قد ثبت عن أفضل البشر وأصدقهم من أنبياء الله وبعض أوليائه أنهم كانوا يرون الملائكة والجن في صور لطيفة أو كثيفة ، وثبت تمثلهم لهم بنص القرآن وغيره من كتب الوحي .
وقد صح جبريل ملك الوحي في صورته التي خلقه الله - تعالى - عليها إلا مرتين ، وقد علم بالقطع أنه رآه في الصور التي كان يتشكل فيها مرارا تعد بالمئين أو أكثر ، وليست محصورة في عدد نزوله بآيات القرآن وسوره ، وقد كان من تلك الصور صورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير - رضي الله عنه - ومنها صورة الرجل الغريب الذي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان إلخ ، وهذا النوع من الصور الكثيفة رآه فيه من حضر مجيئه من الصحابة - رضي الله عنهم - ومنها صور لطيفة لم يكن يراه فيها غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله في حديث الوحي الذي رواه الشيخان : دحية الكلبي يشمل النوعين ، وورد أنه - صلى الله عليه وسلم - مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط فرآهما ولم يرهما غيره ، ومعنى هذا أن الله - تعالى - أراه مثالا لهما ، وهذا غير تمثل الملك له بإرادته وعمله . " وأحيانا يتمثل لي الملك فيكلمني فأعي ما يقول "
وقد جبريل من الملائكة ، ورأى بعض الشياطين أيضا متمثلة في صور ، وكان يعبر عن ذلك بالرؤية ، فثبت بهذا أن الرؤية للشيء لا تقتضي رؤية حقيقته في الواقع ونفس الأمر ، وإن كان مخلوقا له جنس ينقسم إلى أنواع تحتها أصناف وشخوص لها أمثال . رأى - صلى الله عليه وسلم - غير
فإذا كان المخلوق يرى مخلوقا مثله رؤية لا يدرك بها كنهه ، ولا يحيط بحقيقته ولا يشاركه فيها كل من له عينان مثله ، وهذا مما يؤمن به المعتزلة والشيعة والأباضية كغيرهم فهل يستنكر أن تكون ، وعلى غير المعهود في رؤية بعضنا لبعض كما استنكر هؤلاء الذين قال شاعرهم : رؤية الرب الذي ليس كمثله شيء بلا كيف ولا مثال
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفة
أم يصح مع هذا أن يصر بعض أهل السنة على ، واستنكار تسميتها رؤية روحية مع الاتفاق بينهم على أن الإدراك بجميع أنواعه للنفس لا للجسد ، كما ترى توضيحه في المسألة التالية . تقييد رؤيته تعالى بالأبصار وأعين الرؤوس