سورة الإخلاص
قوله تعالى : قل هو الله أحد . الأحد : قال القرطبي : أي : الواحد الوتر ، الذي لا شبيه له ولا نظير ، ولا صاحبة ، ولا ولد ، ولا شريك . ا هـ .
ومعلوم أن كل هذه المعاني صحيحة في حقه تعالى .
وأصل أحد : وحد ، قلبت الواو همزة .
ومنه قول النابعة :
كأن رحلي وقد زال النهار بنا بذي الجليل على مستأنس وحد
وقال في أحد وجهان : الفخر الرازي
أحدهما : أنه بمعنى واحد .
قال الخليل : يجوز أن يقال : أحد اثنان ثلاثة ، ثم ذكر أصلها وحد ، وقلبت الواو همزة للتخفيف .
والثاني : أن الواحد والأحد ليسا اسمين مترادفين .
قال الأزهري : لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى ، لا يقال : رجل أحد ولا درهم أحد ، كما يقال : رجل واحد أي فرد به ، بل أحد صفة من صفات الله تعالى استأثر بها فلا يشركه فيها شيء .
ثم قال : ذكروا في وجوها : الفرق بين الواحد والأحد
أحدها : أن الواحد يدخل في الأحد ، والأحد لا يدخل فيه .
وثانيها : أنك لو قلت : فلان لا يقاومه واحد ، جاز أن يقال : لكنه يقاومه اثنان بخلاف الأحد .
[ ص: 148 ] فإنك لو قلت : فلان لا يقاومه أحد ، لا يجوز أن يقال : لكنه يقاومه اثنان .
وثالثها : أن الواحد يستعمل في الإثبات ، والأحد يستعمل في النفي .
تقول في الإثبات رأيت رجلا واحدا .
وتقول في النفي : ما رأيت أحدا ، فيفيد العموم .
أما ما نقله عن الخليل ، وقد حكاه صاحب القاموس فقال : ورجل واحد وأحد ، أي : خلافا لما قاله الأزهري .
وأما قوله : إن أحدا تستعمل في النفي فقد جاء استعمالها في الإثبات أيضا .
كقوله : أو جاء أحد منكم من الغائط [ 4 \ 43 ] .
فتكون أغلبية في استعمالها ودلالتها في العموم واضحة .
وقال في معجم مقاييس اللغة في باب الهمزة والحاء وما بعدها : أحد ، إنها فرع والأصل الواو وحد .
وقد ذكر في الواو وفي مادة وحد . قال : الواو والحاء والدال أصل واحد يدل على الانفراد من ذلك الوحدة بفتح الواو وهو واحد قبيلته ، إذا لم يكن فيهم مثله قال :
يا واحد العرب الذي ما في الأنام له نظير
وقيل : إن هذا البيت لبشار يمدح عقبة بن مسلم ، أو لابن المولى يزيد بن حاتم ، نقلا عن الأغاني .
فيكون بهذا ثبت أن الأصل بالواو والهمزة فرع عنه .
وتقدم أن دلالتها على العموم أوضح أي أحد .
وقد دلت الآية الكريمة ، على أن ، ولا نظير ولا ند له ، سبحانه وتعالى . الله سبحانه وتعالى أحد ، أي في ذاته وصفاته لا شبيه ولا شريك
وقد فسره ضمنا قوله : ولم يكن له كفوا أحد [ 112 \ 4 ] .
[ ص: 149 ] وقوله : ليس كمثله شيء ، أما المعنى العام فإن القرآن كله ، والرسالة المحمدية كلها ، بل وجميع الرسالات : إنما جاءت لتقرير هذا المعنى ، بأن الله سبحانه واحد أحد . بل كل ما في الوجود شاهد على ذلك .
كما قيل :
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، إشارة إلى ذلك في أول الصافات وفي غيرها ، وفي البقرة وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم [ 2 \ 163 ] .
وفي التوبة : وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو [ 9 \ 31 ] ، فجاء مقرونا بلا إله إلا الله .
وفي ص قوله : قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار [ 38 \ 65 ] .
وكما قدمنا أن الرسالة كلها جاءت لتقرير هذا المعنى ، كما في قوله : هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد [ 14 \ 52 ] ، سبحانه جل جلاله وتقدست أسماؤه ، وتنزهت صفاته ، فهو واحد أحد في ذاته وفي أسمائه وفي صفاته وفي أفعاله .
وقد جاء القرآن بتقرير هذا المعنى عقلا كما قرره نقلا ، وذلك في قوله تعالى : قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا [ 17 \ 42 - 43 ] .
وقوله : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ 21 \ 22 ] .
فدل على عدم فسادهما بعدم تعددهما ، وجمع العقل والنقل في قوله : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون [ 23 \ 91 ] .