَضَى سُنَّتِهِ فِي تَأْثِيرِ النِّفَاقِ ، فَلَمْ يَعُدُّوا لِلْخُرُوجِ عُدَّتَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوهُ ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِالِاسْتِئْذَانِ سَتْرَ مَا عَزَمُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعِصْيَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ فِي هَذَا الْقِيلِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَمْثِيلٌ لِدَاعِيَةِ الْقُعُودِ الَّتِي هِيَ أَثَرُ التَّثْبِيطِ ، وَفِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَمْرٌ قَدَرَيٌّ تَكْوِينِيٌّ لَا خِطَابٌ كَلَامِيٌّ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ قَوْلُ الشَّيْطَانِ بِالْوَسْوَسَةِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ . وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ حِكَايَةٌ لِإِذْنِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَهُمْ ، وَأَنَّهُ قَالَهُ بِعِبَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى السُّخْطِ لَا عَلَى الرِّضَاءِ . إِذْ مَعْنَاهُ : اقْعُدُوا مَعَ الْأَطْفَالِ وَالزَّمْنَى وَالْعَجَزَةِ وَالنِّسَاءِ ، فَأَخَذُوهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِمُرَادِهِمْ .
وَيَحْتَجُّ الْمُجْبِرَةُ وَمِنْهُمُ
الْأَشْعَرِيَّةُ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَيَتَأَوَّلُهَا هَؤُلَاءِ بِأَنَّهَا لَا تُنَافِي وُجُوبَ مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ ، وَتَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ ، وَمَذْهَبُنَا فِي أَمْثَالِهَا أَنَّهَا بَيَانٌ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَرْتِيبِ الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ ، عَلَى مَا يَبْعَثُ عَلَيْهَا مِنَ الْعَقَائِدِ وَالصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ ، وَمُوَافَقَةُ ذَلِكَ هُنَا لِحِكْمَتِهِ وَعِنَايَتِهِ تَعَالَى بِأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَذَلِكَ تَوْفِيقُ أَقْدَارٍ لِأَقْدَارٍ ، فِي ضِمْنِ دَائِرَةِ الِاخْتِيَارِ ، فَلَا جَبْرَ وَلَا اضْطِرَارَ لِلْعَبْدِ ، وَلَا وُجُوبَ عَلَى الرَّبِّ ، فَالْحِكْمَةُ وَالرَّحْمَةُ وَمَا فِي شَرْعِهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ مِمَّا يَجِبُ لَهُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِلَّا مَا أَوْجَبَهُ وَكَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالرَّحْمَةِ .