تنبيه .
وليس في زكاة ، والوقص هو ما بين كل نصاب والذي يليه ، كما بين الخمسة والتسعة من الإبل ، وما بين الأربعين والعشرين ومائة من الغنم ، وما بين الثلاثين والأربعين من البقر ، وهذا باتفاق ، إلا خلاف للأحناف في وقص البقر فقط ، والصحيح هو مذهب الجمهور في الجميع ; لحديث الوقص في بهيمة الأنعام معاذ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " " ، فمفهومه أنه لا زكاة بعد الثلاثين حتى تبلغ أربعين ، فما بين [ ص: 276 ] الثلاثين والأربعين لا زكاة فيه . حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة
وأبو حنيفة يقول فيه بنسبة من التبيع ، وقد اشترط ، وأنه لا زكاة في المعلوفة ، ولا التي للعمل : كالإبل للحمل عليها ، والبقر للحرث ، ونحو ذلك . لزكاة بهيمة الأنعام النسل والسوم
وقال مالك : في المعلوفة وفي العوامل الزكاة ، قال في الموطإ ما نصه : في الإبل النواضح والبقر السواقي وبقر الحرث ; إني أرى أن يؤخذ من ذلك كله إذا وجبت فيه الصدقة . واستدلوا لمالك في ذلك بأمرين :
الأول : من جهة النصوص .
والثاني : من جهة المعنى .
أما النصوص ; فما جاء عاما في حديث أبي بكر - رضي الله عنه - في أنصباء الزكاة في أربع وعشرين من الإبل فما دونه الغنم ، في كل خمس شاة ، لعمومه في السائمة والمعلوفة . هذا في الإبل ، وكذلك في الغنم في كل أربعين شاة شاة ، أي : بدون قيد السوم .
وأما من جهة المعنى : فقال الباجي : إن كثرة النفقات وقلتها إذا أثرت في الزكاة ; فإنها تؤثر في تخفيفها وتثقيلها ولا تؤثر في إسقاطها ولا إثباتها : كالخلطة ، والتفرقة ، والسقي ، والنضح ، والسبح ، ولا فرق بين السائمة والمعلوفة إلا تخفيف النفقة وتثقيلها .
وأما التمكن من الانتفاع بها فعلى حد واحد لا يمنع علفها من الدر والنسل ، ورد الجمهور على أدلة مالك أيضا بأمرين :
الأول : من جهة النصوص .
والثاني : من جهة المعنى .
أما النصوص : فما جاء من الإبل في حديث ، وفيه : " بهز بن حكيم " رواه في كل أربعين من الإبل سائمة ابنة لبون أبو داود ، ، وغيرهما . والنسائي
وفي الغنم حديث : " " وهو حديث صحيح . في سائمة الغنم الزكاة
وفي كتاب أبي بكر وعمر ، فقالوا : جاء قيد السوم في الحديثين ، وأدلة مالك مطلقة ; ويحمل المطلق على المقيد كما هو معلوم .
[ ص: 277 ] ومما يدل على رجحان أدلة الجمهور : أن في حديث الغنم جاء المطلق في بيان العدد في كل أربعين شاة شاة ، فهو لبيان النصاب أكثر منه لبيان الوصف .
وحديث : " " : لبيان محل الوجوب أكثر منه لبيان العدد ، ومن جهة أخرى يعتبر الحديثان مترابطين ، وأن كلا منهما عام من وجه ، خاص من وجه آخر ، فحديث : " في سائمة الغنم الزكاة " عام في الغنم بدون عدد ، خاص في السائمة . في سائمة الغنم الزكاة
وحديث : " " . عام في الشياه ، خاص بالأربعين . فيخصص عموم كل منهما بخصوص الآخر ، فيقال : في سائمة الغنم الزكاة إذا بلغت أربعين ، ويقال : في كل أربعين شاة شاة إذا كانت سائمة ، وبهذا تلتئم الأدلة في الإبل والغنم ; لاشتراط السوم وتحديد العدد . في كل أربعين شاة شاة
أما البقر : فقد حكي الإجماع على اعتبار السوم ، ومن أدلة الجمهور من جهة المعنى أن السوم والنسل للنماء ، فيحتمل المواساة ، أما المعلوفة والعوامل فليست تحتمل المواساة . ومما تقدم يترجح قول الجمهور في اشتراط السوم والنسل . والله تعالى أعلم .
ما جاء في الخلطة ، وهي اختلاط المالين معا لرجلين أو أكثر ، وهي على قسمين :
أولا : خلطة أعيان .
ثانيا : خلطة أوصاف .
: أن يكون المال مشتركا بين الخلطاء على سبيل المشاع ، كمن ورثوا غنما أو بقرا مثلا ولم يقتسموه ، أو أهدي إليهم ولم يقتسموه . وهذه الخلطة يكون حكم المال فيها كحكمه لو كان لشخص واحد ، أو فخلطة الأعيان ، فهي أن يكون المال متميزا ، وكل منهم يعرف حصته وماله بعدد وأوصاف ، سواء بألوانها أو بوسمها أو نحو ذلك . ولكنهم خلطوا المال ليسهل القيام عليه ، كاختلاطهم في الراعي والمرعى ، والمسرح والمراح ، والفحل والدلو والمحلب . خلطة الأوصاف
ونحو ذلك مما هو منصوص عليه ; لما فيه من الرفق والاكتفاء بواحد من كل ذلك لجميع المال ، ولو فرق لاحتاج كل مال منه إلى واحد من ذلك كله ، فهذه الخلطة لها تأثير في الزكاة عند الأئمة الثلاثة : مالك ، ، والشافعي وأحمد - رحمهم الله - ، ولا تأثير لها عند أبي [ ص: 278 ] حنيفة - رحمه الله - ، وإنما التأثير عنده في خلطة المشاع .
واختلف القائلون بتأثيرها في الزكاة على من تؤثر :
فقال أحمد ، : تؤثر على جميع الخلطاء ، من يملكون نصابا ، ومن لا يملك . والشافعي
وقال مالك : لا تؤثر إلا على من ملك نصابا فأكثر ، ومن لا يملك نصابا فلا تأثير لها عليه . ودليل الجمهور على أبي حنيفة في تأثيرها هو قوله - صلى الله عليه وسلم - في كتاب بيان أنصباء الصدقة : ( ) . ولا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين مفترق ; خشية الصدقة ، وما كان من خليطين ; فإنهم يتراجعان بالسوية
فقال الجمهور : النهي عن تفريق المجتمع لا يتأتى إلا في اجتماع الأوصاف ; لأن اجتماع المشاع لا يتأتى تفريقه خشية الصدقة ، وكذلك التراجع بالسوية لا يقال إلا في خلطة الأوصاف ; لأن خلطة المشاع ما يؤخذ منها مأخوذ من المجموع وعلى المشاع أيضا ; لأن كل شريك على المشاع له حصته من كل شاة على المشاع .
مثال ذلك عند الجميع ، وإليك المثال للجميع : لو أن ، فإن كان كل منهم على حدة ، فعلى كل واحد منهم شاة ، فإن اختلطوا كانت عليهم جميعا شاة واحدة بالسوية بينهم ; لأن مجموعهم مائة وعشرون ، وهو حد الشاة . ثلاثة أشخاص يملك كل واحد منهم أربعين شاة
وهذا عند الأئمة الثلاثة القائلين بتأثير الخلطة : مالك ، ، والشافعي وأحمد ، ولو أن للأول عشرين شاة وللثاني أربعين وللثالث ستين ، ففيها أيضا شاة .
ولكن عند أحمد كل بحصته ، فلو كانت الشاة بستين درهما ، لكان على الأول عشرة دراهم بنسبة غنمه من المجموع ، وعلى الثاني عشرون ، وعلى الثالث ثلاثون ; كل بنسبة غنمه من المجموع . والشافعي
وعند مالك : لا شيء على الأول ; لأنه لم يملك نصابا ، والشاة على الثاني والثالث فقط ، وبنسبة غنمهما من المجموع ، فعلى الثاني خمسا القيمة أربعة وعشرون . وعلى الثالث ثلاثة أخماسها ستة وثلاثون درهما وهكذا .
[ ص: 279 ] والدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " . لا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين مفترق ; خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنما يتراجعان بالسوية
فقال الجمهور : النهي عن تفريق المجتمع وتقاسمهما بالسوية دليل على تأثير الخلطة في الزكاة ; لما فيه من إرفاق .
قال الباجي : كما في الإرفاق في سقي الحرث ما سقي بالنضح وما سقي بغير النضح .
وقال أبو حنيفة : ما كان من خليطين يعني : الشريكين ، ولكن يرده قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " ; لأن التراجع لا يتحقق إلا في خلطة الجوار والأوصاف . يتراجعان بالسوية
وقال مالك : لا تأثير للخلطة على من لم يملك النصاب ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " " ، فمن لم يملك أربعين شاة فلا زكاة عليه ، ولا تأثير للخلطة عليه . ولعل من النصوص المقدمة يكون الراجح مذهب في كل أربعين شاة شاة أحمد في قضية الخلطة . والله تعالى أعلم . والشافعي
عند القائلين بها كالآتي : عند الشروط المؤثرة في الخلطة أحمد - رحمه الله تعالى - خمسة أوصاف ، وهي اتحاد المالين في الآتي : المرعى . المسرح . المبيت . المحلب . الفحل .
وعند - رحمه الله - ذكر الشافعي النووي عشرة أوصاف ، الخمسة الأولى . وزاد أن يكون الشريكان من أهل الزكاة : أن يكون المال المختلط نصابا ، أن يمضي عليهم حول كامل ، اتحاد المشرب ، اتحاد الراعي .
وعند مالك : الراعي ، والفحل ، والمراح ، والدلو ، والمراد بالدلو : المشرب عند ، وعليه : يكون الجميع متفقين تقريبا في الأوصاف ، وما زاده الشافعي معلوم شرعا ; لأنها شروط في أصل وجوب الزكاة . ولكن اختلفوا في المراد من هذه الأوصاف : هل تشترط جميعها أو يكفي وجود بعضها ؟ . الشافعي
الواقع أنه لا نص في ذلك ، ولكن يرجع إلى تحقيق المناط فيما يكون به الإرفاق ، فمالك اكتفى ببعضها : كالفحل ، والمرعى ، والراعي . : اشترط توفر جميع تلك [ ص: 280 ] الأوصاف ، وإلا فلا تكون الخلطة مؤثرة ، ولكل في مذهبه خلاف في تلك الأوصاف لا نطيل الكلام بتتبعه ، وإنما يهمنا بيان الراجح فيما فيه الخلاف في أصل المسألة ، وقد ظهر أن الراجح هو الآتي : والشافعي
أولا : صحة تأثير الخلطة .
ثانيا : اشتراط الأوصاف التي تتحقق بها الخلطة عرفا .
ملحوظة .
لقد عرفنا أنصباء بهيمة الأنعام جملة وتفصيلا ، وبقي علينا الإجابة عن سؤال طال ما جال تفكر كل دارس فيه ، وهو ما يقوله جميع الفقهاء : إن المقادير توقيفية ، ومنها أنصباء الزكاة . ومعنى توقيفية : أنه لا اجتهاد فيها ، ولكن هل هي جاءت لغوية ، أو أن بين هذه الأنصباء ارتباطا ونسبة مطردة .
الواقع : أنه وإن كان الواجب على كل مسلم - والذي عليه المسلمون قديما وحديثا - هو الامتثال والطاعة ، إلا أننا لما كنا في عصر مادي ، والنظام الاقتصادي هو الأصل في سياسة العالم اليوم ; فإن البعض قد يتطلع إلى الإجابة عن هذا السؤال .
وقد حاولت الإجابة عليه بعمل مقارنة عامة توجد بها نسبة مطردة كالآتي :
أولا : في النقدين ; معلوم أن نصاب الذهب عشرون مثقالا ، والفضة مائتا درهم ، وفي كل منهما ربع العشر ، وكان صرف الدينار عشرة دراهم ، فيكون نصاب الذهب من ضرب عشرين في عشرة فيساوي مائتين ، فهي نسبة مطردة كما ترى .
وإذا جئنا للنسبة بين الذهب والفضة - وهي أصل الأثمان - وبين الغنم نجد الآتي :
أولا : في حديث عروة البارقي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه دينارا ; ليتشري لهم شاة ، فذهب وأتاهم بشاة ودينار ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : " " . ماذا فعلت ؟ " فقال : اشتريت شاتين بالدينار ، ثم لقيني رجل فقال : أتبيعني شاة فبعته شاة بدينار ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - " بارك الله لك في صفقة يمينك
معنى هذا : أن الدينار قيمته الشرائية تعادل شاتين ، من ضرب عشرين دينارا في اثنتين فيساوي أربعين شاة ، وهذا هو نصاب الغنم ، وفي الأربعين شاة شاة ، وقيمتها الشرائية نصف الدينار ، وهي خمسة دراهم وهي ما يؤخذ في العشرين مثقالا ; فاطردت النسبة أيضا [ ص: 281 ] بين الذهب والفضة وبين الغنم .
أما بين الغنم والإبل : فقد وجدنا أن البدنة عن سبع شياه في الهدي ، ونصاب الإبل خمسة وتضربها في سبع فيساوي خمسة وثلاثين ، ولو جعلت ستا لكانت تعادل اثنين وأربعين ، فأخذنا بالأقل ; احتياطا لحق المسكين ، فكان بين نصاب الإبل ونصاب الغنم نسبة مطردة .
وكذلك نصاب الغنم ونصاب النقدين نسبة مطردة . فظهرت الدقة واطراد النسبة في الأنصباء .